تعانق البيوت "الطينية" التي تدخل مكونات الطبيعة في تشييدها فناء بادية "الحسكة" متناثرة، فهي ليست كالمنشآت الأخرى التي تعتمد الدقة الهندسية، بل هي أقرب للأعمال الفنية اليدوية، وتجسيد للذائقة الريفية الصحراوية التي تحليها العشوائية، وتتلفع بالعفوية.

فهي بسيطة كبساطة ساكنيها وموادها ولكنها تظل محتفظة بالبرودة مع لهيب الصيف ومملوءة بالدفء مع صقيع الشتاء لجودة البناء وفن التصميم مع خاصية الطين وسمك الجدار.

لصناعة ذلك "الطابوق" كان يُجلب التراب الأحمر، ويُخلط مع التبن والماء، ويُنقع لفترة من الزمن تكون عادة ليلة واحدة، ليصبح ناعماً وسهل التشكيل، ويسمى ناتج اليوم بعدة أسماء منها "البشروك" أو "حريا نماندي"، وبعد التنقيع يُداس بالأرجل، ويُشكّل منه "الطابوق" باستخدام قوالب خشبية مربّعة الشكل، يُترك "الطابوق" تحت أشعة الشمس ليَجفّ تماماً، ويُقلب عدة مرات إلى أن يجفّ تماماً

وعلى الرغم من انحسارها لحساب البناء الإسمنتي الباهظ التكاليف، إلا أن العديد من أبناء قرى محافظة "الحسكة" ما يزال محافظاً على اقتناء البيت الطيني.

السيد نوري الجدوع

السيد "نوري الجدوع" أحد بنّائي وقاطني بيوت الطين ذكر لمدونة وطن eSyria بتاريخ 21/9/2009 أن معظم البيوت تبنى بشكل بيضوي طولاني ما يجعلها أكثر قدرة على تحمل الظروف المناخية.

وأضاف أن الحديث عن البيوت الطينية يشبه الحديث، عن الطقوس الحياتية التي يتميز الجزراويون بها، فعلى الرغم من وجود البيوت البيتونية والإسمنتية إلا أن العديد من القرى لاتزال تستخدم هذه البيوت وتتذكر الماضي الجميل. تبنى هذه البيوت باستخدام مواد أولية من مخرجات البيئة، باستخدام "الطابوق" أو "الكلبيج"، وهو بلوك من الطين، وهو من أقدم الطرق في إنشاء البيوت.

السيد نوري يشرح طريقة البناء

ويتابع "الجدوع" بالقول: «لصناعة ذلك "الطابوق" كان يُجلب التراب الأحمر، ويُخلط مع التبن والماء، ويُنقع لفترة من الزمن تكون عادة ليلة واحدة، ليصبح ناعماً وسهل التشكيل، ويسمى ناتج اليوم بعدة أسماء منها "البشروك" أو "حريا نماندي"، وبعد التنقيع يُداس بالأرجل، ويُشكّل منه "الطابوق" باستخدام قوالب خشبية مربّعة الشكل، يُترك "الطابوق" تحت أشعة الشمس ليَجفّ تماماً، ويُقلب عدة مرات إلى أن يجفّ تماماً».

كانت البيوت الطينية متداخلة بعضها مع بعض، مظلمة وصغيرة الغرف، وذات سقوف منخفضة، لكن السيد "نوري" أدخل ميزة البناء المقبب الطولاني إلى طريقة البناء في تلك المناطق بما يسمح لمواجهة الظروف المناخية الصعبة التي تعيشها المحافظة.

السيد صالح هواش المسلط

وعن تاريخ هذه البيوت يقول الباحث "صالح هواش المسلط": «يعود تاريخ البيوت الطينية إلى الألف السادس قبل الميلاد، وتشير هذه البيوت إلى التجمعات البشرية الأولى المنظمة في سورية، والأطر الهندسية التي عايشتها المجتمعات البشرية الأولى. وأن الاعتماد على البناء الطيني يزيد العلاقة الحميمية بين الإنسان والبيئة، نظراً لاعتماده عليها وتوظيف المحيط: التربة، والحجر، والتبن، والقصب، والخشب المحلي، تلك العلاقة الناتجة عن سواعده وعمله الخاص، وما يضفي عليها البعد التشاركي وهو الجماعية في العمل أثناء التشييد والتصوين المتكرر، والمسارعة إلى مساعدة بعضهم لبعض».

  • تم تحرير المادة بتاريخ 2009.