"النوروز" الأسطورة والتاريخ وانتصار الخير على الشر، تقول الأسطورة إنّه في قديم الزمان كان هناك ملك شرير سمّي (الضحاك)، كان هذا الملك ومملكته قد لُعِنا بسبب شرِّه، والشمس رَفضتْ الشروق وكان من المستحيل نمُو أيّ غذاء، الملك (الضحاك) كَانَ عِنْدَهُ لعنة إضافية وهي امتِلاك أفعيين ربطتا بأكتافِه، وعندما تجوع الأفاعي كَانَ يشعر بألمِ عظيمِ، والشيء الوحيد الذي يرضي جوعَها كَانتْ أدمغة الأطفالِ. لذا كان كُلّ يوم يقتل اثنين من أطفالِ القُرى المحليّةِ وتقدم أدمغتهما إلى الأفاعي.

(كاوا) الحدادَ المحليَّ كان قد كره الملكَ الذي التهم أدمغة 16 من أولاده، وعندما بلغه أن طفله الأخيرَ وهي بنت، سوف تقتل جاءَ بخطة لإنقاذها. بدلاً مِنْ أنْ يضحّي ببنتِه، ضَحّى (كاوا) بخروفِ وأعطىَ دماغ الخروف إلى الملكِ، الاختلاف لَمْ يُلاحظ، عندما سمع الآخرون عن خدعة (كاوا) عَمِلوا جميعاً نفس الشيء، في الليل يُرسلونَ أطفالَهم إلى الجبالِ مَع (كاوا) وسَيَكُونونَ بأمان. الأطفال ازدهروا في الجبالِ و(كاوا) خَلق جيشاً مِنْ الأطفالِ لإنْهاء عهدِ الملكِ الشرير.

لا أضيع فرصة القدوم لهذا اليوم، فكل سنة أشارك أصدقائي وإخواني "الأكراد" في مناسبتهم، وخاصةً في هذا اليوم البهيج

عندما أصبحت أعدادهم عظيمة بما فيه الكفاية، نَزلوا مِنْ الجبالِ واقتحموا القلعة، (كاوا) بنفسه كان قد اختارَ الضربة القاتلة إلى الملكِ الشرير (الضحاك).

الأطفال فرحين بالزي الفلكلوري في العيد

ولإيصال الأخبار إلى أناس بلاد ما بين النهرين بَنى مشعلاً كبيراً أضاء السماء وطهّر الهواء من شر عهد (الضحاك). ومنذ ذلك الصباح بَدأت الشمس بالشروق ثانية والأراضي بدأت بالنَمُو مرة أخرى. هذه هي البِداية "ليوم جديد" أَو نيروز (نه‌وروز )، كما يتهجى باللغةِ الكرديةِ.

ففي 21 آذار من كل سنة تنطلق وفود غفيرة من "الأكراد" في سورية للاحتفال بيوم عيد "النوروز" أي اليوم الجديد، ففي مدينة "رأس العين" التي تبعد 85 كيلو متراً عن "الحسكة" وفي يوم ربيعي خلاب وأمام "الخيام" المنصوبة من أشعة الشمس والمسارح الفلكلورية وأنغام الأغاني احتفل الناس على محيط طبيعة نبع "عين الحصان" بهذا العيد المقدس، راسمين أجمل ابتسامة على وجوههم يتبادلون التهاني والضيافة عربون محبة لهذا اليوم الذي يصادف يوم خصوبة "الربيع" ويتساوى فيه الليل مع النهار، معبرين خلاله عن التماسك الوطني والتلاحم مع اخوانهم من كافة الأطياف.

الاحتفال ورقصة الشيخاني

عيد "النوروز" الذي يتهيأ الأكراد له قبل أيام وأسابيع إما بشراء الألبسة الجديدة أو بتحضير المؤن اللازمة أو بوضع الخيام قبل يومين، لتزهو الشموع المشتعلة ليلة العيد وترسم للمدينة لوناً برتقالياً جذاباً للنظر على أسطح المنازل ليحتفلوا في يوم العيد حتى المساء.

موقع eHasakeh وللاستزادة من الآراء حول يوم "النيروز" التقى السيد "محمد يوسف" أحد وجهاء "رأس العين" ليحدثنا قائلاً: «يوم "النوروز" هو يوم مهم بالنسبة لنا "كأكراد" ولجميع الناس لأنه يصادف يوم انتصار الخير، واليوم رغم حرارة الجو الشديدة كان يوماً رائعاً وجميلاً احتفى الناس به بأجواء سحرية رائعة وكان من أجمل أيام الربيع هذه السنة لأنه جمع المئات على المحبة وزرع بسمة جميلة على وجوهنا، وأشكر كل من ساهم معنا في عيدنا وأشكر كل الأطياف الموجودة في "رأس العين" على المباركة لنا وزيارتنا للتهنئة».

الاحتفال برقصة الكرمانجي

أما السيد "شريف السعيد" من أهالي رأس العين فيقول: «أنا مسرور جداً من هذا اليوم وأعتز به، وكان يوما جميلاً للغاية لأنني رأيت فرحة الكبار والصغار والشباب والشابات، بالإضافة إلى العدد الهائل من الزوار الذي فاق كل الأعوام السابقة».

وللاستفسار عن ترتيبات العيد حدثتنا ربة البيت "فضيلة حاج بدر" قائلة: «نبدأ بالتجهيز لهذا اليوم قبل أيام فنقوم بإعداد الحلوى والطعام وشراء ملابس جديدة للأولاد ونحضر مؤونتنا ونأتي لهذا اليوم الذي رغم تعبه يبقى يوما جميلا بالنسبة لنا».

أما عن رأي الزوار القادمين فحدثنا الدكتور "مارسيل مطلق" قائلاً: «لا أضيع فرصة القدوم لهذا اليوم، فكل سنة أشارك أصدقائي وإخواني "الأكراد" في مناسبتهم، وخاصةً في هذا اليوم البهيج».

السيد "نبيل ضولمة" ضيف من مدينة "الحسكة" قال: «أهنئ الإخوة "الأكراد" باسم إخوانهم "المسيحيين" على هذا العيد واليوم الربيعي الجميل الممتع الذي يقوي أواصر الأخوة والمحبة بيننا وأشكرهم على حسن ضيافتهم واستقبالهم ومحبتهم لكل قادم وضيف عندهم».

ولمعرفة التغيرات التي حصلت في عيد "النوروز" قديماً وحديثاً يقول السيد "منير محمد" من مواليد 1930 قائلاً: «نحتفل بهذا العيد منذ زمن بعيد، ولكن قديماً كانت الأجواء مختلفة عن الآن وخاصةً من حيث الخروج للطبيعة وإقامة المسارح والدبكات الشعبية، فأذكر أعياد الأربعينيات والخمسينيات حيث كنا نقوم في ليلة الحادي والعشرين من "آذار" بجمع الحطب وإشعال النار في تلال قرانا، وفي يوم الحادي والعشرين نستيقظ بعد "الفجر" منذ الصباح الباكر مهيئين أنفسنا نجتمع في منزل كبير يهنئ بعضنا بعضاً ونردد أغاني شعبية حول مائدة خاصة تسمى "هفت سيني" أي الصحون السبعة فيها مواد يبدأ اسمها بحرف "السين"، بعدها نقوم بتوزيع السكاكر والحلوى بين المحتفلين وكان الأقرباء والأصدقاء يتبادلون الزيارات من القرى المجاورة، فببساطة هكذا كان عيدنا أما اليوم فنرى احتفالات ومهرجانات وخيماً وأناساً كثرا، ولكن معناه لا يتبدل بالنسبة لنا».