عود الفلاحة أو "الفدّان"، تسمية واحدة للمحراث القديم، والذي يبدو أنّ منجزات عصر المكننة الزراعية، لم تستطع إلغاء الحاجة إليه في العمل الزراعي، حيث ما تزال معظم القرى في محافظة "إدلب" تعتمد على "الفدّان" في حراثة حقولها الزراعية، و"عود الفلاحة" قد يكون مصنوع من الحديد أو من الخشب، وقد يكون بشكل مستقيم أو يأخذ شكل حرف Y، تتوسطه سكّة الفلاحة التي تنغرس في التربة بعمق عشرين سم.

ومقدّمة "العود" عبارة عن شعب مزدوج أو مفرد مخصص للتثبيت على الدابة التي تجرّ المحراث، أما الذراع الخلفية فتنتهي بقبضة يدوية للامساك بالعود وتوجيهه، وأثناء تجوالنا بين الآثار الرومانية والبيزنطية الرائعة في قرية "الرويحة" الواقعة على بعد خمسة عشر كم شمال غرب مدينة "معرة النعمان"، التقينا الشاب "عوض المصطفى" أحد أبناء القرية الذي يقوم بحراثة حقله بـ"الفدان"، سألناه عن السبب الذي يدفعه للحراثة بالمحراث القديم بدلاً من الجرار الزراعي الأسهل والأسرع فقال: «إنّ قريتنا هي واحدة من قرى كثيرة متناثرة ضمن جبل "الزاوية" في منطقة "أريحا"، وكلّ هذه القرى تتميز بطبيعة جبلية صعبة، وبندرة السهول، حيث تلاحظ حقولنا الزراعية عبارة عن أرض وعرة تتخللها عدّة بقع من الأراضي السهلية الصالحة للزراعة، ولأنّ حراثة هذه الحقول بالجرار أمر صعب جداً وربما مستحيل، فإنّنا وجدنا "الفدان" هو البديل الوحيد والمناسب لحراثة الأرض، لكونه يمكنك من الدخول إلى أصغر المساحات وأضيقها، وهذا يتيح لك حراثة كل شبر من الأرض».

صحيح أنّ العمل على "فدان" الحراثة يحتاج لجهد كبير وصبر أكبر إلى جانب التركيز الذي لا بد منه، إلا أنّ الممارسة كفيلة بجعل العمل عليه سهلاً وسريعاً وممتعاً في نفس الوقت، فأنا منذ أن كنت صغيراً كنت أرافق والدي إلى الحقل وأساعده وأتعلم منه كيفية مسك "الفدان"، وكيفية توجيهه، وكيفية المحافظة على استقامة خطوط الفلاحة وتوازيها، وبمقدار ما تكون أكثر خبرة في التعامل مع "الفدان"، يكون عملك أسرع وأسهل وأتقن

وعن أقسام "الفدّان" وكيفية تركيبه على الدابة يقول "عوض": «إنّ "عود الفلاحة" مع الدابة يسمى "الفدان"، وفي منتصف "عود الفلاحة" يتم تثبيت السكة الحديدية التي تنغرس في التربة، إضافة إلى مجموعة أجزاء لا غنى عنها عند تثبيت "العود" على الدابة وهي: "النير" وهو قطعة خشبية لها ثقوب توضع فوق رقبة الدابة لتثبيتها، وهناك "الكدّانة" وهي مصنوعة من القماش ويكون شكلها نصف دائري، نضعها حول رقبة الدابة خلف "النير" الذي يحوي في وسطه بروزان لتثبيت "الشرع" وهو قطعة من الجلد ترتبط بـ"الوصل" وهو عصا خشبية تصل "النير" بـ"الجارور" وهو سلسلة حديدية قصيرة، أما "المردات" فالغاية منها توجيه الدابة لليمين واليسار، و"المردات" عبارة عن حبل طويل مزدوج، نربط أحد طرفيه بالقبضة اليدوية، وطرفه الآخر برقبة الدابة من اليسار واليمين».

عوض المصطفى

وعن الجهد الكبير الذي يتطلبه العمل على "الفدان" يقول "مصطفى العوض": «صحيح أنّ العمل على "فدان" الحراثة يحتاج لجهد كبير وصبر أكبر إلى جانب التركيز الذي لا بد منه، إلا أنّ الممارسة كفيلة بجعل العمل عليه سهلاً وسريعاً وممتعاً في نفس الوقت، فأنا منذ أن كنت صغيراً كنت أرافق والدي إلى الحقل وأساعده وأتعلم منه كيفية مسك "الفدان"، وكيفية توجيهه، وكيفية المحافظة على استقامة خطوط الفلاحة وتوازيها، وبمقدار ما تكون أكثر خبرة في التعامل مع "الفدان"، يكون عملك أسرع وأسهل وأتقن».

وعن الطقوس المرافقة للمحراث القديم يتحدّث الحاج "خالد الزهران" من أهالي قرية "بابيلا" قرب "معرة النعمان" بالقول: «كان يجب على الفلاح الاستيقاظ مبكراً أي قبل أذان الفجر، وذلك لإطعام الدواب التي ستخرج للفلاحة، لأنّه يأخذ إلى الحقل أكثر من دابة من أجل التبديل فيما بينها، ويحرث على كل دابة ثلاث "ردات"، والردة الواحدة عبارة عن ذهاب واياب، ويتمّ إطعام الدابة التي تستريح، بالعلف من خلال كيس يعلّق على رقبتها.

الحاج خالد الزهران

ومن الأقوال التي كانت متداولة حول الفلاحة على "الفدان" قولهم: "لا تشيف ولا تسقف ولا تسوق ولا توقف وقصر النير بتفلح كتير" أي يجب على الفلاح ألا يغرس السكة كثيرا في الأرض، ولا يتركها على سطح التربة، ولا يستعجل في الفلاحة ولا يبطئ، ويجب أن يقصر "النير" أي "الردة" وهي خط الفلاحة، لأنّ كل ذلك يساعده على الفلاحة بشكل أسرع ولمساحات أكبر.

وفي تلك الأثناء كان للفلاح المتميز صيت ومركز اجتماعي مرموق، وكان الشبان يتفاخرون بالفلاحة وأيّهم فلاحته أفضل، وكانت الفتيات يعبرنّ عن عشقهنّ للفلاح المتميز، وكنّ يحمّسن الشباب لاتقان الفلاحة، بغناء:

جهد كبير تتطلبه الحراثة على الفدان

"فلاح افلح سوا وعدل خطوطك زين/ يا بو جدايل دهب تلطم على الخدين/ مبارح العصر ياشوقي مروا عليك اتنين/ عيبوا على فلاحتك يانور عيني".

ومن أقوالهم في الفلاحة الجيدة: "فلان فلاح حقيقي إذا وقعت البيضة على فلاحته ما بتنكسر"، أي إنّه يحرث التربة جيداً، فلا يترك فيها ولا بقعة صلبة غير مفلوحة، وكانوا يعبرون عن فوائد الحراثة الجيدة على الفدان بالنسبة للأرض بقولهم: "الأرض سنة من المطر وسنة من اكتاف البقر" أي الفلاحة الجيدة على الفدان تغني الأرض عن المطر».