كان المزارعون القدامى في الجزيرة السورية سابقاً يعتمدون اعتماداً كلياً على آلة "النورج" (جنجرة) في جني أغلب محاصيلهم من "الحنطة، الشعير، العدس، والحمص"، وهي آلة مصنوعة من خشب "الجوز والحديد"، تجرها دابتان بعد جمع الفلاحين محاصيلهم في البيدر، وهي كانت بمثابة الحصادة الحالية.

وعن أهمية هذه الآلة ودورها في حياة آبائنا وأجدادنا زار موقع eHasakeh قرية "قصر الذيب" شمال مدينة "المالكية" مسافة سبعة كيلومترات، وتحدث الفلاح "حاج شفيق فرمان" عن الآلة قائلاً: «كانت تلعب هذه الآلة رغم بساطتها دوراً كبيراً في حياتنا الاقتصادية، حيث بواسطتها كنا نحصل على ثمرة تعبنا لمدة سنة كاملة من مواسم "الحنطة، الشعير، العدس، والحمص"، وهي المحاصيل الأساسية المعتمدة للمعيشة لدى مجتمعنا في الجزيرة السورية، لأنه من دونها كان الفلاحون يلجؤون إلى طرق الحجارة وهي الطرق الأكثر بدائية وتعباً».

لقد عملت على آلة "النورج" الحصادة القديمة منذ طفولتي في الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم، ولي ذكريات جميلة لا تنسى معها حيث كنتُ أعملُ عليها من الصباح الباكر حتى المساء رغم تعبها وغبارها الكثيف

وأضاف المزارع "محي الدين علي" عن هذه الحصادة القديمة قائلاً: «كان لآلة "النورج" الفضل الأكبر على تشجيع الزراعة بمختلف أنواعها في المنطقة، حيث لعبت دوراً رئيسياً في اتساع مساحات الأراضي الزراعية بأضعاف مما كان عليه سابقاً، لأن اختراعها سهل على الفلاحين طريقة جني مواسمهم».

الشفرا الحديدة أسفل "النورج"

أما أهميتها للمواشي، فقال عنها الراعي "درويش خضر": «لم تكن أهمية هذه الآلة "النورج" مقتصرة على الإنسان فقط بل على الماشية أيضاً، لأن التبن العلف الحيواني الرئيسي من نتاج وثمرة هذه الآلة وكانت تقوم بجرش قشة الحنطة والشعير وتحويلها إلى التبن أثناء قيامها بعملية التقطيع والفرم، وبعدها كان يخزن التبن في "المتبنة" (مخزن) وفي فصل الشتاء يعطى للماشية».

أما عن ذكرياته فتحدث "رمضان قاسم" من اهالي المنطقة قائلاً: «لقد عملت على آلة "النورج" الحصادة القديمة منذ طفولتي في الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم، ولي ذكريات جميلة لا تنسى معها حيث كنتُ أعملُ عليها من الصباح الباكر حتى المساء رغم تعبها وغبارها الكثيف».

جلوس الفلاح عاى آلة"النورج

أما بالنسبة إلى تاريخ الحصادة "النورج" فقال السيد "طيب حسن أحمد" أحد المسنين في القرية: «توارثنا هذه الآلة القديمة المصنوعة من الخشب والحديد من آبائنا وأجدادنا، وأنا شخصياً اشتغلت عليها لمدة ثلاثة عقود من الزمن، ويروى أنها كانت تصنع في مدينة "الموصل" بالعراق ومن هناك سابقاً كانت تأتي إلينا "النورج"، ولكن مهارة بعض النجارين المحترفين في المنطقة سريعاً ما تعرفوا على خطوات صناعتها، وبدأ صنعها محلياً وكثرت أعدادها وفي ذلك الحين برزت الخطوات الأولية على العمل بالزراعة في منطقة "المالكية"، وحينها كانت كل عائلة تملك واحدة منها، لأنها كانت لا تقل شأناً عن الحصادة الميكانيكية في أيامنا هذه».

يتابع السيد "أحمد" كلامه: «أما طريقة عملها فكان يوضع الزرع المحصود على الأرض على شكل دائرة كبيرة بقطر حولي عشرين متراً، وكان يوضع في منتصف هذه الدائرة وتد وتُربط الدابتان بالوتد بوساطة حبل، ووظيفة الوتد والحبل هنا هو منع خروج الدابتين من الدائرة المحددة لهما وهكذا يبدأ عمل آلة "النورج" بطريقة دائرية وأثناء العمل كان هناك فلاح آخر يقوم بتحريك المحصول بغية وصول الشفرات الحديدية للآلة إلى كافة السنابل، وأحياناً كان العمل يستغرق ثلاثة أيام لكومة واحدة من المحصول أي حتى تنفصل الحبة عن قشتها».

الفلاح "طيب أحمد"

أما عن صناعة آلة "النورج" فقال "السيد "أحمد": «كان يصنع "النورج" من خشب "الجوز" وذلك بسبب متانته وقوته في تحمل العمل الشاق، ويتألف من قطعتين من الخشب طول كل واحدة منها متر واحد، وبقطر 25 سم، ثم كانت تُدق الشفرات الحديدية بالقطعتين الخشبيتين على شكل دائري أي ليست على خط مستقيم واحد، والمسافة بين الشفرات في كل قطعة حوالي 15سم وذلك لفرم المحاصيل بشكل جيد، وأثناء عمل الآلة كانت توضع القطعتان الخشبيتان إحداهما خلف الأخرى وقياس المسافة بينهما أقل من نصف متر وتعتبر القطعتان بمثابة محرك الآلة، وأيضاً كان للآلة جنبان خشبيان طول كل واحد منهما متر ونصف المتر، وارتفاع أقل من واحد متر، ومزخرفتان بأنواع عديدة من المسامير».

وأضاف السيد "أحمد" قائلاً: «هناك قطعتان خشبيتان طول كل واحدة منهما متر واحد، وعرض 50 سم، توضعان أمام وخلف آلة "النورج"، وتشبهان لوحة صغيرة، وأيضاً هناك لوحة خشبية توضع على رأس الآلة وهو مكان الذي يجلس عليه الفلاح، وأخيراً قطعة خشبية بطول مترين، على شكل دائري وبواسطتها تجر الدابتان آلة "النورج"».