بيت المونة يفتح في شهر "أيلول" على مصراعيه يضّم المالح والحلو، المخلل والمجفف، ويتميز شرقنا بطقوس شتى لتحضير المؤن وحفظ أصناف الطعام، من سنين طويلة وفيها أساليب وفنون غريبة.

ولكل محافظة أنواع معينة وخاصّة من الأطعمة وفي"حمص" يعتبر"المكدوس" أشهر الأنواع وأكثرها صناعة وطلباً وبكميات كبيرة .

والمميز في "مكدوس" حمص هو في نوع الباذنجان الذي يصنع منه (الأبيض الصغير) وتشتهر قرى عن غيرها بوجود هذا النوع ولاسيما الشرقية منها أي التي (تقع شرق "حمص") .

وتتألف أكلة "المكدوس" من عدّة مواد أولها:(الفليفلة الحمراء، الجوز، الثوم، ويستبدل الجوز في بعض الأحيان بأنواع أخرى من المكسرات (اللوز، البندق، القضامة أي (الحمّص المحمص والمملح).

وعن طريقة صناعة "المكدوس" زار موقعeHoms بتاريخ (11، 9، 2008) قرية "المشرفة" إحدى قرى"حمص" الشرقية والتقينا بالسيدة (أم عماد) "عزيزة بطيخ" والتي تبلغ من العمر(58) عاماً وهي تقوم بصناعته للبيت والبيع منذ حوالي ثلاثين سنة.

ومن داخل مطبخ المنزل كان لنا الحديث التالي:«يصنع المكدوس في كل سنة بوقت مماثل أي في أواخر الصيف وأول الخريف، حيث يصبح "الباذنجان" ذو طعم حلو أكثر ويتخلص من مرارته، إضافة إلى أنّ "الفليفلة الحمراء" لاتنضج حتى هذا الوقت، أول مرحلة في صنع "المكدوس" هي سلقه بقدر كبير ،وسابقاً كان يسلق في بأوعية نحاسية ويوضع على حطب لتصبح درجة حرارته عالية ويبقى على النار مدّة مناسبة (تتراوح بين نصف الساعة والساعة) أما الآن استبدلت بالغازات ذات الرؤوس الكبيرة لسهولة استخدامها، وبعد سلق "الباذنجان" نحدث شقاً في كل حبة منه بواسطة سكين صغيرة ويوضع في داخلها الملح الصخري وتصف بشكل مرتب في أكياس بيضاء تشبه أكياس "السكر" أو"النخالة" لتكبس بعد ربط الكيس جيداً بوضع حجر كبير فوق طبق ليفصله عنه، ولاننسى وضع وعاء كبير تحت الكيس ليتم جمع المياه الناجمة عن عملية الكبس والتي تخرج من "الباذنجان" المسلوق، وتستمر هذه العملية حوالي ثلاثة أيام، يتم بعدها حشي المكدوس ووضعه في أوعية حفظ زجاجية ونغمره بالزيت النباتي وفي الفترة الأولى لانحكم إغلاقه كثيراً لأنه سيفور ويفيض عنه الزيت وقد يستمر ذلك مدّة قصيرة، والغمر بالزيت شرط أساسي لضمان جودته».

أما بالنسبة للحشوة فإن السيدة أم "عماد" تابعت الحديث عن الحشوة وهي تقوم أمامنا بتنظيف "الفليفلة" :«نحضّر الحشوة في الفترة ذاتها التي كنا قد تركنا فيها "الباذنجان" يكبس، وهي بالأساس تتألف من "الفليفلة الحمراء" التي قد تكون حلوة أو حارّة والأغلب من الناس يفضلها من النوع الحار، تقطع كل حبة إلى قسمين وتنزع منها البذور ثمّ تمّد على قطعة قماش فوق أسطح المنازل أو في ساحات المنازل الريفية، والمهم من ذلك أن تجف جيداً لمدة يوم أو يومين وتقطع قطع صغيرة ثم تخلط مع "الجوز" و"الثوم" المقطعين ويضاف إليها الملح لتغدو جاهزة للحشو».

كانت هذه طريقة صنع المكدوس التقليدية وللجدير بالذكر أن سبب تسميته بهذا الاسم هي طريقة رصّه وتكديسه فوق بعضه حتى يجف ومنه درج هذا الاسم وتناقلته العامّة والسكان القدماء كانوا يقومون بدّق الفليفلة بعد تجفيفها في جرن حجري يستعمل لدّق الكبة ومن ثمّ تنخل وتصبح ناعمة جداً ويحشى بها الباذنجان.

هناك الكثير من أنواع "المكدوس" مثل "مكدوس الفليفلة" الذي يصنع من حبات الفليفلة الخضراء الطويلة التي تملح كما هي وتكبس في الزيت النباتي وتستخدم في أنواع من الأطعمة والمقبلات وكذلك "مكدوس الفاصولياء" وله ذات الطريقة في الصنع، وأحدثها "مكدوس الزيتون" والذي يستخدم فيه حبات "الزيتون" المكبوسة ذات الحجم الكبير بدل "الباذنجان".

لعل المكدوس بأنواعه يعّد من أهم الأطباق التي تنزل على السفرة "الحمصية" و"السورية" عامة لاسيما في فصل الشتاء لأنه يبعث الحرارة والدفء في الجسد، وتصنعه حالياً كثير من مصانع "الكونسسروة" ليصدر إلى أقطار ودول عربية وأجنبية