«يابو جرد ناعور/ ويــاك أديــــره/ مثل الرمد بالعين/ عشـق الزغـيرة»، تحاول وأنت تتحدث عن "الجرد" أو ما عرف بـ"النصبة" أن تجد مقدمة تليق بأهمية هذه الأداة التي خدمت فلاحي الفرات لعقود طويلة، قبل أن تحولها المضخات الحديثة إلى مجرد أخشاب مهترئة على ضفاف النهر، فلا تجد أجمل مما قيل فيها من شعرٍ أدخلها في التراث الغنائي الفراتي، وهي التي كانت على مر العصور جزءاً من التراث الزراعي للمنطقة.

"الجرد" إحدى الأدوات المستخدمة في السقاية على ضفاف الفرات عرَف به الباحث "عمر صليبي" قائلاً: «"الجرد" هو إحدى أدوات السقاية التي تلت عملية السحب اليدوي للماء من النهر بواسطة الدلاء، وهو عبارة عن مجموعة من الأخشاب المؤلفة من شجر "الغرب والتوت" على شكل دولاب تنصب على الشاطئ في إحدى مناطق الجروف العميقة، كان يدار باليد ثم أخذ الفلاح يربط الحبل بالثور أو البغل وعندما يسحب الحبل يخرج الماء من النهر».

"الجرد" هو إحدى أدوات السقاية التي تلت عملية السحب اليدوي للماء من النهر بواسطة الدلاء، وهو عبارة عن مجموعة من الأخشاب المؤلفة من شجر "الغرب والتوت" على شكل دولاب تنصب على الشاطئ في إحدى مناطق الجروف العميقة، كان يدار باليد ثم أخذ الفلاح يربط الحبل بالثور أو البغل وعندما يسحب الحبل يخرج الماء من النهر

أما فيما يتعلق بأقسام "الجرد" فقد عددها المهندس "وجيه الجزار" بالقول: «أقسام "الجرد" عديدة: 1-"النصبة": وهي عبارة عن جسر أو بدن شجرة من شجر التوت غالباً طولها نحو ثلاثة أمتار وقطرها حوالي 25 سم تركز هذه "النصبات" على الجرف أو البئر بصورة مائلة 45 درجة عن حافة النهر العمودي حتى يدلى الدلو على "النصبة" فينزل إلى البئر دون أن يمس حافته.

رسم بابلي يمثل الجرد

2- "الدواكير": وهي أخشاب أقل سماكةً وأقل طولاً من "النصبات" تستخدم لسند "النصبات" واحدة من اليمين وواحدة من اليسار.

3- "الشمعة": طولها نحو ذراع وتستند أطرافها على حافتي "النصبة".

الباحث عمر صليبي

4- "البكرة": اسطوانة تمر من وسطها "الشمعة" وتدور حولها، طولها حوالي ذراع وقطرها 20 سم.

5- "الدلو": عبارة عن قربة تصنع من جلد البقر ويبقى في الدباغة سبعة أيام، سعته نحو مئة لتر ماء له فتحتان العليا مستديرة بقطر نصف متر والسفلى قطرها 15 سم، الأولى لغرف الماء والثانية لتفريغ الماء في الحوض الذي يساق منه لسقي المزروعات.

صورة قديمة تمثل النصبة أو الجرد

6- "الطماس": خشبتان متصالبتان تربطان بفم "الدلو" حتى لا يطبق بعضه بعض بواسطة خيط جلد يقال له "شاروفة".

7- "عونة": الحبل الذي يسحب "الدلو" معمول من "عونات" وهي حبال جلد كل "عونة" طولها 20 سم والحبل طوله نحو 8-10 أمتار مؤلف من 40-50 "عونة" متصلة ببعضها بعضا، الطرف الواحد يربط "بطماس الدلو" والطرف الثاني يربط بالثور الذي يجره.

8- "الشاروفة": شريط معمول من جلد البقر بطول حبل "العونات" يقصره بمتر، طرفه الواحد مربوط بالثور والطرف الثاني مربوط بقسم "الدلو" السفلي، ترفع "الشاروفة" عند صعود "الدلو" قسمه السفلي إلى سويه قسمه العلوي حتى لا ينصب الماء في البئر عند صعود الدلو، فإذا ما وصل إلى سطح الأرض تسحب "الشاروفة" الفم المربوط بها إلى الحوض فيفرغ الماء فيه ويجري حالاً إلى ساقية تصبه في ألواح ومساكب المزروعات».

وحول حفر بئر "الجرد" حدثنا الباحث "عامر النجم" بالقول: «كان الفلاحون يقومون بحفر بئر "للجرد" إلى ما تحت قاع النهر بذراع ويتم الصعود والهبوط في البئر بواسطة درج يسمى "الهرزة" مصنوع من الحطب المغطى بالتراب ويتم تجديده كل عام ويرتبط البئر بالنهر بواسطة قناة صغيرة تسمح بوصول الماء إلى البئر، ومن "الجرود" التي اشتهرت في منطقة "دير الزور" وريفها "جرد الزبراوي" في قرية "بقرص" وجرد العايد في "حطلة"».

وحول استخدام "الجرد" في الحضارات القديمة التي قامت على ضفاف الفرات حدثنا الآثاري "يعرب العبد الله" بالقول: «إن السقاية على نهر الفرات وطرق الري المتبعة فيه تعتبر من أقدم طرق الري في العالم لقدم الحضارات التي قامت على ضفتيه، و"الجرد" بصورة خاصة يرجع استخدامه إلى قرون طويلة حيث اكتشفت الكثير من الرسومات التي تمثل وسائل الري في الحضارات القديمة كالحضارة البابلية وبدا فيها "الجرد" على صورته التي نعرفها عليه تقريباً».

مراجع:

عمر صليبي، لواء الزور في العهد العثماني، الحياة الاجتماعية والاقتصادية ص 123 ، دار العلم دمشق.