تتميَّز اللوحة باحتوائها على مشهد ميثولوجي اسطوري تعتبر الأسطورة اليونانية والرومانية أحد أهم الموضوعات التي كانت تشدُّ الإنسان القديم، فقد كانت نبعاً ثرَّاً أغنت الفكر التراثي والفني عبر التاريخ، وإذا ما عدنا إلى أعمق من هذا وجدنا أنَّ الفن السوري الآرامي- الفينيقي- الكنعاني كان يموج بروحانية التصوّر الميثولوجي فلا يخفى أنَّ الميثولوجيا تساعد العقل على التحليق، وتجعله يحرِّض أعماق الشعور، وفي كثير من الأحيان تجد النفس فيها استقراراً وسكينة.

وعن قصة بناء مدينة روما فقد رُصفت هذه القصة الاسطورية على أرضية فسيفسائية بمساحة سبعة وعشرين متراً مربعاً، واكتشفت في قرية فركيا في جبل الزاوية، إلى الشمال الغربي من مدينة المعرة بعشرة كيلومترات، وذلك في سبعينيات القرن الماضي، وحُفظت في متحف المعرة، ويعود تاريخ هذه اللوحة إلى عام 511م.اختاره صاحب القاعة، وهذا المشهد يمثل التوءمين "روموس ورومولوس" وذئبة الكابيتون من فوقهما والتي تقوم بارضاعهما، وهو يمثّل بناء مدينة روما الاسطورية، وفوق هذا المشهد نصَّاً توثيقياً باللغة اليونانية القديمة، ترجمته: «يخصّ هذا البيت "فيرمينوس"، الذي رتّبه جيداً وأقام صلاة مع يوحَّنا المؤمن على روح انتونيموس التقي، وكان أرشمندريتا، وكان يطلب الشفاعة من الله للمرضى، ودفع تكاليف هذا البيت من أمواله، أما الأعمال الأخرى فقد أجاد بها بولس الذي كان ارشمندريتا صالحاً 6/12/511م».

يخصّ هذا البيت "فيرمينوس"، الذي رتّبه جيداً وأقام صلاة مع يوحَّنا المؤمن على روح انتونيموس التقي، وكان أرشمندريتا، وكان يطلب الشفاعة من الله للمرضى، ودفع تكاليف هذا البيت من أمواله، أما الأعمال الأخرى فقد أجاد بها بولس الذي كان ارشمندريتا صالحاً 6/12/511م

وعن تحليل المشهد الأسطوري فمن المعلوم أنَّ التعاليم المسيحية أبعدت الفنان الفسيفسائي عن التمثيل الوثني في جميع أعماله، إلا أننا نفاجأ في هذه اللوحة ذات العهد المسيحي قد ضمَّت في مضمونها موضوعاًَ اسطورياً وثنياً، واستطاع الفنان التأليف بين موضوع اللوحة وبين العصر المسيحي السائد، وذلك بوضع رمز الشمس إلى أعلى ويسار المشهد الأسطوري، ورُمز بهذه الشمس إلى أن المسيحية تسطع على روما، أما التوأمين "روموس ورومولوس" فقصَّتهما معروفة نختصرها بما يلي كان اينياس يحكم الشعب اللاتيني، نسبةً إلى سهل لاتيوم، واختفى اينياس أثناء عاصفة هوجاء، فأصبح يُعبد لدى الأجيال اللاحقة باسم جوبيتر القومي.

مشهد صيد.

وتعاقب على الحكم عدة ملوك ومنهم "نوميتور" الذي رُزق ابنة أسماها "رييا سيليفا" وابناً ذكراَ، بَيْدَ أنَّ أميليوس شقيق نوميتور الأصغر، استطاع أن يعزل أخيه الأكبر وينتزع منه الملك، واتقاءً للعاقبة قتل ابن أخيه ونذر ابنة أخيه للآلهة "vesta" ذلك أجبرها على أن تظلّ عذراء لمدة ثلاثين عاماً، فلا تخلف نسلاً ينتقم منه على فعلته، ولكن إله الحرب "مارس" أُغرم بالفتاة واتصل بها سراً فحملت منه توأمين ذكرين هما "روموس ورومولوس" فثار ثائر "أميلوس" وفار فائره، فصبَّ جام غضبهِ على الطفلين، وأمر بإلقائهما في نهر التيبر، فتدخَّلت الآلهة وقذفتْ مياه التيبر بالطفلين حتى رسا مهدهما على سفح هضبة البالاتيوم تحت شجرة تين، حيث أتتْ إليهما ذئبة من الجبال كانت قد أضاعت جراءها فحَّنتْ عليهما وأرضعتهما من ثدييها، حتى عثر عليهما راعي قطعان الملك faustulus فأخذهما إلى زوجته التي تعهّدت بتربيتهما، وعندما كبرا وبعد استشارة الآلهة وقع الإختيار على رومولوس، ليقوم بوضع أسس المدينة، فأخذ محراثاً وراح يشق أُخدوداً حول تل البالاتيوم مخطّطاً بذلك سور المدينة وأمر رومولوس أتباعه من اللاتينيين والألبيين أن يشرعوا فوراً ببناء السور, واستشاط روموس غضباً لأنَّ اختيار الآلهة لم يقع عليه، ففار غضبه وقفز إلى السور متحدياً رومولوس، فقام الأخير بقتل أخيه روموس وذلك عام 753 ق.م، ومن ثمّ قام رومولوس ببناء المدينة في أراضي التلال السبعة التي منحها لهما جدهما "نوميتور" كونها مهدهما هو وأخيه، ومن ثمّ قُتل رومولوس ومُجِّد وعُبِّد بعد موته وسمي"كريرينوس" أي إله الحرب، وقد ظهر هذا النقش على قطع نقدية تعود إلى القرن الخامس والرابع قبل الميلاد، معروضة إحداها في متحف اللوفر في باريس.

ويحيط بالمشهد الأسطوري في لوح "فركيا" مشاهد لحيوانات من البيئة بوضعيات مختلفة، وما ذلك إلا لاشغال الفراغ حول المشهد، وضُمت اللوحة بشريط زخرفي رائع قوامه زنبقة متكرِّرة بتناوب بديع.

بانوراما لفسيفساء فركيا.

***********

أحمد غريب

المصادر والمراجع:

ـ سهيل عثمان ـ عبد الرّزاق الأصفر :معجم الأساطير اليونانية والرومانيةـ وزارة الثقافة 1982 .

ـ دليل متحف معرة النعمان ـ مطابع وزارة الثقافة 2003: أحمد الغريب

ـ دراسات في تاريخ الرومان : د. محمد محفل ـ د. محمد الزين – جامعة دمشق.