"يا رايح صوب مشرق/ مشرق ما بو ربيعي/ راحو يرعو غنمهن/ والعشب فوق ضلوعي/ وأيام اللي غابن ولفي/ لعدّن ع صابيعي/ حيّد عليهن يا ليل/ وضيعي يا حلوة ضيعي/.. بين سهول تكتسي بحلة خضراء بهية، وسماء ربيعية، وشتاء ودّعنا بهمة عالية، تاركاً بين أيدينا خصوبة أرض تحتاج استثمارها جيداً، ولأن الفلاح يفرح بمواسم الخير، كذلك مربي الأغنام، صاحب الرزق الذي يمد السوق بكل ما تطيب له النفس وتشتهي، وما أجمل تلك اللحظات وراعي القطيع يجني ثمار يوم كامل من المتابعة، والوقوف تحت المطر، وتحت الشمس اللاهبة، هو يوم "الحليب" يوم يستعد الجميع لتناول "السمن العربي" و"الزبدة"، و"اللبن"، و"الجبن" الخالي من الغش.

eSyria التقى راعي الغنم "فجر حمود" يوم السبت 4/4/2009 الساعة الرابعة عصراً وهو يقوم بجمع الحليب من أثداء إناث الغنم والماعز، وكانت معه هذه الدردشة التي تزكم الأنوف برائحة الأزهار المنتشرة في كل مكان، ورائحة الأغنام التي يعشقها الراعي.

وسألناه منذ متى وهو يعمل في رعي الأغنام؟، فيقول: «منذ/15 عاماً/ وأنا من مواليد عام/1979/ أقوم برعي الغنم منذ ساعات الفجر الأولى حيث نذهب للمرعى، ونعود عند العاشرة صباحاً لحلب الغنم "الحلبة الأولى" ثم ندخل الغنم إلى الحظيرة، حيث يوجد ما تأكله ونضعه في وعاء مخصص له نسميه "طواله" ونقوم بـ "الحلبة الثانية" عند الرابعة عصراً، ثم ندخل الغنم في فترة الاستراحة والمنامة حتى فجر اليوم الثاني، وهكذا، كل يوم على هذه الحال».

الراعي "يحلب القطيع"

وسألناه عن الحليب الذي يأتي بعد ولادة الغنم، فيقول: «اسمها "الصمغة" وتعرف عند أهل "سلمية" بـ "الشمندور" وهي تأكل بعد أن يرش عليها قليلاً من السكر، وما أطيبها لو كانت مع رغيف خبز أسمر، كما وتستخدم في صنع حلوى "القطايف"».

وعن "الصمغة" هذه، يقول: «نقوم بإرضاع "وليد" الغنم من هذه "الصمغة" لثلاثة أيام حتى يستطيع "الوليد" أن يجد ثدي أمه ليرضع منها بنفسه».

بعد الانتهاء.. يتوجه القطيع إلى الزريبة

ويتابع: «و"الصمغة" هي "الحلبة الأولى" بعد أن تضع إناث الغنم "وليدها" ويمكن حلْب "الصمغة" لثلاثة أيام، بعدها يأتي الحليب العادي الذي نعرفه».

وسألناه عن الكمية التي يمكن أن تعطيها كل "غنمة" من الحليب، فيقول: «في مواسم الخير مثل هذه السنة يمكن أن تعطي كل "غنمة" من/1 إلى 2/ كغ من الحليب في كل "حلبة"».

طريقة "التشبيق" ووضعية القطيع

ويضيف: «يمكن أن تلد "الغنمة" رأسين أو ثلاثة من "الطلي" إذا كان الموسم موسم خير، والدعم الغذائي كامل لها، وتحال "الغنمة" إلى التقاعد متى أصبح عمرها عشر سنوات».

وسألناه عن بعض الإشارات، وألفاظ التي يقولها للقطيع وما تدل كل واحدة منها، فيذكرها قائلاً: «عندما نريد أن نقوم بحلب الغنم، نلوح بالعصا ونقول: "صاف" وهذه تعني أن على القطيع من إناث "الماعز" أن تقف متقابلة، كي يتم حلبها، في حين نقول لإناث الغنم "عييه"، ونسمي هذه العملية بـ "التشبيق"، ولكي لا تتحرك نقوم بربطها بسياق قماشي جميعها، فيصبح جميع القطيع كتلة واحدة».

ويتابع: «نقول "دري" لذكر الغنم "الكبش"، و"تع" للحمار عندما نريده أن يقبل إلينا، و"هووش" عندما نطلب منه أن يقف، ونقول للكلب "يله" كي نبعده عن مهاجمة شخص قادم إلينا».

وعن منتجات الحليب الذي يصنعونه يقول: «كل شيء يمكن أن يصنع من الحليب "الزبدة"، "السمن العربي" والذي لا يستسيغه أبناء هذا الجيل، لأنه ثقيل، وكامل الدسم، كذلك "القريشة" والتي يصنع منها "الشنكليش"، و"الجبن" الذي نتناوله على الإفطار، ويستخدم اليوم في الفطائر، و"البيتزا"، وهناك "اللبن" كامل الدسم، وهو أغلى أنواع الألبان، كل هذا يمكن أن يستخرج في عملية "الخضّة" التي تصنع من جلد الماعز، ليبقى في النهاية رائباً من الحليب، وهو ما يعرف عندنا "الشنينة" وهي تطفئ حر "الشوب" عند البدوي، وهي شرابه المفضل في الصيف».

وأخيراً يقول: «لا بد للراعي أن ترافقه ثلاثة عناصر مهمة إضافة إليه، "الكلب" أو أكثر، لحماية القطيع ليلاً من الذئاب، ولجعلها تسير ضمن القطيع، كذلك "الحمار" الذي يسير في مقدمة القطيع ويحمّل عليه طعام الراعي، وخلف "الحمار" يأتي "المرياع" وهو "كبش" ذو صوف كثيف، ولا يأكل مع القطيع، بل يكتفي بقطع من الخبز يطعمه إياها الراعي بيديه، وخلفه يسير القطيع، ولا يستطيع أحد تجاوزه على الإطلاق، فالكل خلفه».