يعتبر "حنا عبود" واحد من أهم نقاد الشعر في "سورية" خلال النصف الثاني من القرن العشرين وهو لم يقصد بابا واحدا في النقد بل له مؤلفات عديدة في نقد الفكر الفلسفي والسياسي والاقتصاد الأدبي، وترجمة النقد ونظرية الأدب..

وله العديد من الدراسات من نقد الشعر إلى نقد النقد، ومن النقد إلى نظرية الأدب وعلم الجمال، ومن هذين إلى دراسة الفكر الإنساني ومؤخرا إلى الميثولوجيا. مسيرة أدبية طويلة نتاجها حتى الآن تسعون كتابا بين مؤلف ودراسة وترجمة. موقع eHoms زار الأستاذ "حنا عبود" في منزله يوم (18/10/2008) وكانت هذه القراءة لتجربته الغنية

في النقد لا أتدخل في الشخصية الفردية والذائقة الخاصة وإنما أعمل على النظرية الشمولية

*الميتم وبواكير الشعر

قد لا يعلم البعض أن الناقد "حنا عبود" قضى طفولته في الميتم الأرثوذكسي بـ"حمص" بعد وفاة والديه وهو لم يبلغ بعد الخامسة من عمره ويدين للسنوات الثمانية التي قضاها في الميتم بشكل أساسي بتكوينه شخصيته الأدبية وتعلمه للموسيقا والرياضة بالإضافة طبعا للقراءة والتعمق في الأدب.

في مكتبه

وعن بداياته مع الشعر يتحدث الأستاذ "عبود " يقول: «كتبت القصائد في المرحلة الإعدادية كانت قصائد غزلية وبقيت أكتب الشعر لثلاث سنوات، عندما تمارس الشعر فإن الذائقة الأدبية تنمو لديك فيصبح تحليلك للشعر أعمق وميدان المقارنة أوسع واستصدار الأحكام أصعب ربما كان الشعر هو مدخلي المثالي للنقد».

وردا على سؤال حول عدم إصداره لمجموعة شعرية أجاب: «كنت قد جهزت ديوانا لأطبعه كان ذلك أواسط الخمسينيات يضم قصائد ثورية وغزلية وللطرافة كان لدي نسخة واحدة منه وكنت في الطائرة حين طلبته إحدى المضيفات فطار معها».

مكرما في حمص

*الاتجاه إلى النقد مترافقا مع التدريس

كان أول كتاب أصدره عام /1960/ وهو بعنوان (الاشتراكية الخيالية في القرن التاسع عشر) وقد كان الشاب "حنا" مشغول بفكرة النقد الأدبي من منطلق فلسفي حياتي فهو يعتبر أن الأدب يدخل بكل شيء في الحياة لذلك فالنقد من وجهة نظره هو المراقب الأمين للتصرفات البشرية والنقد كينونة الإنسان مهما بلغ من البساطة ومهما أوغل في التعقيد لولا النقد لما تقدمت الحياة نفسها، ويتحدث الأديب "حنا" عن أسلوبه في النقد فيقول: «في النقد لا أتدخل في الشخصية الفردية والذائقة الخاصة وإنما أعمل على النظرية الشمولية»،

وعن روافده النقدية في بداية مشروعه أضاف: «لقد ربيت على "طه حسين" و"أحمد لطفي السيد" وحتى الآن لازلت أعتبرهما بوابة يجب أن يمر بهما كل مفكر عربي، ومن النقاد الرومنطيقيين "إبراهيم عبد القادر المازني" و"عباس محمود العقاد" ومن أصحاب التأثيرات في المنهج الدكتور "جميل صليبا" أستاذي في الكلية».

مارس الأستاذ "حنا" مهنة التدريس بعد تخرجه من الجامعة حتى عام /1989/ وأعتبرها واجبا وطنيا بحتا حيث أخذته قليلا عن مشروعه الأدبي النقدي دون أن تشكل إعاقة حسب وصفه.

*الاقتصاد الأدبي والميثولوجيا

شكل الاقتصاد الأدبي جزءا من اهتمام "حنا عبود" النقدي فقد ألف عام /1997/ كتاب بعنوان "فصول في علم الاقتصاد الأدبي" يقول في أحد فصوله: «المنتج الأدبي هو ذلك الإنسان الذي ينتج مضطرا»، ويقول في هذا السياق: «النظرة التي ابتكرتها في الاقتصاد الأدبي نظرية شمولية تعني أن الأدب يتدخل في كل شيء بحياتنا في الجلوس والقيام والعمل».

ومؤخرا اتجه إلى البحث في الميثولوجية والأساطير ويقول عن هذا التوجه: «هرعت إلى المثيولوجية لأشعر الناس أن الشعوب ذات التصور الميثولوجي هي التي صنعت الحضارات الرائعة والعظيمة وهي التي ابتكرت صناعة الفرح، وللوقوف بوجه سياسة استغلال الدين والتلاعب بالأهواء لأغراض أبعد ما تكون عن الحق والخير والجمال».

الجدير ذكره أن "حنا عبود" ابن قرية "القلاطية" "تلكلخ -حمص" ولد عام /1937/ وكان أول من حاز على الشهادة الثانوية في قريته. درس الأدب العربي في جامعة "دمشق" ونال جائزة اتحاد الكتاب العرب التقديرية في النقد الأدبي. وجائزة التكريم الثقافي/ مجلس مدينة "حمص". عمل في تحرير مجلة "الآداب الأجنبية" ومجلة "الموقف الأدبي" الصادرتين عن اتحاد الكتاب العرب/دمشق. حاضر وشارك في العديد من الندوات والمؤتمرات الأدبية والفكرية في سورية ولبنان وتونس وليبيا والسعودية والإمارات العربية ويوغوسلافيا. ولوحة نشاطه الأدبي -كما يسميها- تحوي على (36) مؤلف و(54) ترجمة.