من هناك، وعندما كان المنادي يؤذن للصلاة صباحاً، كان صوت الأذان يصل حتى بلدة "كوكب" على بعد ثمانية كيلو مترات عن مدينة "طيبة الإمام" حيث توجد مئذنة ملحقة بمقام قديم أثار جدلاً بمئذنته ذات التصميم الغريب.

مدونة وطن eSyria توجه إلى مدينة "طيبة الإمام" في شمال مدينة حماة، والتقى السيد "محمود سليمان" إمام مسجد "المقام"، والذي حدثنا عن المقام، يقول «"الشريف الحسيني" هو صاحب المقام وهو الحفيد الخامس للإمام "علي بن أبي طالب" كرّم الله وجهه، وقد أتيت بهذه المعلومة من كتاب "بوارق الحقائق" لصاحبه "بهاء الدين الرواس"».

الشيخ "محمود الهندي" هو الذي بنى المئذنة التي ترتبط بمسجد المقام الذي أعيد تجديده على عدة مراحل

ويذكر "سليمان" أنّ «البناء كان مؤلفاً من خمس قبب إلا أنها تهدمت، وبقي منها اثنتان، والقبة التي فوق المقام تهدمت ونقل المقام إلى مكان آخر في زاوية المسجد الشمالية الشرقية سنة 1978، وعندما تمّ النقل وجدت عظام صاحب المقام كاملةً قويةً ومتماسكةً وقد تفككت منها المفاصل».

أحد مفاصل المئذنة

إلا أن الأستاذ "محمد عارف قسوم" مدير الثقافة في "حماة" وهو ابن مدينة "طيبة الإمام" يقول أن «عدد القبب التي كان موجودة في المقام أربع».

ويضيف إمام المسجد «استخدم البناء المجاور للمئذنة كنادٍ رياضي في زمن الوحدة السورية المصرية، ثم هجر ليستخدم كمدرسة ابتدائية، لتبدأ بعد ذلك مرحلة خسارة معالم المقام الأثرية حيث تأثر بالعوامل الجوية وتعرض للتخريب من قبل الأطفال دون مراقبة الأهل، إلى أن قام بعض الأهالي بإعادة ترميمه وتوسعته، وجُهّز لإقامة الصلوات».

السوار الاسمنتي الذي بناه الأهالي

ولعلّ أبرز معالم المقام هو مئذنته الهزازة التي نالت شهرة كبيرة تأتت من أن الواقف في أعلاها يشعر بحركة اهتزازية خفيفة، وهو ما قمت أنا باختباره لدى صعودي إلى قمة المئذنة.

ويقول السيد "محمود سليمان" «هناك سرٌّ أو فكرة معمارية فريدة وراء هذه المئذنة، فهي ليست كباقي المآذن، البناء الكامل للمئذنة من هذا النموذج ينقصه المنارة، وهذه المنارة لم يذكر أحد أنها تهدمت، ولم توجد آثار لحجارة متهدمة أو نازلة من الأعلى، أي أنها ربما تكون غير مكتملة البناء لأسباب نجهلها، فلم يذكر أحد أنها كانت بغير هذا الشكل».

السيد "محمود سليمان"

ويذكر البعض من أهالي البلدة أن سبب وضع السوار هو أن الناس خافوا على المئذنة من حركتها الاهتزازية، فحاولوا منعها من الاهتزاز.

وهو ما نفاه إمام المسجد، مشيراً إلى السبب الرئيسي «أحجار المئذنة كلسية من المناطق المحيطة، وقد بدأت هذه الحجارة تتفتت وتتأثر بالعوامل الجوية، فأحاطها بعض أهالي البلدة بسوار من البيتون، فهي بالأساس مبنية على الصخر الطبيعي، وهذا السوار لم يأكل من قاعدتها سوى نصف متر تقريباً، ولم تتأثر الحركة الاهتزازية للمئذنة بوضع السوار حول الجذر، لأن كل حجرة تعطي شيئاً من هذا الاهتزاز، وهي ليست مرتبطة بالجذر فقط».

وختم إمام المسجد «الشيخ "محمود الهندي" هو الذي بنى المئذنة التي ترتبط بمسجد المقام الذي أعيد تجديده على عدة مراحل».

ويقول الأستاذ "محمد عارف قسوم" عنها «يبلغ ارتفاع المئذنة ثلاثة عشر متراً وخمسة وعشرون سنتيمترا بعد أن هدم الثلث العلوي من المئذنة في الأربعينيات من القرن الماضي ووضع طربوش معدني عليها مؤخراً، وبقي الثلثان الآخران، ولها قاعدة مربعة ضلعها متران وخمس وأربعون سنتيمتراً، ويبلغ علو مدخلها مئة وثمانية وعشرون سنتيمتراً، وقد استخدم الخشب في بعض مقاطع بنائها».

وأضاف "قسوم" «تعدُّ هذه المئذنة من الطراز العثماني ذي الجذع الاسطواني كامل الاستدارة، ويختلف النمط المعماري العثماني لهذه المئذنة عن بقية الأنماط الأخرى، فهي أكثر تطوراً ورشاقة رغم غياب الزخارف بشكل عام».

وعن وجه الاختلاف أضاف «يكمن الاختلاف في الاستدارة الكاملة للجذع الذي ليس له مثيل حتى بين مآذن العهد العثماني نفسه، إذ أن أغلب المآذن في ذلك العهد كانت تتميز بجذع كثير الأضلاع».

ويقول المهندس المعماري "إياد لاذقاني" «تميزت المآذن في العهد العثماني بالجذع كثير الأضلاع محاولة الاقتراب إلى شكل كامل الاستدارة، كالشكل الموجود في مئذنة "طيبة الإمام" التي تدعى المئذنة الهزازة».

ويضيف الأستاذ "قسوم" «تعدّ هذه المئذنة أول مئذنة مستديرة يتم بناؤها في العالم الإسلامي كله، وهي أول وآخر مئذنة هزازة بنيت حتى اليوم، وقد كانت المئذنة تتصل في الأصل ببناء المقام بجدار بينهما كانت بعض معالمه ظاهرة إلى زمن قريب، وقد زال الآن».

وحول الحركة الاهتزازية للمئذنة والتي أثارت جدلاً كبيرا، يقول المهندس المعماري "إياد لاذقاني" «لا أعتقد أن من صمّم المئذنة تقصّد حركتها الاهتزازية، فالفن المعماري لم يرق إلى علاج درء خطر الزلازل والإضطرابات في القشرة الأرضية حتى فترة حديثة جداً».

ويضيف "لاذقاني" «أعتقد أن هذه الحركة الاهتزازية تعود إلى طريقة تأسيس خاطئة، وهذا وارد، فمن بنى برج "بيزا المائل" لم يقصد بناءه مائلاً، وأعتقد أن الشيء نفسه حصل بالنسبة للمئذنة».