لا تقاس الأوطان بالمساحات، وإنما تقاس بالرجال الذين يثمنون الأوطان، و"حماة" التي يتنزه اسمها على ضفة الروح، رسمته بأنامل العلم طبيباً ماهراً، وشاعراً غريداً، وقرأته قلعة وبيوتاً ومساجد، وجنة يجري من تحتها العاصي، وأرسلته عبقرياً لينشر العلم داخلها وخارجها كي يعم الخير كثيراً من الناس، أبت في نهاية المطاف إلا أن تعيده إليها كي يقضي ما تبقى له من عمر بين رحابها بعد أن بلغ رسالتها، إنه الدكتور "مأمون الشقفة"، الطبيب الذي ذاع علمه الديني والدنيوي أرجاء الوطن، وأسر بعلمه وتواضعه عقول وقلوب من عرفه أو سمع عنه.

eSyria التقى الدكتور "مسعف الشيخ خالد" رئيس جمعية "العاديات" في "حماة" في (8/10/2009) ليتحدث عن صديقه الدكتور "مأمون الشقفة" حيث قال:

وبعد عدة سنوات انتقل الدكتور "مأمون" إلى مستشفى "الراشد" بـ"الإمارات"، ثم إلى مستشفى "الغصن" وأخيراً إلى كلية "دبي" الطبية للبنات، وعين عميداً للعلوم السريرية، وأدخل أساليب التعليم الحديثة، وأنشأ علماً دعي بـ"الطب الإسلامي" عني بكشف الظواهر الطبية بالقرآن والسنة، وألف في هذه المرحلة كتابه القيم "القرار المكين"

«ولد الدكتور "مأمون الشقفة" في (30/9/1936) في حي "الشرقية" بـ"حماة" في بيت عربي واسع، ودرس الابتدائية والإعدادية في المدرسة "المحمدية الشرعية" وكانت وقتها مدرسة خاصة، ثم انتقل في المرحلة الثانوية إلى مدرسة "ابن رشد" وتخرج منها عام (1953)، انتسب إلى كلية الطب بـ"دمشق" وتخرج منها عام (1960)، عاصر الأساتذة الكبار في كلية الطب هناك أمثال الدكتور "مروان المحاسني" الذي يشغل حالياً رئاسة مجمع اللغة العربية، والدكتور "مدني الخيري" والدكتور "أمين شورى" وغيرهم، ومما يلفت النظر في دراسة الدكتور "مأمون" أنه كان الأول على أبناء صفه منذ المرحلة الابتدائية حتى تخرجه من كلية الطب، عمل بعد التخرج قائماً بالأعمال في قسم التوليد لمدة سنتين، حيث كان العمل شاقاً ومجهداً حتى إنه كان لا يجد الوقت كي يقص شعر رأسه، حصل على شهادة الاختصاص عام (1964) وشغل منصب أمين سر جمعية "المولدين السوريين"، ثم عاد بعد خدمة العلم إلى "حماة" وعمل في المستشفى الوطني القديم في "الحاضر"».

الدكتور مسعف الشيخ خالد

وأضاف بقوله:

الدكتور مأمون والدكتور مسعف

«وتعود معرفتي بالدكتور "مأمون" للعام (1966) حيث كنت أعمل طبيباً متمرساً في المستشفى الوطني، حيث كان ظاهرة فريدة من نوعه، بشوش الوجه، خفيض الصوت، قليل الكلام، ولا أتذكر أنه رفض لنا طلباً بالاستشارة ليلاً أو نهاراً، وأنا لا أنسى إلى الآن إحدى المريضات من قرية "اللطامنة" حين أصيبت بقصور كلوي حاد وكانت حسب المتعارف عليه آنذاك أنها شارفت على الموت بسبب تعذر العلاج، لكن الدكتور "مأمون" كان قد قرأ عن عملية "الرحم الصفاقي" والتي بدأ تطبيقها في بعض المستشفيات في أوروبا على استحياء، فسافر إلى "دمشق" وجلب المحلول اللازم للعملية من هناك، وأجرى لها تلك العملية ونجحت نجاحاً باهراً، ونجت تلك المريضة من الموت بإذن الله وبفضل الدكتور "مأمون"، وكانت هذه أول عملية تجرى في الشرق الأوسط من هذا النوع».

وعن الاختصاص الذي قام به الدكتور "مأمون" في "بريطانيا" قال الدكتور "مسعف":

من حفل التكريم للدكتور مأمون

«أرسل الدكتور "مأمون" إلى "بريطانيا" للحصول على شهادة عالية المستوى على حساب القنصلية البريطانية، وكانت مدة التحضير لهذه الشهادة ثلاث سنوات، لكن الدكتور "مأمون" حصل على تلك الشهادة العالمية في غضون (16) شهراً ثم عاد إلى "حماة"، وعندما علم وزير الصحة آنذاك بالشهادة التي يحملها الدكتور "مأمون"، طلب منه الانتقال إلى جامعة "دمشق" والتدريس فيها».

وتابع بقوله:

«وبعد عدة سنوات انتقل الدكتور "مأمون" إلى مستشفى "الراشد" بـ"الإمارات"، ثم إلى مستشفى "الغصن" وأخيراً إلى كلية "دبي" الطبية للبنات، وعين عميداً للعلوم السريرية، وأدخل أساليب التعليم الحديثة، وأنشأ علماً دعي بـ"الطب الإسلامي" عني بكشف الظواهر الطبية بالقرآن والسنة، وألف في هذه المرحلة كتابه القيم "القرار المكين"».

وأما عن الدكتور الشاعر "مأمون الشقفة" قال الدكتور "مسعف":

«كانت البداية الشعرية للدكتور "مأمون الشقفة" في الصف العاشر، حيث كتب قصيدة قدمها للمجلة الطلابية، لكن هذه القصيدة رفضت بداعي "الركاكة"، بعد ذلك انقطع عن الشعر لفترة بسبب عمله في دار التوليد وهو مازال شاباً يحاول أن يثبت نفسه في هذه الدار التي كانت تعد من أهم المراجع العلمية في سورية، وطرق الدكتور "مـأمون" كل أبواب الشعر، واختص بالشعر الزوجي أو ما يسميه "الشعر الحلال"، وتحدث أيضاً في الشعر الديني، وكتب مجموعة شعرية أسماها "رمضانيات"، وأجاد فن الرثاء، ومن الممكن اعتبار أن أهم ما كتبه في هذا الباب هو رثاؤه للمرحوم الأستاذ "إبراهيم زعرور" والذي كان يحفظ قسماً كبيراً من أشعار الدكتور "مأمون"، وأيضاً ما قاله في رثاء المهندس "ماجد الأمير"، وكتب ديواناً في الدكتور "وجيه بارودي" دعاه "إلا ذراع"».

وأضاف:

«وامتاز شعر الدكتور "مأمون" بنوع من الدعابة الساخرة، وكثيراً ما دارت بينه وبين الشاعر "نبيل قصاب باشي" مساجلات شعرية تدور حول شعر كل منهما، وحول تنازعهما حب "حماة"، ولا يجب أن ننسى "الحنين" الذي أنضجته نار الغربة، حيث يقول بإحدى قصائده يحن إلى "حماة":

بغيرك لن أموت إن استطعت/ وأنت بخاطري مهما صنعت

بنفسي "جامع السلطان" ليلا/ ودرس عند بحرته وصوت

بنفسي أن يبل الطين ثوبي/ بأطراف الأزقة إن عبرت

بنفسي "خسة" في شط عاصي/ إذا أنهيت أضلعها انتهيت

وكل ما يتمناه الدكتور "مأمون الشقفة" في هذه الأيام "ألا يقول الشعر" لأن الشعر يأتيه رغماً عن إرادته».