باتت حرفة صناعة أطباق القش في وقتنا الحاضر من الحرف النادرة، وبات اقتناء طبق القش فقط للزينة وكقطعة تدل على التراث.

وفي قرية "كفرا" إحدى قرى "وادي النضارة" في "حمص" مازالت بعض سيداتها يحتضنّ مثل هذه الصناعات اليدوية التقليدية كالسيدة "بديعة سلوم" التي حدثنا عن هذه الحرفة قائلة: «صناعة أطباق القش حرفة يدوية تراثية عريقة في مختلف أنحاء الريف السوري، بسبب توافر المواد الأولية لصناعتها، والحاجة اليومية لمصنوعات القش في السنوات الماضية حتى غدت في كل بيت تنتقل من جيل إلى جيل، وفي وقتنا الحاضر نجدها معروضة بالأسواق الشعبية والمتاحف التقليدية التراثية، وأيضا في محلات التحف القديمة اليدوية محافظة على أصالتها ومكانتها».

إن هذه الحرفة لا يمكن أن تندثر، فالإنسان مهما تطور ومهما اخترع من وسائل جديدة، لا يمكنه أن يستغني عن هذه الصناعات اليدوية البسيطة والجميلة والقريبة إلى القلب، وهي عموماً غير مكلفة لكنها تحتاج لبعض الذوق الفني وبعض الوقت

وعن ممارستها لحرفة صناعة أطباق القش قالت السيدة "سلوم": «عندما كنت صغيرة كنت أراقب أمي وجدتي كيف تدير الأطباق، حيث كان يلفت نظري الأشكال الجميلة والرسومات التي يصنعنها من عيدان القش، فأحببت أن أتعلمها، وشيئاً فشيئاً ومع التكرار تمكنت من إتقان هذه الحرفة وأصبحت أستطيع الرسم عليها أية رسمة تطلب مني».

السيدة "بديعة سلوم" لا تزال إلى اليوم تصنع أطباق القش

وعن طريقة صنعها تحدثت السيدة "بديعة": «في البداية ننزع القشة عن سنبلة القمح، وننقعها بالماء لمدة نصف ساعة، بعدها نقوم بوضع ثلاث قشّات مرنة وقوية باليد ثم نقوم بتجديلها كما نجدل شعر الفتيات، ثم نربطها مرتين وبعد ذلك نأتي بعود آخر ونضيفه إلى الحزمة بواسطة مخرز وهي أداة معدنية تشبه المسلة أو الصنارة وهي أداة أساسية لعمل الأطباق، وبتكرار العملية يبدأ الطبق بالاتساع ليأخذ شكله الدائري المعروف، وهناك أشكال عديدة للأطباق أشهرها "النسفة" التي نضع عليها خبر التنور، وأيضا الطبق الذي نضع عليه الخضراوات والفواكه، كما يستخدمها العديد من الناس لوضع أقراص الكبة عليها وأحيانا لحمل الطعام».

وعن المواد الأساسية التي تستخدمها في صنع الأطباق قالت السيدة "بديعة": «المادة الأساسية في صنعها عيدان القمح بعد قطافها ونزع الورق والسنبلة عنها لكونها قوية ومرنة ومتوافرة خلال أيام الحصاد، حيث تجمع هذه العيدان ويتم تخزينها وربطها على شكل حزم لتتم صناعتها وخاصة في فصل الشتاء، حيث أوقات الفراغ الطويلة في الريف وقلة الأعمال الزراعية، كما أن هناك بعض العيدان الصناعية البلاستيكية والملونة التي نأتي بها من السوق ولكنها ليست جيدة كالعيدان التي نجمعها من سنابل القمح».

السيدة "رحمة الياس" في ذاكرتها الكثير عن ذكريات صناعة القش

وعن مكانة هذه المهنة بين أهالي القرية وفي المدن والقرى المجاورة تحدثت السيدة "سامية دبورة" من أهالي "كفرا" قائلة: «في القديم كانت معظم نساء القرية يعملن بحرفة صناعة القش لتأمين احتياجاتهن المنزلية منها، وكانت تتسابق النسوة على سرعتها في تدوير طبق القش، ولكن اليوم تراجعت هذه الحرفة كثيراً حتى لا يذكر في القرية كلها سوى قلة قليلة ممن يصنعن أطباق القش، ربما لأن الناس أصبحت أكثر انشغالاً من السابق أو لتوجه معظم السكان إلى العمل الوظيفي، فهذه الحرفة تحتاج إلى وقت فراغ طويل».

كما حدثتنا السيدة "رحمة الياس" من "كفرا" عن أسباب هجرها لحرفة صناعة القش قائلة: «أحب كثيراً صناعة أطباق القش، صنعت الكثير منها في السابق لكن اليوم ليس لدي وقت لاسترجع بالذاكرة ما كنت أصنعه في صغري من أطباق، حيث كنا نعرضها أيام الكرنفالات، وكان يتسابق الناس على التباهي بطبقه الذي صنعه، كما أن الوسائل الحديثة والمصنوعات الجاهزة جعلت الناس تقلل اهتمامها بهذه الصناعات اليدوية، إلا قلة من الأشخاص يعملون على اقتنائها للزينة والحفاظ على التراث».

نماذج من أطباق القش المصنوعة في "كفرا"

وفي استطلاعنا حول حرفة صناعة القش كان للجدة "أم شحادة" البالغة من العمر حوالي مئة سنة رأي في هذه الحرفة التقليدية فقالت: «إن هذه الحرفة لا يمكن أن تندثر، فالإنسان مهما تطور ومهما اخترع من وسائل جديدة، لا يمكنه أن يستغني عن هذه الصناعات اليدوية البسيطة والجميلة والقريبة إلى القلب، وهي عموماً غير مكلفة لكنها تحتاج لبعض الذوق الفني وبعض الوقت».