تشتهر مدينة "حماه" بنواعيرها الموجودة على نهر العاصي وتعتبر من ابرز المعالم الأثرية والسياحية في وقتنا الحالي، وقديماً ذكرت "حماه" لدى المؤرخين باسم مدينة النواعير وقد تم ابتكار هذه الآلة فيما مضى لري الأراضي والبساتين المرتفعة نظراً لانخفاض مجرى نهر "العاصي" عن الحوض الذي ينساب فيه، وتقنية عمل الناعورة لم تتغير على مر الأزمنة والعصور فمازالت تلك الآلة الدائرية المائية دائمة الحركة والتي تقوم بحمل الماء إلى مستوى أعلى من النهر دون الحاجة إلى أي جهد بشري حيث تنقل /2400/ ليتر من الماء في كل دوران لها.

وقد ذكر الرحالة المسلمون حماه ونواعيرها في رحلاتهم فالرحالة المغربي "ابن بطوطة" ذكرها في تقريره عن رحلته الكبرى الذي سماه "تحفة الأنظار في غرائب الأمصار" بقوله: «حماه هي إحدى أمهات الشام الرفيعة ومدائنها البديعة ذات الحسن الرائق والجمال الفائق، تحفها البساتين والجنات، عليها النواعير كالأفلاك الدائرات يشقها النهر العظيم المسمى العاصي».

الآراميون هم من ابتكروا صناعة النواعير إذ لم يرد لها أي ذكر في تاريخ الرومان

وتعد ناعورة "البشريات" ثالث أكبر ناعورة في حماه بعد ناعورة "المحمدية" و"المأمورية".. موقع eSyria التقى السيد "أحمد عثمان" وهو صاحب البستان القريب من ناعورة "البشريات" الذي حدثنا عن سبب التسمية فقال: «سميت ناعورة "البشريات" بهذا الاسم نسبة إلى الشيخ العارف بالله "بشر الحافي" وهو من العراق ولد ومات فيها، أما "العثمانيات" فهناك اسم آخر لا يعرفه إلا القليل من أهالي حماه وهو "عنتر وعبلة"».

مرهف أرحيم

وعن أقسام الناعورة وأنواع الأخشاب التي تدخل في صناعتها تحدث لنا السيد "يحيى ظاظا" وهو نجار نواعير فقال: «يدخل في تركيب النواعير أنواع عديدة من الأخشاب مثل الكينا والتوت والصنوبر والحور والجوز، فالأنواع القاسية كخشب الجوز تستخدم في قلب الناعورة و"الكفوتة" وهي عبارة قطعتين من الخشب تتربعان على الحجرية وهما مجوفتان بشكل نصف دائري يوضع فوقهما قلب الناعورة، أما "وشاحاتها" فهي من خشب الحور وهي نوعان رئيسية عددها /16/ وشاح وثانوية يختلف عددها بين ناعورة وأخرى بحسب حجمها، يأتي بعد ذلك الدوائر وهي/48/ قطعة تشكل مجتمعة دائرتين إحداهما صغيرة والأخرى كبيرة يثبت على هذه الدوائر أكليل الناعورة المتضمن الصناديق التي تحمل الماء وأخيراً هناك "الجامعات" وهي عبارة عن قطع خشب تحركها المياه فتدور الناعورة، أما المسامير المستخدمة فهي عربية مصنعة يدوياً على كور الحداد».

وهناك العديد من الأساطير التي رويت عن نواعير "البشريات" و"العثمانيات" إحداها التي يرويها لنا السيد "ظاظا" فيقول: «كان يسكن قربها عفريت يسمى "شيخ العاصي" والكثير من كبار السن يذكرون هذه القصة حتى إن البعض منهم يقول: رأيت آثار أقدامه البالغ طولها /70/سم موجودة بالقرب من النواعير، وكان وراء هذه الرواية صاحب البستان القريب من تلك النواعير الذي أراد حماية بستانه من المتطفلين فقام بنسج روايته حول العفريت الذي يحمي النواعير ليلاً وبذلك استطاع حماية بستانه دون حراس».

مسعف مغمومة

الجفاف الذي أصاب نهر العاصي أدى إلى تلف جزء كبير من أخشاب الناعورة وقد تطلب ذلك صيانة وترميما لها وعن عمليات الترميم تحدث لنا السيد "مسعف مغمومة" مدير دائرة النواعير في مدينة حماه فقال: «تحتاج النواعير إلى ترميم وصيانة كل سنة تقريباً حيث يتم استبدال 70% من كتلة الخشب نتيجة الجفاف الذي أصاب نهر العاصي، والترميم الأكبر لناعورة "البشريات" كان بتاريخ 28/5/2009 حيث شملت عملية الصيانة تبديل أبدان خشب الجوز بوزن/5/ أطنان وأبدان الخشب الثقيلة لعقدة الناعورة بحوالي /2/ طن وقلب الناعورة بوزن/2/ طن وتم تغيير /35/ وشاحاً، ومن الجدير بالذكر أن قطر ناعورة "البشريات الكبرى" /19/ مترا وتحوي /120/ صندوقا أما الصغرى فقطرها /13/ مترا وتحوي /80/ صندوقا، وبالنسبة "للعثمانيات" فقطر كل واحدة منهما /12/ مترا وتحوي /80/ صندوقا».

وقد اختلف المؤرخون في تحديد من قام ببناء النواعير فذكر البعض أنها تعود إلى العهد الآرامي أي إلى الألف الأول قبل الميلاد فيما أكد آخرون أنها تعود إلى العهد الروماني.

يحيى ظاظا

الشيخ "أحمد الصابوني" ذكرها في كتابه "تاريخ حماه" فقال: «نواعير "البشريات" تقع إلى الشرق من مدينة حماه وهي أربع نواعير اثنتان تسميان "العثمانيات" واثنتان وهما الأكبر تسميان "البشريات" ويعود سبب تسميتهم بهذا الاسم نسبة إلى الشيخ "بشر" المدفون إلى جانبها».

السيد "مرهف أرحيم" مدير السياحة في مدينة "حماه" تحدث لنا عن تاريخ بناء النواعير فقال: «الآراميون هم من ابتكروا صناعة النواعير إذ لم يرد لها أي ذكر في تاريخ الرومان».

ويضيف السيد "أرحيم": «النواعير هي الشعار المميز لمدينة حماه وهي الأثر الوحيد الذي مازال ينبض بالحياة إضافة إلى أنها نتاج فريد ولن يتكرر وعندما تذكر النواعير تذكر مدينة "حماه"».