للتنور ذكرى جميلة في نفوس أبناء الريف في محافظة "حماة" فمن منا اليوم لا يقف أمام هذا الخبز الشهي والذي أصبح يباع، بعد ما كان متوفراًَ بشكل يومي في كل بيت من بيوت القرية.

موقع eHama زار بلدة "مورك" بتاريخ 25/10/2008 والتقى عدداً من نسائها ليحكين قصة ذلك الفرن القديم.

لذلك تقوم النسوة بتقطيع العجين المعد من طحين الحنطة الصافية إلى كرات صغيرة الحجم متساوية ثم يستخدمن راحات الكف لتحويلها أرغفة دائرية واسعة رقيقة بالشكل المطلوب وهنا يأتي الدور الأكبر الهام للخبازة الحقيقية والتي تتمتع بقدرة خاصة على لط رغيف العجين داخل فوهة التنور وألسنة اللهب تتداخل ببعضها

في البداية حدثتنا السيدة "نزهة باكير" (أم محمد) والتي تملك تنوراً قديماً لاتزال تخبز عليه فقالت: «تنور القرية هو المكان المخصص لإعداد أرغفة الخبز المدورة الشكل الطازجة والناضجة بشكل جيد جداً ليستلذ بها الكادحون الذين يتعبون وهم يمضون النهار كله يعملون ونادراً ما خلا بيت من بيوت أبناء الريف في محافظة "حماة" من وجود التنور حيث كانت التنانير جاهزة يحضرها الأهالي من قرى محافظة "إدلب" ومن "حلفايا" حيث يتوفر الحال الأسود (الآجر) (وهو أفضل أنواع الحال فمنه الأبيض أيضاً) ولكن الذي أتذكره أنه ومن المستحب إحضار المادة الخام الحال الأسود وتتعاون نساء القرية والجيران على دق التنور عملية دق هذه المادة وهي حجارة قاسية سوداء حتى تنعم بشكل جيد ويفتت نسيج القنب من أكياس القنب ويخلط مع مادة الحال الناعمة وتعجن مع التراب بمهارة حتى تصبح جاهزة لديران التنور (تصنيعه على الأرض بشكل دائري).

وتستلم عملية الديران امرأة متقنة لعملها هذا دون حدوث أي خلل في عملية الديران وبعد الانتهاء من ديران عجينة التنور تترك عشرة أيام حتى يجف ويكون التنور الجديد جاهزاً لعملية الشواء حيث يخضع لأكبر عملية إشعال ولدرجة حرارة مرتفعة جداً حتى يتماسك بشكل يكسبه مقاومة أكبر وعمراً طويلاً وعندها يتحمل هذا التنور صنع الخبز الناضج بشكل جيد ذي طعم جيد وننوه أن بعض التنانير كانت تصنع من مادة القرميد المتوفر بدل مادة الحال».

وعن وقود التنور حدثنا السيد "بكري حمادي" من كبار السن في البلدة بالقول: «لا بد للتنور من وقود يعمل عليه ووقود تنور القرية كان متوفراً بكثرة ويتألف من الحطب اليابس ومن جفن العنب وفضلات تقليم أشجار الفستق الحلبي والزيتون والقصرين هذا الذي يجمع بعد حصاد القمح والتي لا تأكلها المواشي ولكن (الحطب) أفضلها فقد كانت النساء يمضين يومهن على جمع عيدان الحطب وأغصان الكروم ويجمعنه في البيوت لصنع الخبز ويوضع في مأوى لا يسقط عليه مطر الشتاء».

رك التنور:

eHama زار أيضا الحاجة "عويش الناصر" (أم نزار) وسألها عن عملية رك التنور فأجابت: «رك التنور هو عملية تثبيت التنور في مكان محدد له وثابت لا يتحرك على يمين أو يسار التنور توضع مصطبة مرتفعة بحدود المتر أو أكثر حسب الرغبة وتسوى المصطبة ناعمة جداًَ إما عن طريق بلاطة مستديرة أو مستطيلة الشكل أو بواسطة الاسمنت تنعم جيداً لتسمى رقاقة يرق عليها العجين على شكل دوائر متساوية قبل دخولها التنور». وأضافت الحاجة (أم نزار): «لذلك تقوم النسوة بتقطيع العجين المعد من طحين الحنطة الصافية إلى كرات صغيرة الحجم متساوية ثم يستخدمن راحات الكف لتحويلها أرغفة دائرية واسعة رقيقة بالشكل المطلوب وهنا يأتي الدور الأكبر الهام للخبازة الحقيقية والتي تتمتع بقدرة خاصة على لط رغيف العجين داخل فوهة التنور وألسنة اللهب تتداخل ببعضها».

وحول خوفها من ألسنة اللهب وهي تقوم بلط الرغيف ابتسمت قليلاً وأجابت: «لا يستطيع لعب هذا الدور غير الخبازة الحقيقية فبعض النسوة يخفن من النار ولكن الخبازة تأخذ رغيف العجين وتسميه على ما يسمى بـ"الكارة" وهي مصنوعة من قماش سميك متين محشو باللباد بسماكة تبلغ بضع سنتيمترات وله في وسطه جيب يسمح بدخول يد الخبازة إليه ويجعلها تتحكم جيداً بلصق رغيف العجين في المكان المخصص من التنور الملتهب بجمرات الحطب المحمرة والمتوهجة ولكن بعد نضج رغيف الخبز وعندما يصبح طازجاً تمد يدها اليمنى وتنتزع الرغيف من داخل التنور وهو ساخن وهكذا».

الخبز الأحمر (خبز بفليفلة)

وعن أنواع الخبز تحدثت الحاجة "تركية قطميش": «من أنواع الخبز تجد النساء يتفنن في صنع أرغفة شهية مثل: الخبز الأحمر (خبز بفليفلة) وهذا النوع من الخبز الذي له نكهته الخاصة حيث تجهز كرات العجين ثم ترق على شكل دوائر بحجم أصغر من حجم دوائر الخبز الأبيض العادي ويكون أسمك قليلاً وكراته أصغر أيضاً ثم تدهن هذه الأرغفة بالتبلة المخصصة لذلك وهي خليط الفليفلة الحمراء اليابسة والناعمة جيداً مع زيت الزيتون والبصل والكزبرة والسمسم ثم تأخذ الخبازة هذه الأرغفة لتلطها داخل التنور والأولاد من حولها يهتفون».