قديمة هي الحضارات التي توضعت على جانبي الفرات، وما تحتويه من أطلال وأوابد شاهد عليها ودليل على أصالتها وعراقتها، وما قلعتا "حلبية" و"زلبية" إلا واحدة من تلك الشواهد التي مازالت باقية بقاء الفرات، وكانت من أهم الموانئ التي ساهمت في ازدهار الحضارة التدمرية.

ولتسليط الضوء على هذا الميناء الهام والذي ساعد في ازدهار الحضارة التدمرية التقى eSyria المهندس "أمير الحيو" من دائرة الآثار والمتاحف "بدير الزور" والذي بدأ حديثه معنا بالقول: «عزا بعض المؤرخين سبب بناء قلعة "حلبية" إلى "زنوبيا" وسبب بنائها يعود إلى عزم الملكة على إذلال مدينة "فولوغيسيه" المعروفة في الكتابات التدمرية باسم "الجيسا"، وهي في نظر الباحثين الكفل على نهر الفرات في لواء الحلة بالعراق بناها "فلوكاس" من ملوك الارشكين "بنو أرشك" عام 60ق.م، وذلك لاستجلاب التجارات الواردة عن طريق نهر الفرات من أقاصي الهند والشام وآسيا الصغرى فرأت "زنوبيا" منافسة هذه المدينة ببناء مدينة جديدة تقع في منطقة نفوذها على الفرات».

عزا بعض المؤرخين سبب بناء قلعة "حلبية" إلى "زنوبيا" وسبب بنائها يعود إلى عزم الملكة على إذلال مدينة "فولوغيسيه" المعروفة في الكتابات التدمرية باسم "الجيسا"، وهي في نظر الباحثين الكفل على نهر الفرات في لواء الحلة بالعراق بناها "فلوكاس" من ملوك الارشكين "بنو أرشك" عام 60ق.م، وذلك لاستجلاب التجارات الواردة عن طريق نهر الفرات من أقاصي الهند والشام وآسيا الصغرى فرأت "زنوبيا" منافسة هذه المدينة ببناء مدينة جديدة تقع في منطقة نفوذها على الفرات

وعن سبب بناء حصن حلبية على الفرات قال: «إن سبب إنشاء حصن حلبية "حصن زنوبيا" على الفرات هو تقوية حدود مملكتها للوقوف في وجه هجمات الفرس من الشرق، وإن حصن "حلبية" سمي باسم حصن "زنوبيا" نسبة إلى الملكة مؤسسته والمتتبع لتأثيرات التجارة في حوض الفرات وحاضرة باديته تدمر، لا يمكن أن يهمل دورها التجاري وأهميتها في نقل البضائع من بلاد العراق إلى الشام عبرها وبالعكس كما لا يمكن أن يغفل صلتها بميناء حلبية لكونه الميناء النهري الهام للقوافل التدمرية المارة عبر الفرات، وقد دلت التنقيبات على وجود سفن تدمرية كانت تصل إلى بلاد الهند وبلاد فارس عبر الخليج العربي، حيث تصل السفن النهرية إلى شط العرب ومن هناك تنقل البضائع بسفن بحرية كبيرة».

المهندس امير حيو

وعن الطريق الذي تسلكه القوافل التدمرية للوصول إلى ميناء الحلبية تحدث عنه بالقول: «الطريق البري بين "تدمر" وقلعة حلبية طريق سهل مؤمن بالمياه، فسواء انطلقت القوافل من تدمر مارة بـ"السخنة" و"الطيبة" و"البشري" فبئر"قصيبة" وعين "صفية" فقلعة "حلبية"، أو انطلقت من "الطيبة" إلى نهير "قباقب"، وهو فيضه مازالت تعرف بالاسم ذاته ثم عين "طابوس" التي تقع شرقي قلعة حلبية على الفرات بحوالي 26كم في قرية "الشميطية"، فان الصلة بين "تدمر" وقلعة "حلبية" قوية جداً لذلك نجد أطماع الرومان والفرس متجهة إلى احتلال مركز العاصمة "تدمر" وجميع الثغور التدمرية الهامة».

الملكة "زنوبيا" ليست بانية لقلعتي "حلبية" و"زلبية" وإنما مجددة لبنائهما، حيث قال بهذا الصدد: «على الرغم من الأهمية التجارية والعسكرية لقلعة "حلبية" إلا أن بناءها منسوب إلى الملكة زنوبيا فلا يمكننا الجزم في ذلك والأصح أن نقول إنها وقلعة "زلبية" مبنيتان قبل عهد "زنوبيا" والمرجح أنهما مبنيتان زمن الرومان وأن "زنوبيا" مجددة لبنائهما وليست بانية لهما وذلك لعدة أسباب، أولها أن الملكة "زنوبيا" حكمت ست سنوات فقط، حكمت من عام 266 وحتى272م حينما قضى الإمبراطور الروماني "أورليانس" على مملكتها واقتادها أسيرة إلى روما ولا يعتقد أن هذه الفترة كافية لبناء قلعة حلبية المعروفة بسعة مساحتها وضخامة بنيانها الصخري، ثانيها أن الفترة التي حكمت فيها "زنوبيا" كانت فترة استعداد عسكري للوقوف في وجه الفرس من جهة ووجه الرومان الذين كانوا يخشون تزايد نفوذها من جهة أخرى ولعل ما عزم عليه "غاليلنوس" بتحريض من شيوخ روما والقضاء عليها أي "زنوبيا" قبل استفحال أمرها دليل على ذلك، حيث أرسل جيشاً إلى الشرق تظاهر بأنه يريد من إرساله محاربة "سابور" غير أنه في الواقع كان يريد مهاجمتها وإخضاع "تدمر" فاستعدت "زنوبيا" للقائه وانتصرت على قائده "هرقلياس" ولم يكتف الرومان بذلك بل حرضوا الجيش الروماني الموجود في مصر على قتال جندها بعد أن كتب لها "تيماجينيس" والمعارضون للحكم الروماني».

قلعة حلبية

وتابع حديثه بالقول: «إن الحرب التي دارت بين الجيش التدمري بقيادة "زبدا" والجيش الروماني بقيادة "بروبوس" وانتصار زبدا عليه عند بابلون أي "الفسطاط"، إلا دلائل كافية على أن فترة حكم "زنوبيا" القصيرة نسبياً والتي كانت فترة استعداد عسكري دائم واستقرار نسبي داخل حدود المملكة التدمرية ليست كافية لبنائها، ثالثها ما ذكرعن سبب بناء حصن "حلبية" ومزاحمته لمدينة "الجيسا" تجارياً يثير بعض التساؤلات، رابعاً الآثار التي تركتها زنوبيا في الحلبية لا تتناسب مع حجم الانجازات العسكرية التي حققتها ولا تدل دلالة كافية على أنها هي البانية لها قياساً على الانجازات الضخمة في البناء داخل حصن "دورا أوربوس" من قبل التدمريين على اعتباره أحد ثغورهم».

وعن الآثار الباقية من عهد التدمريين في قلعة "حلبية" تحدث بهذا الخصوص بالقول: «لم يبق من آثار عهد تدمر في "الحلبية" إلا المقابر خارج أسوار المدينة، وهي على هيئة أبراج تتألف من طابقين أو ثلاثة طوابق بنيت على الطريقة التدمرية في بناء القبور، وتشاهد بقايا قبور مشابهة في المدن الواقعة في منطقة الفرات الأوسط التي خضعت لنفوذ تدمر، وبعد احتلال الإمبراطور الروماني "أورليانس" لتدمر عام 272م أصبحت قلعتا "حلبية" و"زلبية" قاعدة عسكرية تابعة للروم الغربيين، ثم للبيزنطيين بعد ذلك ونظراً لأهميتها التجارية والعسكرية فقد كانت محط غارات "الساسانيين" عليها فقد استولى "خسرو" الأول على حصن "حلبية "عام 540م ودمره، وأعاد الإمبراطور البيزنطي "جستنيانوس" عام 547م بناء ما تهدم وبنى في قلعة حلبية وزلبية كنيسة مازالت تعرف باسمه، وفي سنة 610م وفي أيام القيصر "فوكاس" هاجمها "خسرو الثاني" وأنزل فيها الخراب حينما عبر "شهربراز" الفرات في العام نفسه».

قلاع وحصون شامخة وشاهدة على حضارات متعاقبة، غنية بمحتواها العلمي والثقافي، وتدل دلالة أكيدة على أن بلاد الشام وسورية بالتحديد مهد الحضارات ومركز ثقلها وقيادتها.