وهبها الخالق جمالاً طبيعياً فتاناً، وزاد هذا الجمال وجود أكثر من مئة نبع من ينابيع المياه العذبة، منحت الاسم للقرية.

إنها قرية "عيون الوادي" التي تقع في أقصى الشمال الغربي من محافظة "حمص" على تخوم محافظة "طرطوس" وعلى ارتفاع سبعمئة متر عن سطح البحر، يحدها غرباً بلدة "مشتى الحلو" وشرقاً قرية "الجويخات".

أنجبت "عيون الوادي" أكثر من شاعر شعبي منهم الشاعر "شاكر سليمان" وقد عرف باسم "شاعر الحصن" وكان والده "سليمان موسى" شاعراً ينظم العتابا والميجانا والدلعونا وباقي الأغاني القديمة في الأعراس إلى جوار الشاعر "حبو طعمة" المولود في "عيون الوادي" عام 1875 وهو والد الشاعر "حنا طعمة"، وأنجبت "عيون الوادي عدداً من الشعراء منهم الشاعر "روحي طعمة" والشاعر "شكيب موسى"، فضلاً عن الشاعر الدكتور "جبور جبور"

وفي زيارتنا لهذه القرية ولقائنا مع مختار "عيون الوادي" الأستاذ والمربي "زخور شحم" حدثنا عنها قائلاً: «تقع قريتنا في موقع يتوسط ثلاث محافظات حيث تبعد عن مركز محافظة "حمص" 65 كم وعن "طرطوس" 62 كم وعن "حماة" حوالي 67 كم.

"عين الضيعة" العين الرئيسة في ساحة "عيون الوادي"

وتتبع "عيون الوادي" إدارياً إلى ناحية "شين"- منطقة "تلكلخ"، وفيها بلدية مستقلة تتبع لها قريتا "الجويخات" و"طريز".

ويحيط بالقرية مجموعة جبال هي: "جبل ديماس" وجبل "رمتي" وجبل "ظهر الديب" و"جبل بلعة"، حيث تكسو هذه الجبال أشجار حراجية متنوعة مثل السنديان والبلوط والغار والبطم والزعرور إضافة إلى أشجار الدلب والحور التي تنمو على ضفاف الأنهار.

مختار القرية "زخور شحم" وعقيلته في منزلهما

وفي السهول المحيطة بالقرية يزرع الأهالي أنواعاً مختلفة من الأشجار المثمرة كالتفاح والخوخ والكرز والدراق والإجاص والعنب والتين وهذه غالباً تزرع في سهل "رمتي"، أما "سهل القاسومة" فأرضها خصبة جداً وتزرع فيها الحبوب مثل القمح والشعير والذرة والعدس والحمص، مع العلم أن الدخل الرئيس لأهالي القرية يأتي من مواسم التفاح الغنية ومما يجنيه المهاجرون من أبناء القرية من عملهم في الخارج حيث يدعمون أسرهم وعائلاتهم المقيمة في القرية».

وعن شهرة القرية بكثرة مغتربيها ومستوى أبنائها الثقافي والتعليمي المرتفع أضاف المختار: «يبلغ عدد سكان القرية حوالي ثلاثة آلاف نسمة صيفاً وألفي نسمة في الشتاء، وتشتهر بعدد مغتربيها الكبير، والذي يقيم أغلبهم في دول أميركا اللاتينية والولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الأوروبية ودول الخليج العربي، حيث بدأت الهجرة الخارجية منذ مطلع عام 1890 ويقدر عدد اللذين هاجروا إلى تلك البلدان مع أولادهم وأحفادهم بحوالي 30 إلى 40 ألف نسمة، أما الهجرة الداخلية إلى المدن السورية فهي كثيرة.

السيد "فاضل شحم" من أبناء قرية "عيون الوادي"

ونادراً ما تجد بين سكان القرية من لا يجيد الكتابة والقراءة، وقد بلغت نسبة الأميين 0.2% عام 1995، وقد افتتحت أول مدرسة ابتدائية في القرية عام 1926 بدعم من الجمعية الخيرية التي أشئت في نفس العام، كما أنشئت فيها مدرسة ثانوية خاصة في مطلع الأربعينيات من القرن العشرين وانتسب قسم كبير من خريجيها إلى الجامعات السورية واللبنانية وفي المهجر، وأصبح الكثير من أبناء القرية أطباء مشهورين ومهندسين وصيادلة ومحامين ناهيك عن حملة الإجازات في العلوم والآداب وغيرها من الاختصاصات».

أما السيد فاضل شحم الذي يعمل مخبرياً في أحد مشافي "حمص" فحدثنا عن قريته "عيون الوادي" قائلاً: «هي قرية تشتهر بنسبة المتعلمين فيها، فعدد الأطباء يتجاوز المئة وعدد المهندسين حوالي 120 مهندساً بالإضافة إلى حملة الإجازات الجامعية الأخرى والمدرسين والموظفين.

ومن أشهر مغتربي القرية الذين كان لهم بصمتهم في المغترب وفي الوطن الأم الدكتور "حنا الياس معلوف" وهو الذي نشر كتاب "قريتي عيون الوادي" تحدث فيها عن تاريخ سكان القرية والأحداث التي مرت عليها وعن الموارد الطبيعية التي تحتويها.

وهو الذي تبرع بتشييد وتأسيس النادي الثقافي الاجتماعي في القرية بقيمة مئتي ألف دولار، ويتبع النادي لإدارة جمعية النهضة الخيرية في القرية والتي تأسست منذ عام 1926.

وتقام في النادي الكثير من الفعاليات الثقافية والاجتماعية وخاصة المحاضرات العلمية والطبية، مع العلم أن جد المغترب المذكور المرحوم "حنا الموسى المعلوف" تبرع ببناء الكنيسة القديمة للقرية وهي كنيسة "السيدة العذراء" وذلك في العام 1888».

وعن محبة أهالي "عيون الوادي" لقريتهم وتميزهم في العمل الشعبي والتبرع لتحسين خدمات القرية وصروحها الحضارية قال السيد "فاضل": «يشتهر أهالي قريتنا بالتعاضد فيما بينهم ومحبتهم لقريتهم وزيارات بعضهم لبعض وخاصة بالمناسبات الاجتماعية، وسعيهم الدؤوب لتأمين الخدمات الأساسية فيها من خلال نشاطهم بالعمل الشعبي، فمنذ العام 1964 تم العمل على إحداث شبكة كهربائية ووصل الكهرباء للقرية وإنارة الشوارع، ومد شبكة المياه وإيصال ماء الشرب للقرية، إضافة إلى تشييد المستوصف.

ومن التبرعات الكثيرة لأهالي القرية يمكن أن نذكر على سبيل المثال لا الحصر تبرع السيد "ميخائيل هدى" لتعبيد شوارع القرية كلها، وتبرع السيد "مطانيوس وصفي سلوم" بإنارة شوارع القرية.

وتبرع السيد "حنا زخور" ببناء كنيسة جديدة في القرية "مار يوحنا" منذ أكثر من أربعين عاماً.

إضافة إلى تبرع بعض أبناء القرية بإقامة ملعب لكرة قدم وملعب لكرة سلة، تجرى عليه المباريات باستمرار مع فرق القرى المجاورة الأخرى، إضافة إلى التبرع ببناء كنيسة "التجلي" على جبل "ديماس".

واليوم تتجلى أبرز مطالب أهل القرية فقط بقليل من الاهتمام بموضوع النظافة من قبل الجهات المعنية».

اشتهرت قرية "عيون الوادي" بحب أهلها للشعر والزجل، وخرج منها العديد من الشعراء وفي هذا المجال يقول الدكتور "جودت ابراهيم" الأستاذ في قسم الأدب العربي "بجامعة البعث": «أنجبت "عيون الوادي" أكثر من شاعر شعبي منهم الشاعر "شاكر سليمان" وقد عرف باسم "شاعر الحصن" وكان والده "سليمان موسى" شاعراً ينظم العتابا والميجانا والدلعونا وباقي الأغاني القديمة في الأعراس إلى جوار الشاعر "حبو طعمة" المولود في "عيون الوادي" عام 1875 وهو والد الشاعر "حنا طعمة"، وأنجبت "عيون الوادي عدداً من الشعراء منهم الشاعر "روحي طعمة" والشاعر "شكيب موسى"، فضلاً عن الشاعر الدكتور "جبور جبور"».

أما الدكتور "جبور جبور" فقد تحدث عن قريته "عيون الوادي" في كتابه "عيون الزجل وعيون الوادي" الذي أصدره عام 2010 قائلاً: «مناخ القرية بارد شديد الأمطار شتاءً وجاف معتدل صيفاً وفي الربيع والخريف معتدل بشكل عام.

وقد سميت "عيون الوادي" لكثر ما فيها من ينابيع دائمة وشتوية وأشهرها الشديدة الغزارة نذكر: "عين الضيعة" وهو نبع غزير موجود في منتصف القرية ويروي هذا النبع معظم البساتين الواقعة تحت القرية ويجتمع سكان القرية حول هذا النبع مساء بعد يوم عمل مضنٍ ويروون الأحاديث حول قضاياهم وهناك توجد الساحة العامة والمتاجر.

وهناك نبع "عين الحلاج" و"عين أبو عثمان"، و"نبع البصل" و"نبع الفوار" و"نبع عين القاسومة" و"نبع سلوم" و"نبع بلعة".

وتوجد في القرية نهضة زراعية متطورة فقد زرعت الأشجار المثمرة البعلية والتي تسقى بمياه الينابيع وبمياه الآبار الارتوازية».

وعن أهمية المنطقة سياحياً والعمل الزراعي والصناعي في "عيون الوادي" جاء في الكتاب أيضاً: «وتعد المنطقة المحيطة بالقرية من مناطق الجذب السياحي للمصطافين من داخل سورية وخارجها حيث يؤمها الناس في الصيف للراحة والاستجمام وشيدت فيها مجموعة من المنشآت السياحية نذكر منها: "مطعم الشرفة" المشهور بطعامه اللذيذ وكبة "أم الياس" وحسن الضيافة، وفندق ومطعم "الكرم"، ومقهى "نبع اللتون" وفندق ومطعم "الكسارة".

ومع ازدياد إنتاج الفواكه في القرية اتجه الأهالي لتشييد برادات لحفظ وتخزين الفواكه، كما كان يوجد في السابق معمل لصناعة الحرير الطبيعي من دودة القز، تم إغلاقه مع زيادة الاعتماد على الحرير الصناعي».

وفي كتاب الدكتور "حنا الياس معلوف" الذي نشره عام 1978 بعنوان "قريتي عيون الوادي" تحدث عن تاريخ سكن أهالي القرية الذي يعود للعام 1700 م من خلال: «جد عائلة "معلوف" التي تتفرع عنها أغلب عائلات القرية وهو "سابق سليمان معلوف" الذي قدم إلى القرية من قريته "كفر عقاب" في لبنان وكانت تسمى "عيون عفان" وأقام فيها مع أسرته، وكان رجلاً ذكياً وقوياً فأقامه الآغا التركي صاحب أراضي القرية وكيلاً على أملاكه، فقام بالمهمة خير قيام، ونتيجة الحروب التي شهدتها المنطقة ترك صاحب الأرض التركي المنطقة واستقر في منطقة أخرى تاركاً المنطقة تحت إدارة "سابق معلوف" مكتفياً بحاصلات سنوية رمزية.

وقد أصبحت القرية تسمى "عيون الوادي" منذ حوالي النصف الثاني من القرن التاسع عشر وذلك للتمييز بينها وبين قرية أخرى كانت تسمى العيون وأطلق عليها اسم "وادي العيون"».

ويضيف في كتابه: «تتبع لأهالي القرية اليوم أراض زراعية شاسعة ومترامية الأطراف، وضمن هذه الأراضي الواسعة قرى قديمة هدمها الزمن كانت على جانب من التطور وهذه الخرائب هي خربة "بلعة" وخربة "رمتا" وخربة "القاسومة" و"قبو موسى".

وقد بنى جدي المرحوم "حنا الموسي المعلوف" بيتنا القديم والكنيسة وهما أول بناء بالحجارة والكلس في تاريخ القرية الحديث.

ونقش على باب الكنيسة اسم المتبرع ببنائها وتاريخ بنائها والذي هو 1888 ميلادية.

أما تاريخ القرية فقديم وقد يعود إلى فترة ما قبل الميلاد لأن معظم الآثار قائم على أعماق مختلفة عميقة بالنسبة لمنطقة صخرية، والملاحظ أن معظم الآثار وجدت حول عين القرية».