«أن أعيش كل يوم في حياتي وكأنه آخر يوم، لأنه سيأتي يوم ويكون كذلك. وعرفت بالمقابل كم هي الحياة ثمينة وجميلة وإن كنا لا نتمنى الموت فهو قادم على أية حال، لكن يجب أن نناضل لنحيا... فالحياة بحد ذاتها معجزة»، بهذه الكلمات بدأت كلامها الكاتبة "شيرين خطيب" في لقاء مع موقع eHasakeh بتاريخ 24/2/2009.

وأضافت قائلةً: «أنا ابنة "الحسكة" تربيت في عائلة اجتماعية معرفة ومتوسطة الدخل فعندما أعود بنظري إلى السنين المنصرمة أجد أن الإيمان بالحقوق الإنسانية للإنسان الفرد... الإيمان بصحة الطريق الذي نسلكه كل يوم بل كل دقيقة هو إيمانٌ صعب وباهظ التكاليف لأننا ندفع الثمن من أجل كل كلمة نقولها، وقد آمنت بهذا الطريق حتى في أصعب الأيام التي مرت معي، من أجل ذلك فقط اتجهت إلى ممارسة الكتابة في سن مبكرة، عندما انتهيت من كتابة روايتي الأولى بفترة، حاولت تغيير أسلوبي في الكتابة لأقترب من الواقع المعاصر، إلا أن هذا الواقع يفعل فعله، فبمجرد بداياتي في كتابة روايتي الثانية "دروب قاحلة" كنت أسأل نفسي كل يوم، ألن يسأل الناس أنفسهم إن كانت هذه الرواية مجرد سيرة ذاتية للكاتبة أو كما يقال... تاريخ حياتها؟

هناك خلاف دائم وحاد وقائم وهو: كيف سيرضي الكاتب الجمهور؟ بالتحديد إذا كان هذا الكاتب امرأة لأن نظرة الرجل إليها تبقى ناقصة، ولا يحق لها أن تكتب بجرأة الرجل... كما لا يحق لها أن تنافسه؟! وهناك خلاف آخر قائم متعلق بالأول وهو حول الخلافات في الانتماءات السياسية والفكرية، فالقرّاء متنوعون في انتماءاتهم الفكرية، وكل واحد منهم عندما يحمل كتاباً فإنه يتمنى مسبقاً أن يجد في الكتاب ما ينطق بلسانه ويشعر بقلبه، وباعتقادي الشخصي لا يوجد كاتب واحد في كل هذا العالم يستطيع أن يرضي الجميع لأن الكاتب نفسه هو شخص من بين الجميع له اتجاهه ورأيه الخاص، لكن هناك نقطة إيجابية هامة في هذا الموضوع وهو أن وجهة نظر الكاتب مهما كانت تمثل دائما فئة كبيرة من الناس، والكاتب يتوجه بالدرجة الأولى إلى هؤلاء ليشاركونه آراءه أو يحث الفئة الثانية إلى مشاركته آراءه، والفئة الأولى سوف تصفق له لكن الفئة الثانية إما أن تقتنع بآرائه أو تلومه أو تتجه إلى معاداته علناً... أو ربما يرضيها أدبه أو ستتجه إلى أن تدعو الجميع إلى مقاطعته ومقاطعة أدبه

وقد وجهت هذا السؤال إلى كثير من المهتمين لأعرف إن كانت القضية التي طرحتها صالحة ونافعة للمجتمع، هناك الكثير من الحالات الفردية تثير حب الاستطلاع لدى الإنسان، ولكن بمجرد أن يعرفها ينصرف عنها حتى ينساها، مثل هذه النتيجة كانت تخيفني أنا الكاتبة المبتدئة بشكل خاص.

الكاتبة شيرين خطيب

وأتذكر أنني وجهت هذا السؤال إلى كاتب كبير لا حاجة إلى مجاملتي، فأنا إنسانة واقعية وأحب الصراحة في كل شيء، وقد خضت معترك الحياة بقوة وما زلت قادرة على ذلك، وإذا كانت هناك بعض الحوشيات في كتاباتي فهي نتيجة ممارستي الفردية لفن الكتابة، لكني سأتجاوز كل هذه المرحلة، وربما قد تكون تجربتي الشخصية ضئيلة أيضاً إلا أن ثقافتي في اتساع، وقد أخذت من دراسة كافة الآداب مقداراً كبيراً وتحولت من كاتبة فردية إلى مثقفة تريد الاقتراب من كافة الشرائح والثقافات الجماهيرية، وقد صرفت الكثير من القوة والصحة إلا أنني بالمقابل أصبحت أعيش في الدنيا وأنا أشعر وأقدر كل لحظة فرح تمر».

وأما عن رواية "دروب قاحلة" علقت شيرين خطيب قائلة: «دروب قاحلة هي رواية اجتماعية تمثل شريحة معينة من الطبقة الثرية، وتمثل نظرة الأغلبية نحو الحدث السياسي الدائر في المنطقة، ويبدو جلياً من خلال قصة الحب الدائرة التي اعتبرها بعض النقاد قصة منطقية من حيث إنه لا توجد معايير ثابتة للتوجهات الإنسانية في النفس البشرية والإنسان يستطيع استيعاب كل الأحداث دون أن يفاجأ من شيء إذا أراد ذلك، باعتبار أن بطلة الرواية قد تربت تربية ارستقراطية وسليمة ولم تواجه ضغوطات نفسية باستثناء حالة الأم التي انعكست سلباً على شخصية البطلة، بينما اعتبرها القسم الآخر من النقاد قصة حب غير منطقية لأن البطلة قد تربت تربية سليمة بغض النظر عن المشاكل النفسية التي عانت منها، وهذا ما يجعل من قصة حبها غير منطقية وبعيدة عن الواقع الاجتماعي.

وأنا أقول إن قصة الحب بين بطلي الرواية هو موضوع أبدي وأزلي إذا نظرنا إليها من خلال واقع اجتماعي وأخلاقي معينين باعتبار أنه لا توجد معايير ثابتة للأخلاق والقيم وكل إنسان يفهم معنى الأخلاق من خلال تجربته ونظرته الخاصة وعلاقة الحب بين "روان" و"عزيز" توضع ضمن مفاهيم طبقة خاصة لتحريض الواقع على التغيير، وهو مفهوم منبثق من ظروف الواقع الجديد ما يجعل هذه الرواية تقع بين طرفي المقص».

وحاولت الكاتبة شيرين الخطيب التوفيق بين ما يكتبه الكاتب وما يريد قراءته القارئ قائلةً: «هناك خلاف دائم وحاد وقائم وهو: كيف سيرضي الكاتب الجمهور؟ بالتحديد إذا كان هذا الكاتب امرأة لأن نظرة الرجل إليها تبقى ناقصة، ولا يحق لها أن تكتب بجرأة الرجل... كما لا يحق لها أن تنافسه؟! وهناك خلاف آخر قائم متعلق بالأول وهو حول الخلافات في الانتماءات السياسية والفكرية، فالقرّاء متنوعون في انتماءاتهم الفكرية، وكل واحد منهم عندما يحمل كتاباً فإنه يتمنى مسبقاً أن يجد في الكتاب ما ينطق بلسانه ويشعر بقلبه، وباعتقادي الشخصي لا يوجد كاتب واحد في كل هذا العالم يستطيع أن يرضي الجميع لأن الكاتب نفسه هو شخص من بين الجميع له اتجاهه ورأيه الخاص، لكن هناك نقطة إيجابية هامة في هذا الموضوع وهو أن وجهة نظر الكاتب مهما كانت تمثل دائما فئة كبيرة من الناس، والكاتب يتوجه بالدرجة الأولى إلى هؤلاء ليشاركونه آراءه أو يحث الفئة الثانية إلى مشاركته آراءه، والفئة الأولى سوف تصفق له لكن الفئة الثانية إما أن تقتنع بآرائه أو تلومه أو تتجه إلى معاداته علناً... أو ربما يرضيها أدبه أو ستتجه إلى أن تدعو الجميع إلى مقاطعته ومقاطعة أدبه».

وبمناسبة الحديث عن الكاتب النخبوي الذي يحاول قدر المستطاع الترفع في مستوى لغته الأدبية في كثير من الأحيان إلى أسلوب غير مفهوم إلا للمثقفين ذوي الثقافة العالية بالمقارنة مع ما يسمى الأدب الجماهيري الذي قد في ينزل في بعض الحالات إلى العامية أو لغة الشارع، فكان لشيرين خطيب رأي آخر في هذه المسألة قائلةً: «أنا أطرح هذا السؤال على نفسي دائماً لماذا يتراكض الناس إلى الكتب التي تكتب بلغة سلسة بسيطة... بعيدة عن تفاهة الأدب الصارخ، وينصرفون عن الكتب الثقيلة الجادة إلى درجة الجفاء والتي تهتم بها نخبة مثقفة ومعينة وقليلة مثل كتب سليم بركات مثلاً؟ الجواب يكمن في أن الناس يفضلون الأدب الخفيف والمفهوم، ولا يعني ذلك أن يكون مفهوماً إلى درجة الابتذال، ولكن يكون مفهوماً في مفرداته القريبة من قلوب الناس، فالأدب الجمهوري استطاع شد الناس إليه لأنه أدرك أن الناس يعانون من أوضاع اجتماعية معينة ولهم طموحات معينة واستطاع تحليل طبيعة المجتمع وربطه بظروفه التاريخية، وقد استطاع أن يسير عبر مشاكل الإنسان البسيط وقضاياه وهو يمثل شريحة كبيرة من المجتمع وهذا الإنسان بحاجة إلى من يكتب له بلغة الحدث لتصل الفكرة إلى جميع شرائح المجتمع بعكس الأدب النخبوي الذي يتوجه إلى شريحة معينة من المثقفين وهي شريحة قليلة ومنغلقة على نفسها في مجتمعنا.

في النهاية كل هذا ليس مهماً بمقدار ما يكون مهماً طبيعة النص المكتوب بما يحتويه من أفكار وأسئلة واقتراحات والتي تحدد نجاحه عند الناس أو فشله . فإذا قلنا مثلاً أن الأدب الجمهوري قادر على أن يؤجج عواطف القارئ العادي على وجه الخصوص وقادر على شد انتباهه فهي ليست دليلاً على وعي لدى القارئ ولا على جهالته... وليست دليلاً أيضاً على تقدم فن التأليف ولا تأخره، لأننا يجب أن ندرك أن القارئ لا ضابط له ولا مقياس ولا يمكن تحديد علاقة معينة بينه وبين النص المكتوب، فالأدب الجمهوري يصور لنا الشخصيات الإنسانية الحقيقية في واقعها المحلي على طبيعتها وبدون تعقيدات أو مفردات صعبة، وبرأيي هذا ما سيجعل من الأدب الجمهوري أدباً عالمياً بعكس الأدب النخبوي الذي يصعب وصول فكرته إلى كافة الناس، وأنا أقول لكتّابنا اكتبوا بالمحلية وغوصوا فيها... اكتبوا عن شخصيات رأيتموها في الواقع كما هي ولا تهتموا بأدب النخبة... اكتبوا عن الإنسان العادي البسيط ولهجته وتفكيره بأبسط طريقة، وتذكروا أن من لا يريد لأدبه أن يعيش أكثر من عشرين أو ثلاثين عاماً فإنه وقتها سيعيش كما عاشت كل الأدبيات العالمية التي كتبت وعبّرت عن واقعها ببساطة وصدق».