تعتبر قرية "هيمو" إحدى الضواحي الغربية "للقامشلي"، إذ لا تبعد عنها سوى خمسة كيلومترات، وهي من القرى المتطورة، يطلق عليها اليوم اسم "هنادي" وقد كانت إلى وقت قريب قرية صغيرة ما لبثت أن توسعت، وهي بالإضافة الى كل ذلك مركز ديني وحضاري عرفته شعوب المنطقة وذلك لوجود دير القديسة "فبرونيا" المقدس والذي يعتبر مركزا دينيا مشعا، وعبقا للشهادة والقداسة.

وعن تاريخ القرية حدثنا الأب "كبريائيل خاجو" والذي التقاه موقع eHasakeh بتاريخ 30/11/2009 فيقول:

ثمة شجرة غريبة الأوصاف كانت تشكل غابة تغطي البقعة التي تحيط بالضريح وكانت فروعها تمتد على طول الطريق إلى "نصيبين" لكن جشع المزارعين قضى عليها فلم يبق منها سوى شجرة واحدة. فروع الشجرة كانت تشكل غابة كثيفة حتى أوائل السبعينات من القرن الماضي والشجرة من فصيلة القرنيات الفراشية، لها أوراق أعرض بقليل من أوراق شجرة اللوز وأقسى ملمساً منها، ولها ثمر لا يؤكل شبيه بثمر "الفاصوليا" أو"اللوبيا"، ولا يزيد ارتفاعها عن متر ونصف، وهي مع كل هذا شجرة نادرة وغريبة عجز المهندسون الزراعيون عن إعطائها تسمية نباتية، وهذا يشير إلى أنها شجرة من نوع فريد لا مثيل له

«تاريخ القرية قديم يرتبط بمدينة" نصيبين" التي تحاذيها شمالاً والتي فصلت عنها بعد عميلة تخطيط الحدود السورية– التركية عام

الشجرة المقدسة

/1929/ م فبقيت هي ضمن الأراضي السورية بينما أصبحت "نصيبين" تقع ضمن الأراضي التركية.

وإذ كان تاريخ القرية قديمة العهد فإن اسمها أيضاً يعود إلى عهد الممالك "الآرامية" في منطقة ما بين النهرين،

ضريح القديسة فبرونيا

و"هيمو" اسم سرياني يعني "التيس الجبلي"، كما يعني أيضاً "الخوف" ومن هذين المعنيين ندرك أن موقع القرية ربما كان عبارة عن غابات يأوي إليها هذا الحيوان البري وكانت مُخيفة ليلاً.

أو ربما سميت هكذا تيمناً بجهاد القديسة" فبرونيا" الراهبة التي استحقت أن تدعي الأم .

زيارات الضريح وإشعال الشموع

فقيل: "إيِمو" بالسريانية أي تلك الأم، إشارة إلى ضريح القديسة في القرية،حيث يجثم في أراضيها قرية "هيمو" ضريحاً يُنسب إلى الشهيدة "فبرونيا"».

أما عن موقع ضريح القديسة "فبرونيا" فيقول: «يقع هذا الضريح على بعد /500/ م شمال قرية "هيمو" وعلى ارتفاع

/460/ م عن سطح البحر بينما لا يرتفع عن سطح الأراضي المحيطة به كثيراً، وهو مُغطى بأحجار وحصى وأجزاء من بقايا الإسمنت وتبدو عليه آثار القدم، ينسبه السكان إلى القديسة "فبرونيا" التي تقول قصتها إن جثمانها كان قد وضع في نفس دير الراهبات الذي كانت تخدم فيه، وإن جزءا من رفاتها نقل في بدء القرن الرابع إلى الكنيسة التي شيدها أسقف "نصيبين" على اسمها، وإن جزءاً آخر نقله مار "شمعون الزيتون" إلى الكنيسة التي شيدها هو الآخر على اسمها في نصيبين.

وعن سؤالنا ان كان الضريح هو المكان الذي دفن فيه فعلاً جثمان القديسة عند استشهادها، أو أنه المكان الذي يحتوي أجزاءا من رفاتها أجاب : «الواقع أن ثمة ثلاث اعتقادات حول هذا السؤال الاعتقاد، الأول يرجح أن دير الراهبات الذي كانت تخدم فيه القديسة كان يقوم في نفس مكان هذا الضريح وخاصة أن من شأن الأديار تواجدها في القرون المسيحية الأولى بعيداً عن ضجيج وصخب المدن، لكنه لم تجر حتى الآن أعمال التنقيب للكشف عن آثار هذا الدير .

والاعتقاد الثاني يذهب إلى أن يكون الضريح يحتوي على جزء من رفات القديسة وتم نقله إلى هذا المكان بعيد استشهادها وفي زمن يصعب تحديده .

الاعتقاد الثالث يقول إن هذا الضريح هو المكان الذي جرت فيه محاكمة القديسة وسالت دماؤها الطاهرة على أرضه فأقيم تذكاراً لاستشهادها وتكريماً للمكان الذي شهد ذلك الجهاد المقدس وارتوت أرضه من دمها فتشربت الأشجار من نسغه النقي المُبارك وراحت وريقاتها تنشر عبقه وتعطر الزائرين بشذاه».

لقد بدأ الحديث مجدداً عن ضريح القديسة فبرونيا عندما قصد الدكتور "مايكل فولر"، رئيس البعثة الأثرية في "تل تنينير"، نيافة المطران "مار اسطاثيوس متى روهم" مطران الجزيرة والفرات للسريان الأرثوذكس في شهر حزيران من عام /2000/ مُستفسراً عن مصير رفات القديسة "فبرونيا" لأنه كان قد اكتشف في دير النبي "نوح" في "تل تنينير" الواقع على ضفاف" نهر الخابور" صندوقاً صغيراً جداً من حجر المرمر ويرجح أنه يحتوي ذخيرة لشهيد أو شهيدة من منطقة "الجزيرة" وكان أول من خطر ببال الدكتور القديسة الشهيدة "فبرونيا" ابنة "نصيبين "التي استشهدت أثناء حكم الإمبراطور الروماني الجائر "ديوقليطيانس" فأعلمه أن قرية "هيمو" بقرب مدينة "القامشلي" المجاورة لـ"نصيبين" التاريخية تضم ضريحاً لقديسة شهيدة محاطاً بمجموعة كبيرة من الأشجار المقدسة يقصدها أبناء "القامشلي" لنيل البركة وطلب الشفاعة، ومن المُتعارف عليهِ بين الناس أنه ضريح القديسة الشهيدة "فبرونيا" وعلى أثر ذلك زار الدكتور "فولر" الموقع وكتب عنه تقريراً مُفصلاً زود نيافته بنسخة منه وبعدها بأيام قليلة زار نيافته الضريح الذي لم يزرهُ منذ منتصف الستينات فتبين له أن المكان الذي يعرفه وهو فتى صغير قد تغيرت معالمه فلم يبق من الأشجار المحيطة سوى شجيرات قليلة متجمعة في بقعة واحدة على مسافة /235/ م من الضريح، عندئذٍ صمم أن لا يترك هذا المكان المقدس مهملاً تكريماً لشهادة القديسة "فبرونيا" وتخليداً لجهادها العظيم لتبقى شفيعة للمدينة التي أنجبتها وقدوة في الإيمان لجميع الأجيال وشاهداً حياً على حضورنا التاريخي في هذه البقعة المباركة من العالم فبدأ نيافته تدريجياً بجمع المعلومات عن العقار الذي يقع فيه الضريح ومراجعة ذوي الشأن لبناء مزار لائقاً بكرامة هذه القديسة الشهيدة والمباشرة بتنفيذ المشروع بدأت في

5/11/2001 وتأمين كافة الخدمات اللازمة له .

ووصف الأب شجرة المزار الواقع في منطقة الشهيدة "فبرونيا فقال: «ثمة شجرة غريبة الأوصاف كانت تشكل غابة تغطي البقعة التي تحيط بالضريح وكانت فروعها تمتد على طول الطريق إلى "نصيبين" لكن جشع المزارعين قضى عليها فلم يبق منها سوى شجرة واحدة.

فروع الشجرة كانت تشكل غابة كثيفة حتى أوائل السبعينات من القرن الماضي والشجرة من فصيلة القرنيات الفراشية، لها أوراق أعرض بقليل من أوراق شجرة اللوز وأقسى ملمساً منها، ولها ثمر لا يؤكل شبيه بثمر "الفاصوليا" أو"اللوبيا"، ولا يزيد ارتفاعها عن متر ونصف، وهي مع كل هذا شجرة نادرة وغريبة عجز المهندسون الزراعيون عن إعطائها تسمية نباتية، وهذا يشير إلى أنها شجرة من نوع فريد لا مثيل له» .

وعن هذا الشجرة أكمل فقال: «إن هذه الشجرة قد نبتت بقدرة إلهية إحياء لذكرى الشهيدة "فبرونيا" التي أرضت الله بأعمالها الحسنة وجهادها المقدس، فحيثما سقطت قطرة من دمها الطاهر نبتت في محله شجرة، ولا يزال الزائر يشم رائحة الدم من أوراقها.

لكن عادة ربط الخيول إلى جذوع الأشجار لا نجد لها أثراً في التقليد المسيحي، وأغلب الظن أنها من مخلفات العادات الوثنية القديمة التي كانوا يريدون بها تذكير القوى المعبودة ومنها الشجرة بما لديهم من طلبات وحاجات دنيوية، وما زلنا حتى في أيامنا هذه نرى شيوع هذه العادة بين العوام الذين كثيراً ما يربطون خيطاً بساعد من يكلفونه لقضاء حاجة لهم وذلك تذكيراً له ومنعاً من النسيان».

ويرجع "كبريائيل خاجو" في وصفه لأرض المزار التي تحوي الشهيدة"فبرونيا": «حظيت أبرشيتنا أبرشية "الجزيرة" و"الفرات" للسريان الأرثوذكس براعيها الهمام مار اسطاثيوس "متى روهم" ابن مدينة "القامشلي" الذي وعى هذه الأحداث صغيراً وهو يتردد مع بقية الناس إلى حيث يقبع الضريح، وبقيت آثارها ماثلة أمامه إلى أن تسلّم رعاية الأبرشية فراح يحقق ما كان يصبو إليه من إحياء تراث الأجداد، فلقد اختار نيافته أرضاً تبلغ مساحتها/50 × 70/م2 في بقعة تحيط بأرض الضريح ليجعل منها مزاراً إحياء لذكرى القديسة صاحبة السيرة.

وبوشر على الفور بإقامة تصوينة، وبناء جسم المزار الذي يضم في داخله الضريح المبارك، وجرى العمل بسرعة رهيبة وعلى قدم وساق بإشراف مباشر من قبل صاحب النيافة الذي سعى بتزويد الأرض بالخدمات الضرورية كالماء التي استجرإليها من البلدية، وحفرت أيضاً بئر احتياطية على عمق /45/م.

يجدر بالذكر أيضاً أن المهندس "رياض آدمو "صمم الضريح، كما تم انتقاء الشماس الإكريليكي" مالك عشولكي" مرتسماً كاهناً في كل من ديري القديسة "فبرونيا" والقديس "مار جرجس" ففي 2/5/2008 في يوم عيد القديسة الذي يقع في يوم الجمعة الأول الذي يلي عيد القيامة وهو أيضاً جمعة المعترفين تم رسامة الشماس الإكريليكي كاهناً بوضع يد نيافة الحبر الجليل مار اسطاثيوس "متى روهم" مطران "الجزيرة" و"الفرات"».