ولد "سعيد العاص" في مدينة "حماة" عام 1889 لأسرة من آل "شهاب" تقيم في حي "الحاضر" وهو حي من أحياء "حماة"، لقب "العاص" الذي اشتهر فيه أطلق عليه خلال خدمته في الجيش العثماني نسبة إلى نهر العاصي، فصار معروفا للجميع باسم "سعيد العاص"...

إضافة إلى هذا الاسم كان "سعيد العاص" يوقع مراسلاته باسم آخر وهو "أبو سعاد" وكان المقربون منه ينادونه بهذا الاسم وهو الأحب إلى قلبه فهو دائما يذكره بابنته الوحيدة "سعاد".

أنهى "سعيد العاص" دراسته الابتدائية والإعدادية في مدينة "حماة" ثم انتقل إلى دمشق ليتابع دراسته الرشدية العسكرية ومن ثم دخل الكلية الحربية في الآستانة وتخرج فيها برتبة ملازم في عام 1907

سعيد العاص

تم تعيين "سعيد العاص" بعد تخرجه ضابطا عثمانيا في دمشق.

في عام 1908 تم انتدابه للدراسة في مدرسة أركان الحرب في الآستانة لمدة ثلاث سنوات، إلا أن "سعيد العاص" لم يكمل دراسته تلك بسبب النشاط السياسي العربي الذي بدأ فيه منذ تلك الفترة ما دفع العثمانيين إلى فصله من كلية أركان الحرب وإلحاقه بكتيبة الرماة فخضع لدورة تدريبية ليتم إرساله بعد ذلك مع فرقته إلى المقاطعات الأوروبية من الدولة العثمانية لقمع انتفاضات الشعوب البلقانية وأثناء تلك المعارك وقع "سعيد العاص" أسيرا لكنه استطاع الهروب والعودة إلى الآستانة وبعد فترة قصيرة عاد من جديد ليشارك بأبرز المعارك التي دارت هناك وهي معركة "سركوبري".

مدفن الشهيد سعيد العاص

ولدى عودته إلى الآستانة تم تعيينه قائدا لمنطقة الحدود في "طونجة" ثم مأمورا في المهمات الحربية في دمشق عام 1913، ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914 تم إرسال العاص للمشاركة في المعارك التي خاضتها القوات العثمانية ضد القوات المهاجمة.

المشاركة في تلك المعارك أكسبت "العاص" خبرة عسكرية ثمينة من خلال اطلاعه على أحوال سورية والأناضول والبلقان.

في عام 1914 انتسب "العاص" إلى "حزب العهد" وهو تنظيم سري عربي تم تأسيسه على يد المقدم "عزيز المصري" وكانت العضوية فيه مقتصرة على الضباط العرب العاملين في الجيش العثماني.

تم اعتقال "سعيد العاص" من قبل السلطات العثمانية بسبب تلك الاتجاهات السياسية العربية وتم زجه في سجن "حلب" لمدة سنة ونصف ثم نفيه إلى "جوروم" التي تعتبر باب منطقة البحر الأسود على الأناضول وبقي هناك حتى خروج القوات العثمانية من سورية عام 1918.

عاد "العاص" من منفاه إلى "دمشق" وخلال فترة الحكم الفيصلي لسورية التي لم تدم طويلا تولى الشعبة الثالثة بدائرة الشورى الحربية ثم نقل إلى مفتشية التجنيد العامة.

وبعد خروج الملك فيصل إثر دخول القوات الفرنسية إلى سورية، كانت مشاركة "العاص" في المعارك الحربية ضد الفرنسيين الذين نزلوا ساحل اللاذقية وحضر معارك الشيخ "صالح العلي" أمام أبواب العمرانية.

ألقت القوات الفرنسية القبض عليه في "حماة" وتم سجنه لمدة شهرين استطاع الهرب واللجوء إلى شرقي الأردن حيث التحق هناك بالقوات التي كان ينظمها "الأمير عبد الله بن الحسين" تحت شعار (طرد الفرنسيين من سورية وإعادة تاج الملك فيصل المخلوع).

تولى "العاص" هناك العديد من المناصب فقد تم تعينه قائدا للسرية الاحتياطية ثم أمينا للسر العام للأمن العام ثم وكيلا لمدير التعليم وأخيرا مديرا عاما لشرطة عمان. وتم ترفيعه إلى رتبة عقيد وأوكلت إليه مهمة قيادة القوات الأردنية في العقبة ومعان في الحرب التي نشبت بين الهاشميين والوهابيين عام 1923.

تزوج "سعيد العاص" في الأردن ورزق بابنته الوحيدة "سعاد" إلا أن أيامه في البقاء إلى جانب أسرته كانت قليلة بالنسبة لرجل اعتاد على حياة الجهاد والكفاح ضد المستعمر، فمع اندلاع الثورة السورية الكبرى عام 1925 عاد "العاص" إلى سورية واشترك في بعض المعارك في جبل العرب والغوطة.

وقد ذكر "سلطان باشا الأطرش" القائد العام للثورة السورية الكبرى "سعيد العاص" من خلال مذكراته التي نشرت في مجلة بيروت المساء اللبنانية قائلا: «ومنهم من سارع إلى الجبل لينتظم من فوره في سلك الثورة وجيشها العامل وكانت وفودهم تصل تباعا إلى الجبل إما عن طريق المقرن الشمالي قادمين من الغوطة والمرج أو عن طريق المقرن الجنوبي قادمين من مصر وفلسطين والأردن فيستقبلون بكل حفاوة وتكريم، أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر السادة: الدكتور عبد الرحمن الشهبندر، منير الريس، سعيد العاص، شكري القوتلي، جميل العلواني، وفوزي القاوقجي».

وسرعان ما أصبح "العاص" أحد أبرز القادة الميدانيين سواء في معارك جبل العرب أو معارك حمص وعيون العلق والنبك وعين ترما ومعربا ومناطق الهرمل وعلى أبواب طرابلس شمالي لبنان.

مع نهاية الثورة السورية الكبرى انتقل "العاص" إلى فلسطين وقد ذكر الشاعر والمجاهد الكبير

"برهان الدين العبوشي" "سعيد العاص" في مذكراته "من السفح إلى الوادي ألبي صوت

أجدادي" قائلا: «على أثر الانكفاء الجزئي للثورة السورية ضد الفرنسيين التجأ كثير من المجاهدين السوريين إلى وطنهم الثاني فلسطين أذكر منهم نبيه العظم، شكري القوتلي، سعيد العاص القائد العربي المغوار الذي جاهد في جبال الخليل، وأذكر أنني صادفته يوما في باب الخليل في القدس وهو في ثوب يرثى له فحزنت جدا ثم طلب أن أساعده بقرش ونصف قرش ليشتري "سكاير" فصعقت وتمنيت أن يكون لدي مال الدنيا لأقيل به حاجة هذا المجاهد الكريم وطفرت من عيني دمعة إذ أدركت أن نتيجة المؤمنين المجاهدين في بلاد العرب الذل والفاقة وتكفف الناس».

زار "العاص" العديد من المدن والقرى الفلسطينية واجتمع مع الشيخ عز الدين القسام الذي كان يعد لإطلاق الثورة من حيفا.

بدأ سعيد العاص بتغذية الثورة بجمع المتطوعين وأخذ يتصل بقرى المنطقة فاستجابت له أعداد كبيرة من المجاهدين فقادهم في معارك عديدة ضد القوات الانكليزية.

وأثناء وجود "العاص" في فلسطين وفي غمرة المعارك الطاحنة التي كان يقودها ضد الانكليز انضم إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي وفي هذا الموضوع كتب "أنطون سعادة" رئيس "الحزب القومي السوري الاجتماعي" قائلا: «في سنة 1936 عندما نشبت الثورة الفلسطينية بتحريك من المجلس الإسلامي الأعلى في فلسطين واللجنة العربية العليا، انضم "محمد سعيد العاص" إلى هذه الثورة وهناك التقى بفرقة من المتطوعين للجهاد اجتمع أفرادها من مناطق متعددة ومن طوائف دينية مختلفة، استلفتت هذه الفرقة نظر القائد فأعجب بروحيتها ونظامها إعجابا كبيرا وحمله إعجابه على البحث عن سر روحيتها ونظامها فسأل أفرادها فاخبروه بأمرهم وعرفوه حقيقة العقيدة السورية القومية الاجتماعية التي يدينون بها، فأعلن رغبته في الانضمام إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي فانتدبت مفوضية الحزب في حيفا من قام بأمر ضمه إلى صفوف أبناء العقيدة السورية القومية الاجتماعية».

كانت آخر المعارك التي خاضها "العاص" في فلسطين معركة "حوسان" الخضر تلك المعركة الشهيرة التي نشبت بين المجاهدين الفلسطينيين وعددهم 120 مجاهداً وقوات الاحتلال البريطاني التي قدر عددها بحوالي ثلاث آلاف جندي تساندهم الآليات والطائرات، وفي تلك المعركة استشهد القائد المجاهد "سعيد العاص" وتم نقل جثمانه من أرض المعركة ليوارى الثرى في اليوم السابع من تشرين الأول لعام 1936 في مقبرة الخضر وسط احتفال شعبي اشترك فيه أهالي القرية والقرى المجاورة.

المراجع:

  • ( صفحة من الأيام الحمراء ) محمد سعيد العاص

  • الموسوعة الفلسطينية، الطبعة الأولى المجلد الثاني

  • الكتاب الذهبي للثورات الوطنية في المشرق العربي ( ثورة فلسطين 1936 ) منير الريس

  • أبطال وأمجاد ، عدنان الداعوق

  • الموقع الرسمي للحزب السوري القومي الاجتماعي