اعتبرت قلعة معرة النعمان من أهم القلاع العسكرية في الشمال السوري فيما مضى، حيث كانت رمز سلطان المعرة، وملجأ أهلها زمن المحن.

بنيت هذه القلعة على (اكروبول) المدينة، (مصطلح أثري ويعني التل الذي يبنى فيه المعبد، لتكون العبادة أقرب إلى الله تعالى حسب الاعتقاد الذي كان سائداً)، وقد شيدت على نشز صخري.

يحيط بها من الجنوب والغرب مجرى نهر الهرماس الفصلي، وما يوجد من بناء حالي يرجع إلى العصر الأيوبي سنة 631هـ 1233م زمن الملك المظفر محمود بن ناصر الدين محمد بن عمر شاهنشاه، ومن ثم انتزعها من يده الملك صلاح الدين يوسف بن الملك العزيز غياث، فزاد في عمارتها وتقويتها، فقويت قلوب الناس بالقلعة، ورغبوا في عمارة البلد وسكناه، وهي اليوم من أعمر البلاد، هذا ما ذكره ناصر خسرو حين مرّ في المعرة، وتابع قائلاً: "لذلك صار مرور أغلب القوافل عليها".

ـ أما أبو العلاء المعري فقد قال: "وهذه جمل من صفة المعرة هي ضدّ ما قال الله عزّ وجل: ((مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن)) صدق الله العظيم (اسمها طيرة، وعند الله ترجى الخيرة، المورود بها محتبس، وظاهر ترابها يبس، ليس لها ماء جار، ولا تغرس فيها غرائب الأشجار، وإذا أبرز لأهلها ذبح، يؤمل به لديهم الربح، تحسبه صيغ بخطر، فكأنما يرمق به هلال الفطر، وقد يجيئها وقت يكون فيه جدي المعز في العزّة كجدي الفرقد، ويبكر فقيرها على الهداية قبل أبي الفرخين ابن داية، حتى يقف ببائع الرسل، فكأنما وقف برضوان يستوهبه ماء الحيوان، فإن سبقه ضياء الفجر فإنه يرجع خائباً).

هذا وصف المعري، وإن كان في بعضه مبالغة، على رأي محمد سليم الجندي في كتابه تاريخ المعرة، الذي يرى أن المعرة غنية بالمياه الجوفية، والتي تستخرج بالدواليب.

ـ حاصر الحلبيون القلعة سنة 1237 م بعد وفاة الملك الكامل صاحب دمشق، وكان مقدمهم المعظم توران شاه بن صلاح الدين، فأخذوها، وكان خراب المعرة بسببهم وقد نهبتها الخوارزمية سنة 638 للهجرة، بعد أن نهبوا حلب، ثم جاء التتار ليكملوا تخريبها سنة 1260م.

وتروي حجارة هذه القلعة الموشاة بخطوط التاريخ ذكريات أليمة عن كل احتلال تم لها، ولكن احتلال الصليبين هو الأعنف والأشرس.

فحين مر الصليبيون 1098م بالمعرة، وكان قائد الحملة الكونت ريموند، التجأ إليها كلّ سكان المعرة، خوفاً من بطشهم الذي عرفوا به، وقد ذاع صيتهم بعد احتلالهم لبلاد الترك، وبعد حصار دام خمسة عشر يوماً، أغوى قائد الحملة أهل المعرة المتمترسين في القلعة، ليسلموا أنفسهم مقابل العفو عنهم ففعلوا، وكانت المذبحة الرهيبة والمجزرة العظيمة، التي تحدث عنها أحد المؤرخين المرافقين للصليبيين (جارسيه) بقوله:

إن جماعتنا لم تتوانى عن أكل قتلى العرب والأتراك، بل كانوا يأكلون الكلاب أيضاً وكانوا يبقرون بطون الموتى ظناً منهم أنهم ابتلعوا ماهو ثمين ونفيس.

وفي دائرة المعارف الفرنسية: إن الذي استولى على القلعة هو (بوهيمو) 1099م.

ـ وقد اختلف المؤرخون حول مقدار ما جاء القلعة من الفرنجة وأعوانهم، وفي مقدار ما قتل من أهلها فقد قال بعضهم: خرج جماعة من الفرنج في شعبان، وزحفوا مع أهل تل منس (قرية إلى الشرق من معرة النعمان بستة كيلومترات) ونصارى المعرة إضافة للأرمن، فقتلوا كلّ من صادفوا في طريقهم من أهلها.

وفي (النجوم الزاهرة): إن الفرنج زحفوا إلى المعرة، وقتلوا مئة ألف إنسان. أما ابن الشحنة في (الدر المنتخب) فيقول: تجمع الإفرنج من أنطاكية والأرمن الذين في طاعتهم، وانضم إليهم النصارى في مئة ألف، ووصلوا المعرة، وحاصروا قلعتها بعد أن قطعوا الأشجار، وعملوا برجاً من خشب، فدخلوها بعد المغيب، وقتلوا عشرين ألفاً من الرجال، وقيل مئة ألف، وسبوا الجميع بعد أن أمنوهم، وهدموا أسوارها، وعند أبي الفداء وابن الوردي والكامل لابن الأثير، أن الفرنج استباحوا المعرة ثلاثة أيام، ووضعوا السيف في أهلها، فقتلوا منهم ما يزيد على مئة ألف إنسان.

ـ وأما بناء القلعة فقد تمّ على مساحة تقارب 2500 متر مربع، وتتألف من عشرة أبراج دفاعية مستطيلة الشكل، وفي الوسط مسجد وحمام واسطبلات وبيت للسكن، وكذلك سراديب تربط القلعة بمدينة المعرة، حيث كانت تبعد عنها حوالي 500م إلى الشمال الغربي من المدينة.

سكن هذه القلعة في القرن الرابع الهجري الأمير عبد القادر الخديجة، وتوارثها أتباعه إلى وقت قريب، حتى قامت الدولة بإصدار مرسوم يقضي بتعويض ساكنيها وإلحاق القلعة بمديرية الآثار والمتاحف، وستقوم المديرية قريباً حسب ما ذكر أحمد غريب أمين المتحف في معرة النعمان بترميمها، وإعادتها لسابق عهدها.

المراجع: ـ ابن الشحنةـ الدر المنتخب

ـ محمد سليم الجندي- تاريخ معرة النعمان

ـ فايز قوصرةـ الرحالة في محافظة إدلب

ـ أحمد غريب أمين متحف المعرة.