يرتبط رغيف التنور بمعاني البساطة والألفة الاجتماعية والتعاون، ومازال رمزاً للحنين إلى الوطن وأحضان الأمهات عندما تقذف بنا الأيام بعيداً عن مرابع الصبا، ولم تستطع المخابز الحديثة وأرغفة الخبز السياحي أن تسرق من رغيف التنور في محافظة "إدلب" رونقه الخاص وشعبيته الجارفة، فقد حافظ بأشكاله المتعددة "العادي" و"المحمر" و"المسمسم" على حضوره المستمر في موائد الفقراء والأغنياء على السواء.

فمع شروق شمس الصباحات الريفية في "إدلب" تنتشر رائحة "خبز التنور" اللذيذة، والمقمر على الحطب لتملأ أرجاء القرية، وما زال مشهد تجمع الأولاد حول أمهم وهي تخبز على التنور ينتظرون خروج الرغيف الساخن حتى توزعه عليهم يتكرر في كل تلك الصباحات، تقول "فاطمة خطاب" لموقع eIdleb: «يتطلب الخبز على التنور خبرة ومهارة من قبل السيدة، سواء في تحضير العجين أو في تهيئة التنور وفق درجة حرارة مناسبة، كما أن السرعة أساسية عند الخبز على التنور لكون لصق الرغيف داخل التنور وسحبه بعد نضجه يتطلب سرعة كبيرة لأن درجة الحرارة داخل التنور تكون مرتفعة جداً، والخبز مثل الطبخ يحتاج لنفس جيد ورغبة، وكثيراً ما يختلف طعم الخبز بين سيدة وأخرى، وسابقاً كانت النساء يتنافسنّ فيما بينهنّ في صناعة وجودة رغيف التنور، وكانت الفتاة التي تتقن الخبز في تلك السنوات مرغوبة جداً للزواج، ويعتبر المحمر وهو أرغفة خبز صغيرة مدهونة بمزيج من الفليفلة الحمراء والزيت والسمسم وحبة البركة من ألذ أشكال خبز التنور وحتى اليوم هناك إقبال كبير من كافة الأعمار والثقافات والطبقات على تناول المحمر، وإن الإعداد لخبز التنور يبدأ في ليلة اليوم السابق من خلال ما يسمى بـ "تبييت الخبزة"، حيث تقوم السيدة بنخل الطحين بغية تنظيفه من الشوائب، ثم تقوم بوضع الخميرة للطحين وتركه حتى صباح اليوم التالي».

يتطلب الخبز على التنور خبرة ومهارة من قبل السيدة، سواء في تحضير العجين أو في تهيئة التنور وفق درجة حرارة مناسبة، كما أن السرعة أساسية عند الخبز على التنور لكون لصق الرغيف داخل التنور وسحبه بعد نضجه يتطلب سرعة كبيرة لأن درجة الحرارة داخل التنور تكون مرتفعة جداً، والخبز مثل الطبخ يحتاج لنفس جيد ورغبة، وكثيراً ما يختلف طعم الخبز بين سيدة وأخرى، وسابقاً كانت النساء يتنافسنّ فيما بينهنّ في صناعة وجودة رغيف التنور، وكانت الفتاة التي تتقن الخبز في تلك السنوات مرغوبة جداً للزواج، ويعتبر المحمر وهو أرغفة خبز صغيرة مدهونة بمزيج من الفليفلة الحمراء والزيت والسمسم وحبة البركة من ألذ أشكال خبز التنور وحتى اليوم هناك إقبال كبير من كافة الأعمار والثقافات والطبقات على تناول المحمر، وإن الإعداد لخبز التنور يبدأ في ليلة اليوم السابق من خلال ما يسمى بـ "تبييت الخبزة"، حيث تقوم السيدة بنخل الطحين بغية تنظيفه من الشوائب، ثم تقوم بوضع الخميرة للطحين وتركه حتى صباح اليوم التالي

وتتابع "خديحة العلي" الحديث عن مراحل تحضير خبز التنور بالقول: «في ساعات الفجر الأولى نبدأ بعجن الطحين المتخمر وذلك باستخدام طشت معدني بغية تهيئة العجينة للخبز، وكلما عجنا الطحين أكثر كان خبزه أسهل ونتج عنه رغيف أجود، بعد الانتهاء من تجهيز العجينة نغطيها بقطعة قماش ونتركها لمدة نصف ساعة حتى تستريح، وخلال هذه الفترة يتم إيقاد النار في التنور باستخدام الحطب، ثم يتم البدء بتحضير "تقريصات" العجين وهي قطع كروية الشكل من العجين كل قطعة يصنع منها رغيف واحد، والسيدة هي التي تتحكم بحجم "التقريصة" وذلك بحسب حجم الرغيف الذي ترغب بتحضيره، بعد الانتهاء من "التقريص" تبدأ عملية الخبز، حيث توضع "التقريصة" على بلاطة دائرية ملساء ونقوم بمدها وترقيقها باستخدام "الشوبك" (وهو قطعة خشبية اسطوانية الشكل تستخدم لمد العجينة على البلاطة)، ثم توضع العجينة على "الكاره" (وهي عبارة عن قطعة قماش دائرية محشوة ببعض القطع القماشية بسماكة 10سم توضع عليها قطعة العجين بعد مدها) لتلصق بأحد أطراف التنور من الداخل ومهمتها حماية اليد من النار أثناء لصق الرغيف، بعد لصق الرغيف على جدار التنور نتركه حتى ينضج ثم يسحب باليد أو باستخدام ملقط بساق معدنية طوله حوالي 25 سم، وبعد إخراج الخبز من التنور يعرض للهواء حتى يبرد ثم يلف بـ "الميزر" وهو قطعة قماش يلف بها الخبز ويخزن لعدة أيام حيث يبقى صالحا للأكل لعدة أيام، ومن الأدوات الأخرى التي تستخدم أثناء خبز التنور "المحراك" وهو عبارة عن قطعة خشبية أو عصا طويلة يحرك بها الجمر عندما تخمد النار بداخل التنور».

تقاريص العجين قبل البدء بخبزها

ولكن ما دلالات رغيف التنور في ريف "إدلب" الباحث "عماد الخالد" يتحدث عن ذلك بالقول: «هناك علاقة قديمة وحميمية تربط ما بين الإنسان الريفي و"رغيف التنور"، وأهالي الريف في "إدلب" بقوا محافظين على ذلك الود من خلال العمل على حفظ هذا التراث واستمراره واتباع طريقة التحضير القديمة نفسها من خلال الاعتماد على تنور الطين بدلا من تنور الاسمنت، والحطب بدل المازوت وكل ذلك يكسب "رغيف التنور" طعماً مميزاً ورائحة جذابة، وأذكر في السنوات الماضية أن أوقات الخبز على التنور كانت مناسبات للألفة والتعاون بين نساء القرية، اللواتي كنّ يجتمعنّ وبخبزنّ على تنور واحد، حيث يساعد بعضهنّ بعضاً، ويعتبر خبز التنور لدى مجتمعات "إدلب" من أهم مظاهر إكرام الضيف وإنزاله منزلته الكبيرة، كما أن تقديمه على المائدة هو تعبير عن الاحتفال بقدوم هذا الضيف، وكاد "خبز التنور" ينقرض لولا أولئك الذين مازالوا يصرون على التمسك به والاستغناء عن خبز الفرن الآلي، وهؤلاء مزيج من الأجيال القديمة والمعاصرة، وهم يحاولون قدر المستطاع الحفاظ على هذا التراث الجميل واللذيذ في آن معاً، حيث يشكل الطحين أحد المؤن الأساسية في البيت الريفي، وحيث تتم الاستعانة بما يزرعه الأهالي من قمح خلال فصل الصيف، فتجفف كمية منه وتطحن ويحتفظ بها في مكان آمن من الحشرات داخل المنزل، كما أضحى التنور عنصراً هاماً في البيت الريفي في قرى "إدلب"، حتى إن صناعة "التنانير" شهدت في الآونة الأخيرة رواجاً ملحوظاً بعد الانتشار الكبير لها في الريف وعلى الطرقات العامة وفي المطاعم الراقية وحتى داخل المدن».

وضع خلطة المحمر على الرغيف قبل وضعها في التنور
أرغفة المحمر بعد استوائها