تقع "قلعة المضيق" على تل مرتفع إلى الشمال الغربي من أطلال مدينة "أفاميا" الأثرية، وتطل على "سهل الغاب" الفسيح من الغرب والشرق والشمال..

يتميز هذا الموقع بإمكانية السيطرة على مسافة شاسعة من هذا السهل النضر الذي كان مستنقعاً كبيراً حتى فترة قريبة إلا أن المسوح الأثرية الأخيرة أثبتت وجود عدد كبير من مواقع الاستيطان البشري والتي تغطي أكثر من 6000 عام في هذا السهل، كما تم الكشف عن وجود نظام قديم لتجفيف هذا الحوض واستثماره زراعياً، وتتناوب فترات الاستثمار الزراعي مع فترات تحول السهل إلى مستنقعات، لهذا تكتسب القلعة موقعاً إستراتيجياً هاماً..

دلت التنقيبات الأثرية التي أجريت في أسفل تل "قلعة المضيق" أن هذا التل يرجع إلى الألف الخامس قبل الميلاد، حيث قام عليه أكربول مدينة "أفاميا" في القرن الرابع قبل الميلاد، ثم دخلت القلعة في حوزة "الرومان" من ثم "البيزنطيين" وفتحها العرب المسلمون في بداية القرن السابع الميلادي،

وعندما بدأ المسلمون يهتمون بتشييد الحصون والثغور في العصر "العباسي" قاموا ببناء حصن قوي على قمة التل، وقام "نور الدين الزنكي" بترميم القلعة بعد زلزال 1157 م ومن المرجح أنه قام بترميم الأبراج والأسوار العباسية ثم انتقلت القلعة إلى "الأيوبيين" و"المماليك" من بعدهم وبدأت القلعة تفقد أهميتها العسكرية في العهد "العثماني" ولكنها لم تفقد أهميتها كموقع إستراتيجي للاستيطان البشري فاستمر فيها السكن حتى يومنا هذا، حيث تعتبر القلعة الوحيدة التي لم تزل مأهولة.

وعلى الرغم من زوال المنشآت الداخلية في القلعة وبقاء القليل منها، إلا أن الأسوار والأبراج الخارجية التي لا تزال قائمة، تعطي فكرة واضحة عن فخامة وضخامة البناء الذي استخدم الحجارة الكلسية الجميلة المستخدمة نقلاً من آثار المدينة التاريخية في "أفاميا" وأغلبه من أقرب أوابد هذه المدينة وهو المسرح الذي يقع أسفل التل جنوباً وأما ما بقي من آثار القلعة فهي:

المدخل:

يعود تاريخ الصورة إلى العام 1936

ويقع في الجهة الجنوبية بين البرجين (1–2) وهما يؤمنان حماية جيدة للمدخل حيث يسير الداخل شمالاً بينهما، ثم ينعطف يميناً عبر بوابة البرج رقم 2 وهي بوابة ذات طراز عربي "أيوبي" في الجمال، ثم ينتقل شمالاً إلى داخل القلعة عبر قبو عال ذو سقف حدوي مبني من حجر المشغول والمنضد بشكل جميل.

الأسوار والأبراج:

تحيط الأسوار بقمة المرتفع وتعطي شكلاً صليبياً للقلعة، واسع من الغرب وضيق من الشرق يبلغ قطره الوسطي 300م وهي مبنية من ذات الحجر الكلسي المشغول والضخم وعلى مدماكين بينهما ركة من الحجر الصغير والمونة الكلسية.. حيث تصل بين الأبراج وتتداخل معها بشكل قوي ومتين وقد زال جزء من هذه الأسوار في بعض الأماكن بسبب تعديات السكن في الفترات اللاحقة لبنائها والمستمرة حتى الآن... وبسبب الانهيارات الناتجة عن الإهمال والعوامل الجوية.

- للقلعة تسعة عشر برجاً..

حيث يقوم البرجان (1- 2) في منتصف الجهة الجنوبية حول المدخل وتنتشر بقية الأبراج على الأسوار وهي تتميز بضخامة مبانيها وقوة تحصينها وخاصة من الجهة الجنوبية والشرقية، وهذا ما يتضح بالبرج رقم (5) وهو برج الزاوية الجنوبية الشرقية والذي يتألف من طابقين حيث نجد في الطابق الثاني سرادق يطل على خمسة مرامي سهام تعطي قوة كبيرة للسيطرة على الخارج، كما يوجد سرادق مشابه في الطابق الثاني من القبو الذي يغطي الممر شمال المدخل ويطل على داخل القلعة.

أما الزاوية الشمالية الشرقية فقد زودت بثلاثة أبراج ضخمة بقي منها برجان قائمان بعدة طبقات وبقي الطبقة الأولى من الثالث، حيث تتميز مداخل هذه الأبراج بالفخامة والجمال ويتصل بها السور الضخم والذي يزيد عرضه عن 2.5م.

أما الأبراج من الجهة الغربية فهي أقل عدداً وأصغر حجماً وقد استعاض عنها البناة بعدد كبير من الطلاقات ومرامي السهام التي تنتشر بين الأبراج وتؤمن الحماية الكاملة من هذه الجهة مع المنحدر.

أما سفوح التل فقد تمت تسويتها لتصبح شديدة الانحدار وتم تزويدها بتسفيح حجري منضد من كل الجهات لتأمين حمايتها من انزلاق التربة وتؤمن حماية إضافية بسبب الانحدار الشديد.

داخل القلعة:

يحوي داخل القلعة عدداً من الأقبية القديمة التي تعود إلى فترة بناء وتحصين القلعة "الأيوبية" وتتميز بسقوفها الحدوية المبنية من الحجر النحيت وتمزج مع بعض الأقبية المملوكية والكثير من الأقبية العثمانية التي تستخدم كمنازل للسكان، كما ينتشر البناء الحديث من منتصف القرن الماضي وبعض المنازل "العثمانية" الجميلة مما يجعل من الصعب بمكان تتبع البقايا الأثرية في الداخل.

الاحتياجات:

بسبب تواصل السكن في القلعة حتى الوقت الراهن فلا بد من القيام ببعض الإجراءات:

1- إخلاء القلعة من السكان عبر استملاك العقارات التي تقوم عليها القلعة وتقوم المديرية العامة للآثار بإعداد مشروع لإخلاء القلعة.

2- إجراء دراسات أثرية وتنقيبات على الأسوار لتحديد معالم بعض الأبراج الضائعة.

3- القيام بأعمال ترميم إنقاذية لبعض الأماكن الحرجة.

4- تأهيل القلعة وفتحها للزيارة كونها تشكل مع ما يحيط بها من آثار "أفاميا" وخان "قلعة المضيق" والجامع العثماني كتلة أثرية غاية في الأهمية الأثرية والسياحية والثقافية.