اشتهرت بها بيوت "دمشق" القديمة وصارت رائحتها المنعشة سمة من سمات أحيائها الجميلة، إلا أن هذا لم يمنع من أن يكون لها نصيب كبير من الاهتمام في مناطق أخرى لتصبح الشجرة المثالية في الحدائق المنزلية "لدير الزور" متمتعين بخضرتها... بظلها... برائحتها... وأخيراً بمربى "النارنج" اللذيذ والضيف الكريم والمحبب على الموائد "الديرية".

للتعرف على خصوصية هذه الشجرة في "دير الزور" وانتشارها التقينا الفلاح "أسعد الصالح" من قرية "الكسرة" الذي أفادنا بالقول: «لم تكن هذه الشجرة تزرع عندنا وذلك للاعتقاد بأن أشجار الحمضيات لا تنمو في بيئتنا، إلا أن تجربة نموها في البداية في الحدائق المنزلية نجحت بامتياز مما شجع الكثير من الفلاحين على محاولة زراعتها، وهي إلى الآن لا تستثمر في "دير الزور" كما يجب».

لم تكن هذه الشجرة تزرع عندنا وذلك للاعتقاد بأن أشجار الحمضيات لا تنمو في بيئتنا، إلا أن تجربة نموها في البداية في الحدائق المنزلية نجحت بامتياز مما شجع الكثير من الفلاحين على محاولة زراعتها، وهي إلى الآن لا تستثمر في "دير الزور" كما يجب

وحول وصول هذه الشجرة إلى "دير الزور" واعتبارها الشجرة المفضلة في الحدائق المنزلية، التقينا أولاً بالمهندس الزراعي "حسين حيجي" صاحب أحد المشاتل الزراعية في المدينة والذي أفادنا بالقول: «إن شجرة "النارنج" انتشرت في مدينتنا بحكم الصدفة ذاك أن الأهالي كانوا يزرعونها مطعمة على "يوسفي" أو "برتقال" للرغبة أكثر بهذين الصنفين في السابق، ولكن الطعم "يوسفي أو برتقال" يموت بسبب عدم القدرة على التأقلم وتعيش "النارنج" لقدرتها على مقاومة عوامل البيئة القاسية في "الدير"وكذلك ظروف التربة ومقاومة الحشرات والأمراض، وشيئاً فشيئاً وجد أهالي "دير الزور" هذه الشجرة تصمد في حدائقهم وتنمو واكتشفوا مع الوقت ميزاتها وإمكانية الاستفادة مما تجود به من ثمار فبدأ أهل "الدير " يصنعون المربى والعصير من ثمارها، ويتمتعون بظلها حتى صارت شيئاً فشيئاً شجرة مثالية يزرعونها في حدائق منازلهم، بل وصارت النوع المفضل لدى ربات المنازل حين تريد إحداهن زراعة شجرة مثمرة في حديقة منزلها فهي تفضلها على أنواع الحمضيات الأخرى، ومن تجود شجرته بثمار كثيرة لا بد وأن يوزع منها على الجيران لتتبارك ويتبارك محصولها في السنوات القادمة».

ثمار النارنج بعد قطفها

أما عن خصائص شجرة "النارنج" وما تقدمه من فوائد فقد أفادنا المهندس الزراعي "زهير الأحمد" بالقول: « يعتقد أن أصل شجرة "النارنج" هو الصين ومنها انتقلت إلى الدول المجاورة وشجرة "النارنج" عموماً شجرة مثمرة دائمة الخضرة، أزهارها بيضاء أما أوراقها فغامقة اللون ذات رائحة عطرية فواحة، و ثمارها كروية كبيرة، لونها برتقالي محمر تشبه ثمار "البرتقال" إلا أنها تختلف عن "البرتقال" بشدة المرارة كما تختلف عنه بأن رائحة زهرها أشد من رائحة "البرتقال" وبالإضافة إلى مزايا شجرة "النارنج" التي لا تخفى على أحد والمتعلقة بظلها وخضرتها الدائمة فإن لثمار "النارنج" وبذوره فوائد تستحق لشدة أهميتها تسليط الضوء عليها حيث تحتوي ثمار "النارنج" غير الناضجة على مركب "سيزانتين" والذي له تأثير مضاد للحمل إضافة لحمض "الليمونيك"، أما قشور ثمار "النارنج" فتحتوي على زيت طيار وعلى "الهيسيبرين" و"الأيسوهيبرين" وتستخدم هذه المركبات في علاج حالات الشلل لدى الأطفال والحمى الروماتيزمية والإجهاض، كما يستحصل منها أيضاً "البكتين" المستعمل في صناعة الأدوية ومساحيق التجميل».

أما البذور والأزهار فهي ذات أهمية اقتصادية كبيرة حدثنا عنها المهندس الزراعي "لؤي الأبكع" بالقول: «تحتوي البذور على نوع من الزيوت التي تدخل في صناعة الصابون، أما الأزهار فتتأتى أهميتها من كونها المصدر الرئيسي لزيت "النيرولي" والذي يستخدم في صناعة العطور.

المهندس لؤي الأبكع

كما أنها تعتبر المصدر الأساسي لإنتاج "روح ماء الزهر" والذي يدخل في تركيب العديد من الأدوية التي تقدم لمرضى القلب والجهاز العصبي حيث يعتبر مهدئ للأعصاب كما أنه يمد الجسم بالفيتامينات والأملاح إذا ما تم استخدامه مع السلطات، أما فوائده الطبية فلا حصر لها ومنها تقوية جهاز المناعة عند الإنسان وتخفيف الصداع».

ومن الجدير بالذكر أن مربى "النارنج" يعتبر واحد من أهم أنواع المربيات التي تحرص المرأة "الديرية" على إعدادها ويعتبر وجوده على المائدة دلالة على مهارة وذوق كبيرين تتمتع بهما ربة الأسرة، عن مربى "النارنج" حدثتنا السيدة "جهان الباقر" ربة منزل، بالقول: «تحرص المرأة "الديرية" على إعداد مربى "النارنج" بنفسها بدل شرائه من السوق وشجعها على ذلك وجود شجرة "النارنج" غالباً في حديقة المنزل، فبالإضافة إلى الاستفادة من رائحة شجرة "النارنج" وخضرتها الدائمة تحرص ربة المنزل على استغلال ثمارها في صنع المربى ويتم ذلك بغسل ثمار "النارنج" الطازجة ثم بشرها بمبشرة ناعمة وبعد ذلك تقسم الحبة الواحدة إلى قسمين ويتم عصرها، ويؤخذ العصير ويخلط مع كمية مناسبة من الماء وعصير ليمونة واحدة، ثم تفرم القشور حسب الرغبة فالبعض يجعلها خيوط طولية والبعض الآخر قطع صغيرة مستطيلة ، ثم يوضع العصير فوق النار مع قطع "النارنج" وإضافة البذور و"تفل النارنج" ضمن قطعة قماش ويترك حتى يغلي على نار هادئة لمدة ساعة تقريباً ويتم التحريك بين الحين والآخر، وحين يتم نضج القطع يرفع وعاء الطبخ عن النار وكذلك صرة البذور بعد عصرها، ثم تتم إضافة السكر والتحريك على نار هادئة لحوالي ربع ساعة وبعدها يترك ليبرد قليلاً ويصب في علب محكمة تتم تغطيتها بقطعة قماش خفيفة وإغلاقها بعد ذلك».

السيدة جيهان الباقر