تعتبر "العباءة" الرجالية من الأزياء العربية القديمة، ولم يحدد أغلب الباحثين في هذا المجال تاريخاً محدداً لبداياتها الأولى فمنهم من أرجعها إلى عصور ما قبل الإسلام وعرب الجاهلية ومنهم من اعتقد أنها موجودة قبل ذلك التاريخ.

أما في عصر الإسلام فقد عرفت "العباءة" كزي رسمي تميز به أبناء البادية وسكان شبه الجزيرة العربية وذكرت بعض المصادر التاريخية أن الرسول الأعظم "محمد عليه الصلاة والسلام" كان يرتدي "العباءة" والمعروفة في ذلك الوقت باسم "البردة" وهي قماش من الصوف الخشن ذات لون مائل إلى السمرة ويكون مخططاً، وقد شاع ارتداء "العباءة" الرجالية بين معظم أبناء العالم العربي.

إنها طريقة خاصة جداً يمارسها المتخصصون بهذا المجال

eHasakeh دخل عالم هذا المنسوج التراثي ليتعرف على بعض خفاياه وأسراره ولعله يظفر بشيء يسجل به سطرا من تاريخ هذا الزي الخالد...!!

فبعد السؤال والاستفسار أرشدنا الأخوة الذين امتهنوا هذه المهنة إلى أشهر وأقدم الشخصيات "العبايجية" في "الحسكة" لعلنا نجد مبتغانا عنده السيد "نوري إسماعيل" (55)سنة والذي لم يبخل بالإجابة على أسئلتنا رغم وضعه الصحي المتردي، التقاه eHasakeh بتاريخ 3/10/2008، و "نوري إسماعيل" عمل في هذا المجال منذ نعومة أظفاره فهو ابن الحاج "إسماعيل محمد" المتخصص في هذا المجال من الصناعات والمعروف في أرجاء "الحسكة"، فقد تعلم هذه المهنة من والده وفتح "نوري" محله الخاص وكان عمره وقت ذلك لم يتجاوز الخامسة عشر، يقول: «إننا في هذا المجال منذ ما يزيد على 150 عاماً، فهي بالنسبة لنا مهنة نتوارثها جيلاً بعد جيل، لقد أحببنا هذه المهنة وعشقناها فأصبحت جزءاً لا يتجزأ منا»..! وكانت بدايتي معه عن أسرار وخفايا "العباءة" الصيفية المُحاكة يدويّاً حيث قال: «إن هذا النوع من "العبي" يحتاج إلى مهارة ودقة فنية في العمل كما يحتاج إلى أناس من ذوي الخبرة والاختصاص في هذا المجال، فلكل مرحلة متخصصون وحرفيون»..

*مما تصنع "العباءة" الرجالية الصيفية؟

**«تصنع "العباءة" من "صوف" الأغنام فبعد "جز" الصوف يحال إلى مرحلة التنظيف لتخليصه من الشوائب والأوساخ العالقة به، ثم تبدأ بعد ذلك عملية "الغزل" حيث يبرم الصوف بواسطة مغازل خاصة ليصبح بعد ذلك خيوط رفيعة وجاهزة للحياكة، ولهذه المرحلة أناسها المهرة وأدواتها الخاصة. ويقاس نوع الغزل هنا على مدى "سُمك" الخيط فكلما كان الخيط رفيعاَ كان ذلك من المحاسن الجيدة التي تساعد برفع سعر العباءة».

*وعن سؤالي له عن طريقة خاصة يستخدمها بعض أصحاب هذه المهنة في الغزل في بعض المحافظات، وهي إمرار الخيط المغزول من خلال ثقب معد مسبقاً في اظفر اليد للحصول على خيط خاص لنوعية جيدة!

** أكد ذلك الشيء قائلاً: «إنها طريقة خاصة جداً يمارسها المتخصصون بهذا المجال».

*ماذا بعد عملية الغزل..؟

**«يدخل الغزل بعد ذلك مرحلة جديدة هي مرحلة الحياكة أو "الجومة"، حيث يُحاك الغزل بواسطة بعض الآلات ليصبح عبارة عن قطعة واحدة تعرف باسم "الدرج"، وهذه المرحلة أيضا تحتاج إلى أناس مهرة ومتخصصين وتصل فترة الحياكة وإتمام "العباءة" إلى /15/ يوماً تقريباً».

*هل هناك أوزان تستخدم في هذا المجال؟

**«نعم هناك أوزان خاصة لوزن العباءة منها، وزن "الستة دراهم"، ووزن "النصف ربع"، ووزن "الربع"، وأفضل هذه الأوزان هو وزن "الست دراهم" حيث يكون فيه "الدرج" ذا خيوط رفيعة وناعمة، ثم يأتي بعد ذلك وزن "النص ربع" وأخيرا وزن "الربع" الذي يكون خشنا».

*ماذا تقصد بالتحرير؟

**«التحرير هو خياطة "العباءة" وتطريزها بخيوط خاصة من "البريسم" أو "النايلون" وتكون من نفس لون "العباءة". وهناك نوع أخر من الخياطة يسمى "الكليتون" وهو خياطة "العباءة" بخيط خاص يكون لونه "أصفراً" يختلف عن لونها وهو لون ذهبي يختاره البعض لإظهار جمالية التطريز وحسب الذوق».

*كيف يتم الحصول على هذه الأنواع من الخيوط وما هي صناعتها؟

وما هي الكمية الكافية لإتمام العباءة الواحدة؟

**«جميع هذه الخيوط مستوردة، فخيط التحرير الأول "البريسم" هو صيني الصنع ويشترى بالوزن، والكيلو الواحد يكفي لإنجاز حوالي /15/ إلى /20/عباءة. أما النوع الثاني وهو النايلون، فهو تركي المنشأ. أما "الكليتون" فله عدة مصادر منها "الفرنسي" "أول باب" والكيلو منه يكفي لإتمام /6/ إلى /7/ عباءات، الخيط "الياباني"، والخيط "الهندي" البكر».

*هل للعباءة أسماء خاصة وما هي ألوان العباءة الصيفية وما اللون المفضل لدى المشتري؟

**«يعتمد اسم "العباءة" على اسم اللون الخاص بالعباءة، وهناك ألوان كثيرة ومتعددة، منها "الأصفر"، و"الخستاوي"، و"الأسود"، و"الصاجي"، و"الأبيض"، وأفضل الألوان التي يرغبها المشتري هو اللون "الأصفر" و"الأسود"».

*هل هناك أصباغ خاصة للعباءة أم أنها تعتمد على اللون الأصلي للصوف المغزول؟

**«نعم هناك ألوان وأصباغ خاصة بالعباءة قد تستخدم في بعض الأحيان، ولكن المفضل هو اللون الأساسي فالمشتري يهوى العباءة الغير مصبوغة ذات اللون الأصلي الثابت أي لون الغزل».

*حدثنا عن العباءة الصيفية الصناعية؟

**«كما ذكرت سابقاً إن العباءة الصيفية اليدوية هي على شكل "درج" أما العباءة الصناعية فتأتي على شكل أطوال من القماش الخاص يتم التحكم به فيما بعد وحسب الطلب، وتتفاوت أسعار هذه العباءة حسب الجودة والصنع».

*هل هناك قياسات خاصة للعباءة الرجالية؟

** «بالنسبة للعباءة الرجالية اليدوية "الدرج" يكون قياسها موحد ولكن عند الخياطة يتم التحكم بالطول فقط، حيث نقوم بإعطاء الطول المناسب للمشتري ويتم التحكم من وسط العباءة وليس من أسفلها ويجب أن تراعى الدقة بذلك وأخذ القياسات الصحيحة»

*ماذا عن طريقة لبس العباءة وهل هناك عوامل تؤثر عليها؟

**«يجب الاهتمام بهذه المسألة فالعباءة تحتاج العناية خاصة في اللبس وهذه مسؤولية المشتري أما عن تأثرها فهي تتأثر بالعوامل الطبيعية كالرطوبة والماء وهذه العوامل تتلف العباءة، ومن الممكن إرجاعها إلى سابق عهدها وبطريقة خاصة تعرف هذه الطريقة باسم "النوالة" وهي تشبه طريقة الكوي ولكن بشكل آخر... وهذه العوامل تتأثر به العباءة "الأيسر" فقط أما عن العباءة "الأيمن" فهي لا تتأثر بمثل هذه العوامل»...

*ما سر العباءة الأيسر والأيمن، هذا لم تذكره لي؟

**«الأيسر ونعني به حياكة "الدرج" من الجهة اليسرى ويكون الصوف المستخدم في هذا النوع من العبي مأخوذة من "أغنام" غير خاضعة لعناية خاصة كأن تكون مهملة وقليلة الاهتمام ويقوم المربي بضربها، وهذا النوع من الأصواف وبعد غزله يحاك باليد اليسرى وهو سريع التلف والتأثر بالرطوبة كما أسلفت. أما "الأيمن" فهو عكس ذلك أي أن الصوف المستخدم لعمل هذه العباءة يؤخذ من "أغنام" المدللة ذات الاهتمام الخاص ويحاك باليد اليمنى وهو النوع المفضل والمرغوب ولا يتأثر بأي عوامل».

*هذا سر من الإسرار الغريبة لأصحاب المهنة؟ ماذا عن فحص العباءة والتعرف على جودتها؟

**«طرق فحص العباءة متعددة عند المشتري ولكن عند أصحاب الاختصاص والمهنة فهي بسيطة فنحن نتعرف على نوعية الغزل الجيد من خلال الفحص باليد، فكلما كان الخيط أكثر نعومة كان ذلك أفضل وأحسن».

*ماذا عن العباءة الشتوية وما هي أنواعها؟

**«هناك عدة أنواع من العباءة الشتوية ومنها "الوبر"، "الهربد"، "السوري"، و"أبو شهر". و"أبو شهر": عباءة شتوية يدوية الصنع تحاك بنفس طريقة العباءة الصيفية وهي إيرانية المنشأ، تأتي على شكل "درج" كامل يفضل في "الحسكة" وحسب الطلب، وتكون له طريقة خياطة خاصة، حيث تتم خياطته "بالحرير" وبخيط "البريسم" فقط».

*ماذا عن باقي الأنواع؟

**«باقي الأنواع هي صناعية. فـ"الوبر" يصنع في معامل "العراق" أما عن "الهربد" فهو قماش انكليزي يتم استيراده ويأتي بشكل أطول من القماش، "والسوري" كذلك يأتي بنفس الطريقة».

*ماذا عن أذواق المستهلكين وهل هناك اختلاف في اللبس والطلب بين بعض الفئات؟

**«نعم هناك تفاوت واختلاف في الأذواق واللبس، ومن الجدير بالذكر أن العباءة التي يقتنيها طالب العلوم الدينية مثلاً تختلف منهم يفضلون العباءة السادة الخالية من التطريز أو إي مظهر من مظاهر التجميل الأخرى، أما باقي المشترين فلهم أذواقهم الخاصة».

*ماذا عن هذه المسميات "الحاسبي"، "الخاجية"؟

**« "الحاسبي": هي خياطة العباءة بتطريز، وبلون أصفر والمسمى عندنا "الكليتون"، أما عن "الخاجية": فهي طريقة الحياكة اليدوية للغزل حتى يصبح "درج" وهذه الأسماء تداولها البعض على أنها أسماء خاصة بالعباءة».

*ماذا عن مهنتكم..؟

**«هي مهنة شاقة وصعبة جداً تحتاج إلى الصبر والمطاولة فمن لا يملك الصبر وحسن المعاملة لا يستطيع الاستمرار، وتحتاج أيضا لكثير من الخبرة والدراية وأصعب ما نواجهه هو طريقة التعامل مع الزبائن فليس من السهل إرضاء جميع الأذواق ولجميع الطبقات أو التعامل معهم بنفس واحد، وأنا على علم ودراية أنه لا يمكن لأي كان امتهان هذه المهنة».

*من المعروف أن هذه المهنة تؤخذ بالتوارث فهل أنت مع احتكار هذه المهنة وجعلها سراً من الأسرار بين أصحاب الاختصاص فقط؟

**«كما أسلفت أن مهنتنا مهنة شاقة وصعبة لا يدخلها الجميع وتحتاج إلى عقل متفتح يضبط أساسياتها منذ البداية، وكذلك تجدها مهنة متوارثة أما عني فأنا ضد مبدأ الاحتكار لهذه المهنة التراثية والفنية الرائعة، وأتمنى أن تنتشر وتعم من أجل ديمومة وبقاء هذا الموروث التراثي والفني الرائع».