ينظر الكثيرون إلى المياتم نظرة تجعل من تلك الأماكن عالماً مجهولاً مليئاً بالحزن لتتعلق كلمة "اليتيم" بالشفقة وفقدان الأمان والعائلة المفككة، ولكن لا يخطر ببال أحد أن الروابط التي قد تنشأ بينهم أي -الأطفال الأيتام- تكون في أغلب الأحيان أقوى من مثيلاتها في العائلة الطبيعية، فكيف يعيش الأطفال في هذا المجتمع الكبير، الصغير، والخاص في ذات اللحظة؟ موقع eHoms زار "الميتم السرياني" أحد المياتم الموجودة في مدينة "حمص" /حي "بستان الديوان" ومع أفراد من عائلته الصغيرة بدء الحديث مع الشابة ....

"رنيم لطيفة" ذات الثمانية عشر عاماً والتي دخلت الميتم مع أخيها وأختها منذ حوالي عشرة سنوات عند فقدانها لوالديها وتقول: «أشتاق لوالديّ في أوقات عديدة إلّا أنّ الله عوضني بوجود جديّْ الذينِ يحبونني جداً، وبعائلتي الكبيرة المؤلفة من أطفال "الميتم"، أعتبرهم كأخوتي فبعضهم دخله في ذات الوقت الذي دخلت فيه أنا وبدؤوا معي مرحلة حياتية في ذات الظروف وذات المكان والزمان، أتشارك معهم الأعياد والمناسبات، ولحظات اعتيادية تعيشها أية عائلة طبيعية، كالعناية بالأطفال الأصغر باعتبارهم مسؤوليتي كأخت كبيرة، وأحب بعضهم أكثر من شقيقتي الحقيقية، وأعتقد أنني سأفتقدهم وأفتقد هذا النمط من الحياة عند خروجي من هنا».

لي هنا سبع سنوات ولا أكره شيئاً سوى مغادرة المكان، لأنني أحسّْ هنا بالانتماء إليه وإلى سكانه، نعيش معاً دون أن يكون لأحد أفضلية على الآخر

اعتبروا الصدمة كانت عند دخولهم "الميتم" لكنّهم عرفوا فيما بعد أنها تنتظرهم خارجه

الشاب "دوري الست"

عن هذا تتابع"رنيم" بالقول:«عندما انتقلت للعيش هنا في -الميتم- أحسست بأنني لن أستطيع المتابعة مع أشخاص لم أعرفهم يوماً، ولكن بعد التعود والحياة المشتركة أعتقد أنني سأعاني عند الخروج وإعادة التأقلم من جديد مع أناس يحملون نظرة معينة إلى اليتيم»

"رنيم" تحمل تميزاً عن غيرها وقوة للتحدي والاحتمال أكسبتها إيّاها الحياة في الميتم على حدّ قولها، وهي ستنال الشهادة الثانوية أسوة بأخيها الذي سبقها العام الفائت. أمّا البعض الآخر كالشاب "رودي الست" البالغ من العمر 13 عاماً الذي قال: «لي هنا سبع سنوات ولا أكره شيئاً سوى مغادرة المكان، لأنني أحسّْ هنا بالانتماء إليه وإلى سكانه، نعيش معاً دون أن يكون لأحد أفضلية على الآخر».

إحدى المدرسات مع أحد الأطفال في الميتم

يفضل "رودي" البقاء مع أصدقائه ومع السيدة "أنطوانيت حسواني" التي تعتني بهم وتشرف عليهم وتعتبر نفسها بمثابة الوالدة البديلة، وتصف ذلك بالقول: «أنا مع الأطفال منذ حوالي الخمس سنوات، أعتني بكلّ أمورهم الحياتية والدراسية، وأعيش معهم كلّ لحظة حتى غدت حياتي متصلة بهم واعتبرهم أولاد لي لم أنجبهم، فقد حفظت طباعهم وتفضيلاتهم واختياراتهم، أعرف متى يحزنون ويفرحون ومتى تكون لهم حاجة ماديّة أو معنوية».

على الرغم من كون الميتم عائلة كبيرة كما وصفه أفراده، إلّا إنّه في النهاية مؤسسة يندرج فيها نظام محدد، تتحدّث عنه السيدة "سهام بربر" أحد أعضاء مجلس الإدارة: «نحاول دائماً أن نحيط الأطفال بمحبة ورعاية تعوضهم عن فقدان الأبوين الذي باعتقادي أهمّ ما يعانوه حتّى ولو تأمّنت حاجاتهم النفسية والمادية ولكنّه يحتاج أيضاً كمكان كلّ فرد فيه يختلف عن الآخر (بعضهم يتيم الأبوين، وبعضهم فاقدٌ لأحدهما، والبعض الآخر من عائلة مفككة)، إلى نظام معين يضبط إلى حدّ ما ويوفر لهم ما يريدونه دون ظلم لأيٍّ منهم. فهم يجلسون على مائدة الطعام وفي الاستراحات مع بعضهم، مما يكسبهم حبهم لبعضهم ويجعل الكبار فيهم يساعدون الصغار على أداء واجباتهم المدرسية وغيرها...».

السيدة "سهام بربر"

أمّا عن الوضع المادي والاجتماعي فتضيف: «تلعب التبرعات دوراً كبيراً في الجانب المادي، فإذا كانت المبالغ كبيرة، فإنها تحوّل إلى حسابات خاصّة للأطفال في أحد البنوك، كضمان للمستقبل، أمّا إذا كانت عادية فإنّها توزّع عليهم وعلى احتياجاتهم، إضافة لوجود مبلغ يومي لكلّ حسب عمره أي (خرجية) ليشتري ما يشاء».

وعلى الصعيد الاجتماعي تتابع: «يخرجون أيام العطل لزيارة الأقارب والأصدقاء مع رحلاتٍ نأخذهم فيها إلى الأماكن التي يحبونها، ويشاركون في أغلب النشاطات الاجتماعية كما الأطفال العاديين، وعلى جانب دراستهم فإن إدارة الميتم وفرّت لهم أساتذة لكل صفٍ ومادة على حدة، مع ذهابهم للمدارس العادية».

الميتم "السرياني" هو أقلّ مياتم "حمص" بعدد الأطفال حيث يصل عددهم إلى /16/ طفلاً، يتبع للكنيسة "السريانية الأرثوذكسية".