لا أحد يعرف بالضبط متى بدأت صناعة "النملية"، إلا أن صانعيها في "حمص" يقولون أنها استمرت لأكثر من مائة عام. وكان وجودها ضرورياً لأنها تحمي الطعام في داخلها من الغبار والحشرات وتوفر دخول الهواء من خلال الشبك الحديدي الناعم الذي يكسو معظم وجهها الأمامي. تتألف "النملية" من هيكل خشبي يعتمد على خشب الشوح وكرتون المازونيت ويتم شد هيكلها بالمسامير والغراء.

وهي تقسم الى ثلاثة أقسام العلوي يضم ثلاث طبقات يغطيها من الخارج بابان يفتحان الى الجانبين ويؤمنان دخول الهواء عبر الفتحات الدقيقة للمنخل الناعم (الشبك) بينما يضم القسم الأوسط جرارين أو ثلاثة حسب الطلب لوضع الملاعق أو السكاكين أوالحاجات المنزلية الأخرى. أما القسم السفلي فيتم تقسيمه حسب رغبة طالب "النملية" وفي العادة يتم تفصيله ليضم "المطربانات" الكبيرة و"تنكات" الزيت والبرغل أو المؤونة التي يتطلب حفظها البعد عن نور الشمس. ويغطي القسم السفلي بوابتان أيضا مغلقتان بالكرتون أو مفتوحتان للهواء عبر المنخل (الشبك).

عمل بصناعة النمليات منذ العاشرة من عمره عند صانع نمليات وتعلم المهنة منه ولكنه يعجز عن إقناع أي من أولاده حاليا بتعلم هذه الصنعة

ويقول النجار "خالد غالي" أحد صانعي النمليات وهو من مواليد 1945 حدثنا عن مهنته بالقول: «إن هذه المهنة في طريقها إلى الانقراض حيث لم يبق من صانعيها الخمسة والعشرين سوى اثنين في سوق النجارين وهو سوق قديم عمره حوالي 300 سنة. لقد توفي من توفي وترك المهنة عشرات النجارين وساعد في سرعة انقراض هذه المهنة عدم رغبة أولاد الحرفيين الصانعين للنمليات في ممارستها لضعف مردودها المادي وانتشار البرادات التي تكاد تقضي عليها رغم رخص ثمنها بالمقارنة مع سعر البراد».

وأوضح "خالد" أنه «عمل بصناعة النمليات منذ العاشرة من عمره عند صانع نمليات وتعلم المهنة منه ولكنه يعجز عن إقناع أي من أولاده حاليا بتعلم هذه الصنعة».

وفي رأي النجار "خالد" أن «"النملية" لا تزال مفيدة للمنزل الواسع لأن بعض المأكولات لا تحتاج إلى براد ومن الضروري عزلها عن الغبار والحشرات الأخرى. إلا أن الكثيرين يجدونها من العصر القديم ولا ترغب أية عروس جديدة باقتنائها».

النجار خالد غالي

أما زميله "عبد الفتاح عبارة " وهو من مواليد 1941 فيقول: «تعلمت المهنة عن والدي وجدي منذ أن كان عمري سبع سنوات وأن الطلب على "النملية" تضاءل بسبب كون الشقق الحديثة ضيقة ولا تتسع مطابخها في نفس الوقت للنملية وللبراد الذي لاغنى عنه حالياً، والناس يختارون حالياً البراد نظراً للحاجة الماسة إليه في الصيف، ولكن هذا لايعني أن "النملية" غير مفيدة وخاصة إذا نظرنا إلى سعرها الرخيص وعمرها الذي يدوم حوالي خمسين عاماً».

ويضيف: «تركت المهنة منذ خمس سنوات لبيع المرايا والأدوات المنزلية الحديثة إلا أن وفاة أخي ـ وهو أيضا صانع نمليات ـ في دكانه المجاور أجبرتني على فتحه مجدداً إضافة لعملي في دكاني، فالصنعة القديمة لا تكفي لسد العوز ولذلك ألجأ أنا وجاري النجار "خالد غالي" ومن ترك المهنة إلى صناعة كراسي الحمام الخشبية والسبتات ـ وهي صناديق ترافق جهاز العروس ـ وصناديق اللبن للبدو وقواعد آلات فرم اللحم وغيرها من المستلزمات الخشبية المنزلية التي بدأت أيضا تواجه مضايقات من الصناعات البلاستيكية».

وختم النجار "عبد الفتاح عبارة " حديثه بالقول: «من الضروري افتتاح سوق للمهن اليدوية معفى من الضرائب على غرار السوق الموجود في "دمشق" وذلك للحفاظ على العديد من المهن التراثية التي تعكس تفكير وحاجات الناس في عهود غابرة وتوفر إنتاج هذه الصناعات واستمراريتها».