مدينة "حمص" متفردة ببنائها القديم.. وسواد حجارتها يعكس بياض المجد الذي كان لها يوماً. فعلى الزاوية الشمالية الغربية من سور "حمص" الأثري بالقرب من مركز المدينة، ينتصب البرج الدفاعي الوحيد الباقي من أبراج المدينة القديمة، والذي أصبح فيما بعد جزءاً من جامع الأربعين وقد بنيت عليه مئذنة الجامع، الذي اتخذ اسمه من اسم حي الأربعين القديم.

وبالعودة إلى بناء الجامع فيرجع إلى عهد الأمير "حسين بن قراكوز الكوجكي"، وكان يعرف باسم جامع "الكوجكي"، ويطلق عليه أيضاً مسجد "شهاب الكوجكي"، كما ورد في وقفية الجلبي المؤرخة في /976/ هجرية /1568/ م. وفي عام /1569/ م شيد بجانب الجامع مدرسة ودار للطلبة الأيتام على سور المدينة ظل قائماً حتى أواسط الأربعينيات من القرن الماضي.

في أحد جوانب حرم الجامع ضريح فوقه لوحة تأسيسية كتب عليها (الحمد لله رب العالمين هذا مقام أحد الأبدال المنوه عنهم في الحديث التالي.. رواه أحمد في مسنده عن "علي" رضي الله عنه عن النبي عليه السلام قال: الأبدال في الشام وهم أربعون رجلاً، كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً، يسقي بهم الغيث وينتصر بهم على الأعداء ويصرف بهم عن أهل الشام العذاب)

وحسب المعلومات التي حصلنا عليها في وثائق وسجلات دائرة آثار "حمص"، بمساعدة الأستاذ "فريد جبور" مدير الدائرة فجامع الأربعين مسجل في عداد المباني الأثرية بالقرار رقم (485) تاريخ (12/11/1945)، وجاء في إحدى وثائق دائرة الآثار عن مئذنة جامع الأربعين أنها: «بنيت فوق البرج الشمالي الغربي من أبراج سور المدينة وهو البرج الوحيد الباقي إلى هذه الأيام، وبناؤه يعود إلى العصر الأيوبي، وربما حمته المئذنة فلم يهدم كما هدم غيره من الأبراج فهو تحت دعامتها.. وهي مئذنة متواضعة لا يتجاوز ارتفاعها ثلاثة أمتار فوق البرج.

قسم من سور "حمص" الشمالي

أما البرج فهو أسطواني الشكل مبني من الأسفل بأحجار بازلتية كبيرة تستمر على ارتفاع مترين، ومن الأعلى أحجار بازلتية صغيرة تستمر حتى نهاية البرج الذي يحوي فرجات لرماة السهام والرماح، وفي الداخل من البرج مواقف لرماة السهام كان يُصعد إليها بسلالم.»

أما عن تسمية الحي والجامع بالأربعين فقد ورد في الوثيقة المذكورة أنه: «في أحد جوانب حرم الجامع ضريح فوقه لوحة تأسيسية كتب عليها (الحمد لله رب العالمين هذا مقام أحد الأبدال المنوه عنهم في الحديث التالي.. رواه أحمد في مسنده عن "علي" رضي الله عنه عن النبي عليه السلام قال: الأبدال في الشام وهم أربعون رجلاً، كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً، يسقي بهم الغيث وينتصر بهم على الأعداء ويصرف بهم عن أهل الشام العذاب)».

وذكر الباحث "نعيم الزهراوي" عن الجامع في كتابه (أسر "حمص" وأماكن العبادة ج2 صفحة 20 و21) أنه: «تم تجديده في الأربعينيات من القرن الماضي من قبل "آل الشيخ عثمان"، كما تجدد في الستينيات أيضاً من قبل هذه الأسرة التي لا تزال تقوم بخدمة الجامع إلى اليوم.. وتعود قيمته التاريخية والدينية لكونه مقام على سور المدينة القديمة، وقد تعرض السور لنكبات كثيرة قبل أن يتم تشييد المسجد عليه، كان آخرها زلزال "حمص" الكبير عام /1157 م/ الذي أدى إلى انهيار جزء كبير منه وتخريبه، لكن السلطان "نور الدين محمود الزنكي" أمر بإعادة بناء البرج والسور، ليقوم بعده "الكوجكي" ببناء الجامع».

الجدير بالذكر أن حي الأربعين القديم في "حمص" تم هدمه في أواخر القرن الماضي، وشيدت مكانه مجموعة من الأبنية الحديثة التي ضمت عدداً من المديريات والمؤسسات الحكومية والخاصة، نذكر منها مديرية المالية، والمصرف المركزي، وفرع مؤسسة التأمينات الاجتماعية ومجموعة من المحال التجارية.

جامع الأربعين مع أجزاء من حي الأربعين قبل أن يهدم