هو شخص أدرك منذ بداية تكوّن أفكاره أن "الحياة التزام"، عايش الطبيعة بخيرها وجفافها فانعكست عليه مرونةً وصلابةً، لتتحول الفكرة إلى قناعة تُرجمت عبر صور متلاحقة تشكل سلسلة متصلة من حياة إنسان أحبّ العلم فتعلّم وعلّم، التزم مع إخوته فأصبح "أباً صغيراً"، عشق وطنه فخدمه وهو ضابط ووزير ومهتم بالعمل التنموي.

هذه الصور التي ستحتفظ بها ذاكرتك بعد حديث اتسم بالشفافية دام لأكثر من ساعتين مع الأستاذ "محمد مفضي سيفو" الممثل المقيم لشبكة الآغا خان للتنمية في سورية، بدأه بالتعريف عن نفسه قائلا: «اسمي "محمد بن مفضي سيفو" من قرية "عقارب" التابعة لمدينة "سلمية"، والدي كان فلاحا ومربي أغنام، عاش حياته وهو يسعى ليؤمن لأولاده حياةً كريمةً ودراسةً جيدةً، والدتي كانت إنسانة هادئة تقية ورعة علمتنا محبة الناس، وكانت تكرر دائماً على مسامع والدي عبارة "يا أبو مصطفى ما في شي غالي، إلا محبة الناس وطاعة الله"!، أما "جدي" فقد حُكم بالإعدام أيام الاحتلال العثماني ولكن لم يذكر على قائمة الشهداء لكونه كان جندياً».

كانت علاقتي مع مرؤوسيَّ علاقةً رائعة قائمة على الاحترام وتبادل المعرفة، وذلك لأنني كنت أنظر إلى عملي على اختلافه كهواية أحبها وعلي أن أتابعها باستمرار

وتابع حديثه عن الظروف التي صاحبته في بداية طريقه الدراسي: «إن موضوع متابعة الدراسة بالنسبة لي ولإخوتي لم يكن بالأمر السهل، إنما كان يشكل تحدياً بالنسبة لنا، ففي الفترة التي كنا أثناءها ندرس في الثانوية ضربت المنطقة موجة جفاف قاسية استمرت لمدة سبع سنوات (من عام 1954- وحتى 1961)، تأثرت بهذه الموجة الزراعة وبالتالي تربية الأغنام والمراعي، فترتبت على والدي ديونٌ كثيرةٌ بسبب إصراره على متابعة العمل وزراعة أرضه، وفعلا كان كل سنةٍ يزرعُ الأرضَ لكن دون حصاد حتى السنة السابعة، وصادف أن هذه الفترة كانت حرجة بالنسبة لي ولأخي "مصطفى" الذي أحبه كثيراً وكان مثالاً للأخ المخلص، لذلك لم يتمكن أخي وقتها من متابعة دراسته بالجامعة ولا حتى أنا، فقرر أبي بيع الأرض ليعلمنا لكننا رفضنا، ومن هنا التحق أخي بالكلية الحربية وأنا بدأت الدراسة في ثانوية "سلمية" وحصلت على البكالوريا عام 1961، وفي السنة التالية انتسبت إلى جامعة "دمشق" كلية الحقوق».

أ."محمد مفضي سيفو" الممثل المقيم لشبكة الآغا خان للتنمية في سورية،

بعد هذه المرحلة بدأ "محمد سيفو" التدريس في ثانويات "سلمية" مختلف المواد وكان اعتماده الأساسي على اللغة الانكليزية، بمساندة مدير ثانوية "قتيبة بن مسلم الباهلي" الأستاذ "مصطفى الجندي" عندما توافرت شواغر للمدرسين في فترة ما بعد الانفصال بين سورية ومصر.

**مدرّس... وأب صغير لأربعة إخوة...

في مكتبه

بقي "محمد سيفو" في معترك التدريس حتى أنهى دراسته الجامعية في كلية الحقوق بجامعة "دمشق"، وكان حينها مسؤولا عن رعاية إخوته وأخواته، "أحمد"، "غصون"، "سعاد"، "فاطمة"، الذين أحبهم كثيراً وربط مصيره بمصيرهم فكانوا الأوفياء، كما كان مسؤولاً عن تلاميذه في "سلمية"، ومتابعة دراسته وامتحاناته في "دمشق"، يقول عن تلك الفترة الحرجة كما وصفها:

«كانت من أصعب المراحل التي مررت بها، لأنني تحملت أعباءَ مهمةٍ مركبة، أولها مهمة التدريس لتأمين مصروفي ومصروف إخوتي الذين انتقلوا للعيش معي في "سلمية"، حيث أصبحت مسؤولاً عن ثلاث أخوات وأخ، أي أصبحت بشكل أو بآخر ربّ أسرة وعمري تسعة عشر عاماً؛ ولا أكبرهم إلا بسنتين أو ثلاثة فقط وهي كانت المهمة الثانية، أما الثالثة فكانت متابعة دراستي الجامعية في كلية الحقوق، فكنت أنتهي من تصحيح أوراق تلاميذي وأسافر إلى "دمشق" لأقدم امتحاناتي، وهكذا أنهيت الدراسة الجامعية في أربع سنوات».

لم يخيب "محمد" أمل والديه عندما تحمل عنهما تلك المسؤوليات، فاستطاع بجهد شخصي أن يساند إخوته، الذين ألفوا العيش معه في "سلمية" فرافقوه إلى "دمشق" أثناء تطوعه في كلية الشرطة لمتابعة دراستهم أيضا، وكانت النتيجة ثلاث شهادات جامعية "أدب انكليزي- رف ك- وتاريخ".

أما مهنة التدريس فقد كانت بمثابة مدادٍ إضافي في مخزونه الذاتي استفاد منها في مراحل أكثر نضجا من حياته، وعن هذه المرحلة يتحدث أ."سيفو":

«أحببت تلك المهنة كثيراً، وعلى الرغم من صعوبة تلك المرحلة على كافة الصعد إلا أنني أعتبرها الفسحة الأكثر راحة بالنسبة لي، ربما لأن همومي كانت موزعة على المستقبل، فكنت أعرف أن مستقبلي متوقف على نيل الشهادة الجامعية، فحقل التعليم جاء بمثابة تهيئة للحياة المستقبلية، وقد تعلمت منه آلية نقل المعرفة، وهذا ما اكتشفته بعد أن أصبحت ضابطاً برتب متنوعة، ووجدت نفسي مسؤولاً عن إغناء معرفة طلاب الضباط، في أوقات الفراغ، فاستعدت مرة أخرى ذلك المدرس الذي في داخلي».

وتابع قائلا: «كانت علاقتي مع مرؤوسيَّ علاقةً رائعة قائمة على الاحترام وتبادل المعرفة، وذلك لأنني كنت أنظر إلى عملي على اختلافه كهواية أحبها وعلي أن أتابعها باستمرار».

في عام 1996 رفّع "محمد مفضي سيفو" إلى رتبة لواء، ليعيّن في عام 2000 معاوناً لوزير الداخلية للشؤون المدنية، واستمرّ في عمله هذا لمدة شهرٍ ويومين فقط ليتم تعيينه وزير دولة لشؤون مجلس الوزراء.

** التنمية مستمرة ...

لم يكن توجه "محمد مفضي سيفو" للعمل مع شبكة "الآغا خان للتنمية" كممثل مقيم للشبكة في سورية إلا استمراراً لما أسسه عبر تجاربه السابقة، وإيماناً منه بقيمة العمل التنموي وبأنه قادر على أن يضيف أثراً على خريطة الأعمال التنموية في سورية، وعن هذه الناحية يقول:

«بدأت العمل كممثل مقيم لشبكة الآغا خان للتنمية في سورية عام 2002، ولسمو الآغا خان الشكر الكبير لاختياري لهذا المنصب. قد يكون هذا العمل جديداً لكنه ليس غريباً عن ثقافتي الشخصية وعن حصيلة تجاربي التي أفادتني بشكل أو بآخر في عملي الآن، فالانسجام والالتزام هما الركنان اللذان اعتمدت عليهما للاستمرار والنجاح، إذ قمت في البداية بدراسة الشبكة وأهدافها ورؤيتها، وبدأت العمل بالحوار وتسهيل الأعمال، وانطلقنا بالعمل حتى وصلنا إلى درجات جيدة من خلال التعاون مع الحكومة وخدمة كافة شرائح المجتمع من خلال الاهتمام بالصحة، والتعليم، والقروض، والثقافة، والسياحة الثقافية، والتنمية الريفية، والدعم المؤسساتي، والترويج لمفهوم التنمية الاقتصادية، أما على صعيد الكوادر وتدريبها فقد بدأنا بخدماتنا من موظفين اثنين والآن بكل فخر يزيدون على 300 موظف».

ويضيف قائلا: «أعتبر الشبكة جزءا لا ينفصل عن حياتي، وكل العاملين فيها هم كإخوتي وأبنائي نهتم بهم باعتبار الإنسان هو أساس التنمية، وهذا يندرج على مشاريعنا التي نقيمها في سورية بالكامل، فتنمية المجتمع لا يمكن أن تكون بعيدة عن التنمية الثقافية والتنمية الصحية والتنمية الاقتصادية، ومن هنا كان حرصنا على أن تكون مشاريعنا حلقة متسلسلة، فقلعة "صلاح الدين" على سبيل المثال لم يقتصر اهتمامنا بها على الترميم وحسب، بل دخلنا إلى منطقة "الحفة" والقرى المجاورة للقلعة، وقمنا بتفعيل برامجنا فيها، لتكون التنمية شاملة ولا تركز على جانب دون آخر».

يذكر أنّ السيد "محمد مفضي سيفو" من مواليد عام 1943 متزوج من السيدة "شهناز عبد الكريم خولة" من "سلمية" خريجة كلية التاريخ، وهي كما يقول عنها السيد "محمد سيفو": «زوجة مخلصة، وفيّة، وصادقة وتقية»، وهو أب لستّ بنات وابن وحيد وهم بالتسلسل:

  • "ظبية" تحمل إجازة في اللغة الانكليزية متزوجة، "سعاد" تعمل مديرة إدارة القضايا في البنك التجاري السوري، "هبة الله" محامية متزوجة، "روعة" مدرسة رياضة متزوجة ومتفرغة في الاتحاد الرياضي، "مصطفى" ضابط في قوى الأمن الداخلي في فرع مرور دمشق متزوج، "غالية" ماجستير في إدارة الأعمال وتعمل حالياً في المركز الثقافي البريطاني، "بانة" تحضر للدكتوراه في إدارة الأعمال وتعمل في مؤسسة التمويل الصغير الأولى- سورية.