صناعة الخناجر حرفة تراثية بامتياز رافقت حاجة الإنسان إلى سلاح يدافع به عن نفسه في زمن لم تكن فيه الأسلحة المعروفة اليوم قد ظهرت ، وهي حرفة متوارثة أباً عن جد.

يرجع تاريخ نشوئها إلى مئات السنين حيث رافقت فترة اكتشاف المعادن وتطويعها في سورية، وعاشت عصرها الذهبي على يد أسد الله الدمشقي الذي كان من أفضل صانعي السيوف والخناجر قبل حوالي سبعة قرون، ومازالت بعض المتاحف في دمشق وباقي المحافظات تحتفظ بعدد كبير من الخناجر والسيوف المحفور على مقبضها أونصلها الختم الخاص بأسد الله الدمشقي واسمه. وعندما غزا المغول والتتار بلاد الشام نقلوا أسد الله الدمشقي وعدداً من صنَّاعه المهرة إلى إيران وبعض بلدان آسيا، وأسسوا هناك مدرسة اختصت بصناعة السيوف والخناجر مازالت تُعرف باسم مؤسسها أسد الله الدمشقي إلى الآن.

وإذا كان الخنجر في الماضي يمثل أحد مكملات الأناقة والزينة لدى الناس إضافة إلى كونه سلاحاً لا يٍُستغنى عنه في زمن لم يكن المرء يأمن فيه على نفسه، فإنه قد تحول اليوم إلى مجرد قطعة تزيينية تُعلَّق على الجدران أو توضع في الفاترينات ولعل الحديث عن هذا "السلاح الأبيض" يستدعي الحديث عن صناعة عريقة عُرفت بها مدينة حمص في الماضي، وظلت هذه المدينة تفاخر لوقت طويل مثل دمشق بما يُصنع فيها من السيوف والخناجر والرماح المحلاَّة البراقة والمزخرفة التي تكتب عليها آيات وأشعار بماء الذهب. لكن أهم أعمال طريق الحديد التي عرفتها هذه المدينة تلك التي كانت تنتج الأسلحة التقليدية القديمة ومنها السيوف والخناجروالشبريّات ، وكانت صناعة الخناجرفي الماضي سلعة رائجة في هذه المدينة كونها قطعة أساسية يحملها الرجل للزينة أو للاحتراز من اللصوص وقطاع الطرق وخاصة بالنسبة للمسافرين، ثم تراجعت فترة من الزمن لعدم توفر المواد الأولية ولانحسار الطلب عليها من جهة ولظروف صناع هذه الحرفة التي يستغل معظم أربابها من التجار والسماسرة أرباحها من جهة أخرى، إلا أن صناعة الخناجرعادت إلى دائرة الاهتمام حالياً نتيجة الإقبال على شرائها من قبل أبناء البلاد والعرب والأجانب ليس بغرض استخدامها كسلاح بالطبع ولكن للاحتفاظ بها كقطع تقليدية جميلة وتراث قديم تزَّين به جدران البيوت وفاترينات التحف.

"أحمد الشيخة" فنان حمصي شاب يعمل منذ سنوات في مجال تصنيع الأسلحة القديمة وإحياء صناعتها ومنها صناعة الخناجرالتراثية التي تحولت بين يديه إلى قطع فنية تنطق بالجمال والإبداع حول عمله في هذا المجال يقول: "من المعروف أن العرب قد زخرفوا السيوف والخناجر منذ الجاهلية، ونقشوا على نصالها بعض الرموز والطلاسم كرسم الأفاعي التي جاءت على شكل (ذي الحيات) وصورة السمكة التي وردت على شكل (ذي النون) – الحوت، وفي العصر الإسلامي زُخرفت السيوف, والخناجر بالآيات القرآنية والعبارات المختلفة وأبيات الشعرالحماسية، وأسماء الخلفاء والسلاطين وأسماء الصَّناع الذين نفذوها، وبعض الطلاسم وغيرها، ومن هذا التراث استفدت وأثريت تجربتي، حيث اعتمدت على طرق عدة في صناعة السيف كـ (التزميك) و(التكفيت ) و(التنزيل) وقمت بزخرفة شفرات الخناجر بآيات قرآنية من مثل (نصر من الله وفتح قريب) (وبشر المؤمنين) و (إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) كما نقشت عبارات (الدنيا ساعة فأجعلها طاعة) و(العز في الطاعة والغنى في القناعة )..).

قراب الخنجر

وعن المراحل التي يمر بها تصنيع الخنجر يقول الشيخة: "أول عملية في صنع الخنجر طرق الحديد ومعالجته ليصبح من الفولاذ أو(الجوهر) نسبة إلى القائد "جوهر الصقلي، ثم نقوم بتصنيع نصل الخنجر ونأخذ قطعة من الجلد وقطعتين من الخشب ونجمعهما على شكل خنجر. ثم نحضر لوحاً من الكرتون، ونقطع منه شكل خنجر المراد تنفيذه، ثم نلصق الجلد على خنجر الكرتون ونتركه يجف في الشمس لفترة ثلاثين دقيقة – ثم نرسم شكلاً بالقلم الرصاص ونطرز الشكل الذي رسمناه بخيوط الفضة أو غيرها من المواد، ثم نثقب ثقبين على الشكل الخشبي بمثقاب يدوي – و نُدخل في الفتحتين مسامير خشبية. وهي عملية أشبه بالـ "التبشيم" في صناعة الأبواب الدمشقية القديمة.

وبعد ذلك نقوم بتنعيم السطح الخشبي بالمبرد حتى يصبح أملساً ، وتصبح قطعتي الخشب متقنتين تماماً – نفصلهما ثم نجوف كلاً منهما تجويفاً على شكل شفرة الخنجر مستخدمين في ذلك المطرقة والأجنحة ، ثم نلصقهما معاً مرة أخرى. وبالنسبة للجزء الأمامي نستخدم قطعة الجلد المطرزة بالفضة وتسمى (الزمة).

ونقوم بتثبيت حلقتين متصلتين بأحزمة من الجلد عليها خيوط فضية على الجانبين

ثم نربط الحزام حول الخنجر. وبعد ذلك نقوم بملء بعض الوحدات الزخرفية أو النباتية أوأشكال الحيوانات على المقبض سواء كان من مادة البلاستيك أو القرن بالفضة بواسطة القلــم (المسمار المفلطح الرأس) والمطرقة والمادة اللاصقة.

ونقوم بعدها بإدخال طرف الشفرة في الفتحة المعدة لها في المقبض ثم نثبتها بالمسامير المعدنية كي لا تتحرك ، ويكون غمد الخنجر جاهزاً وهو يُسمى( قراب الخنجر ) ثم نقوم بلحم القراب من الجانبين بالقصدير ،وعندما يتم تنكيله يختفي أثر اللحام ويصبح شكل الخنجر انسيابياً لا نتوء فيه وبذلك يكتمل شكل الخنجر".