"حولوا لنطعميكن سليقة".. بهذه الجملة يمكن لك أن تقف على حدود الرغبة في التقاط حبات من القمح المسلوق، ولا مانع من ذرات ملح، أو سكر، لتتمتع بطعم لذيذ، ولسان حالك يقول: (السنة مباركة).. ونحن نقدم هذه الوجبة التي تمتد معنا طوال موسم شتوي كامل، آثرنا أن نتعرف على الطريقة المعتمدة في "السليقة"، إضافة لمعرفة لماذا يعتمد أبناء الريف على صنع المؤونة، خاصة منها "السليقة".

موقع eSyria زار قرية "تل الدرة" بتاريخ 11 آب 2009 والتي تبعد إلى الغرب من "سلمية" بـ 10 كيلو متر، ورصد أحد أبنائها وهو السيد "مراد منى" يحضر لـ"السليقة".. ولنتعرف أكثر على طريقة تحضيرها سألناه أولاً عن الكمية التي يود سلقها، فقال: «في كل سنة نخزن ما يقارب الـ 100 كغ من البرغل، وبذلك يلزمنا 130 كغ من القمح "الحنطة"».

في كل سنة نخزن ما يقارب الـ 100 كغ من البرغل، وبذلك يلزمنا 130 كغ من القمح "الحنطة"

وعن كلفتها، قال: «في حسبة بسيطة نجد أننا وفرنا نصف القيمة، فلو أخذنا سعر كيلو الحنطة في أعلى رقم ولنقل /20 ليرة سورية/ هذا يعني أن ثمن الكمية اللازمة /2600 ليرة سورية/ وثمن أجرة الكيلو الواحد في الطاحونة ليرة ونصف يعني قرابة /200 ليرة سورية/ ونستأجر "الحلّة" أي الوعاء كبير الحجم ليوضع في داخله القمح بـ/150 ليرة سورية/ وأجرة نقل إلى الطاحونة حوالي /200 ليرة/ فالمجموع العام يصل إلى /3150 ليرة سورية/».

"الحلّة" على الموقد والنار مشتعلة

ويتابع قائلاً: «سعر الكيلو الواحد من البرغل في السواق يصل إلى /60 ليرة سورية/ يعني أننا كي نشتري حاجتنا وهي ما مقداره /100 كغ/ فإننا بحاجة إلى مبلغ /6000 ليرة سورية/ أي أننا وفرنا النصف من خلال "السليقة" كما أننا نعرف جودتها».

وعن طبيعة هذا اليوم تحدثت السيدة "نميدة عيزوقي" قائلة: «لقد كبرنا وتعلمنا ممن سبقنا أن (البيت اللي ما فيه مونة بيت طفران) يعني مثل الخبز، ويأتي هذا اليوم ونحن نحضر له قبل يوم أو اثنين».

"مراد منى" يفرغ "الحلّة" لنقلها إلى السطح

وعن التحضيرات تقول: «قبل موعد "السليقة" أقوم بتنقية "الحنطة" مما قد يكون فيها من شوائب، كحبات من الحصى الناعمة الصغيرة، كذلك تظهر لنا حبات من الشعير، ومن قصب الحنطة، نقوم بفرزها عن طريق "حاروبة" و"الصانوت" ويعرف غالباً باسم "الغربال" وعندها تكون "الحنطة" جاهزة لسلقها».

وماذا في يوم السليقة؟ تحدث إلينا السيد "مراد" فقال: «أول الأمر نحضر "الحلة"، ثم نغسلها جيداً، نجهز المكان، ونحضر "الحطب" الذي نستخدمه لإشعال النار تحت "الحلّة"».

"هالة سعيد" تفرش الحنطة المسلوقة

ثم تكمل السيدة "نميدة" قائلةً: «الرجل يحضر المكان، ويضع الماء في "الحلّة" بينما أقوم أنا بغسل "الحنطة" بالماء، وهو ما نقول عنه "تصويل" وعندما يصبح الماء في "الحلّة" فاتراً ننقل "الحنطة المصولة" إلى "الحلّة" وقديماً كانت تنقل بوعاء مصنوع من القصب اسمه "نقّال" إذا كان حجمه كبيراً، ويسمى "قشويّة" إذا كان صغير الحجم، والسبب في ذلك كي يصفى من الماء في الطريق إلى "الحلّة" أما اليوم فإننا نستخدم أواني المطبخ والتي في غالبيتها من الألمنيوم أو "الستانلس"».

بعد ذلك ماذا يحصل؟ يجيبنا السيد "مراد" فيقول: «نجلس نراقب النار، ونشرب الشاي، نستمع إلى مسجلة الكاسيت، وبين الفترة والأخرى أقوم بتقليب "الحنطة" داخل "الحلّة" بـ "الرفش" لضمان السوية الكاملة لكل محتويات "الحلّة" وبعد ساعتين تقريباً يكون الماء قد نشف وتتضح ملامح انتهاء "السلق" أقوم بتغطية سطح "الحلّة" بغطاء من "الخيش"».

لقد انتهينا من سلق "الحنطة" وماذا بعد ذلك؟ تجيبنا السيدة "هالة سعيد" المتواجدة في هذه السهرة الصيفية الجميلة، فتقول: «يبدأ نقل "الحنطة المسلوقة" بأوعية حديدية، وقديماً كنا نستخدم "السطل" أو ما يعرف عندنا باسم "القادوس" عبر "السلّم" ويقوم أحدنا بفرش الحنطة المسلوقة بطريقة جيدة بحيث يتوفر أكبر قدر من تحقيق تعرضها لأشعة الشمس والهواء، وإلا فإنها ستتعفن "تخم" وعندها لن نستفيد منها بشيء، ويبدأ عملنا بتقليب الحنطة كل ثلاث ساعات ولمدة أربعة أيام حتى تصبح حبّة الحنطة قاسية، بعد ذلك نأخذها إلى الطاحونة لتعود إلينا مادة جاهزة تسمى "البرغل" وتكون على نوعين الأول "برغل خشن" وهو معد للطبخ، والثاني "برغل ناعم" ويستخدم لـ "الكبّة"، و"التبولة"».

وسألنا السيد "عماد زريق" عن بعض العادات التي ترافق "السليقة" وكان متواجداً يساعد في نقل "الحنطة المسلوقة" فقال: «أهم شيء أن يأكل من هذه "الحلّة" كل من يمر بها أثناء الانتهاء، وأكثر ما يحدث أن يرسل كل جار بولده ومعه "صحن" ليقوم من يعبئ "القواديس" بملء هذه الصحون، ولدى صاحب "السليقة" شعور بأن البركة ستدب فيها كلما أكل منها أحد قبل أن تصل إلى السطح».

يبقى أن نعرف أن سكان سورية خاصة، وبلاد الشام عامة تعتمد على "البرغل" ويعتبر مادة رئيسية، ومنه يمكن أن تطبخ سيدة البيت وجبتين لهما شهرة واسعة الأولى "المجدرة" وتشتهر بها سورية ولبنان، كذلك "الكبة" ومن منا لم يسمع بالكبة الحلبية.

وكما غنى الفنان "ياسر العظمة" في "الكبة" فقال: (كبة بلبنية جاي ع بالي كبة ومناقيش.. يا أمي طبخك يحلالي وبالغربة مفيش.....).