في ختام مهرجان المونودراما الذي أقامه البيت العربي للرسم والموسيقا للسنة السادسة على التوالي هذا العام لم يتمالك الفنان الكبير "زيناتي قدسية" نفسه من أن يدندن مع نغمات ورنات عود "مروان دريباتي" وهو يواجه قصائد الشاعر الكبير الراحل "محمود درويش" فيحملها من عوالم الشعر إلى عوالم الموسيقا بسلاسة ويقين وانتماء وعشق مؤكد، استحق عليه "مروان" تصفيقاً طويلاً.

الفنان مروان دريباتي واحد من قلة من الموسيقيين في المدينة الذين شقوا طريقاً مختلفاً فشدد على الالتزام بالهوية والتنوع والاشتغال عليهما فكانت تجربته مع أخيه ياسر دريباتي في المسرح واحدة من التجارب الناجحة بامتياز في عالم إبداع اللاذقية، هذا النجاح أغرى الكثيرين بتقليده، بعضهم نجح وبعضهم أخفق، ولكن الأكيد أن مروان بقي يغرد ويقود مرتاحاً سربه الفني وبامتياز.

حول الموسيقا في أعماله، وحول أوركسترا اللاذقية وحول كثير من الأشياء والأحلام التي تراوده في حله وترحاله كان حوار eSyria مع الموسيقي السوري المبدع "مروان دريباتي".

زيناتي قدسية مع فرقة زواريب

  • الموسيقي "مروان دريباتي"، أين وصلت في أحلامك الموسيقية؟ وهل تعتقد أن الأمر يستحق كل هذا العناء؟
  • ** الاشتغال في الموسيقا له علاقة باليومي المعيش وليس بالأحلام، لم أحلم لحد الآن بأمر له علاقة بالموسيقا، إن كان قصدك أين وصلت في العمل الموسيقي فقد قطعت مرحلة البدايات وصار لموسيقاي خط واضح من حيث اللحن والكلمات وحتى الأداء الصوتي ومن تابع حفلات فرقة زواريب في العامين الماضيين يتضح له ذلك.

    مروان على العود

  • قلت في حوار سابق إن “زواريب” دعوة لإيقاظ الحواس فينا.. هل أصبحنا متبلدين في علاقتنا مع الحواس إلى هذه الدرجة حتى نحتاج إلى حميمية الزواريب لنوقظ ما نام أو مات فينا؟
  • ** الموسيقيون يتلمسون المحيط بشكل مرهف.. وكما يقول الروائي العالمي الكبير( ميلان كونديرا) لغة الإشارة لدينا قوية.. ونحن بدورنا نمتلك مجسّات خاصة فينا للغة الإشارات على درجة عالية من القوة.. وفيما يخصّ تبلد الحواس عند الناس ربما أجد أن لهم في الأمر عذرا.. بسبب ضغوط العمل وكثرة الهموم.. ولا شعورياً العجلة الاقتصادية والإعلامية تقودهم باتجاه حتفهم الأبدي وهذا رأيي الشخصي..

    فرقة زواريب

    وأنا كموسيقي أرى الأمر بوضوح أو بالأحرى أحسّ به.. والذي أقوم به على الصعيد الفني هو من ضمن إحساسي بهذا الأمر.. لذا في أعمالي مواضيع مثل أغنية (الرأي.. وصديقي).. وكذلك أعمل على الغزل الرفيع، وأعمل عندما يموت الحبّ، وأنا التقط حالات إنسانية نعيشها كلنا، فيها دراما حياتنا اليومية مثل أغنية (ما بكون أنا وياك).. وهنا تكمن وظيفتي بعد التقاطي الحالات وبكلّ شفافية وبكلّ محبة أن أضعها في مختبري كعمل.. ومن بعدها أعمل عليها كمؤلف وملحن.. وأفكر في طريقة لأقوم بتنزيلها ضمن قالب موسيقي يليق بها.

  • على ما يلاحظ أن الموسيقا العربية مرتبطة دائماً بالكلمة والصوت فلا ترى في سجل موسيقيي العالم أسماء عربية من وزن موزارت أو بتهوفن أو تشايكوفسكي، هناك لمحات خافتة عربية الأصل ولكن مبناها غربي عموماً كتجربة أصداء من أوغاريت للموسيقي السوري مالك جندلي مثلاً.. لماذا هذا الفقر الموسيقي العربي..
  • ** فقر الموسيقا العربية ناتج عن فقر العالم العربي بالفنون عموماً والشعوب المنغلقة والمضطهدة لا يمكن أن تنتج فنوناً، والتشجيع المجتمعي وحتى الرسمي في بعض الدول على إنتاج الفنون ضعيف لحد اليوم، وبالتالي لا يوجد إرث فني لهذه الشعوب في الوقت الذي نهضت فيه أوروبا بالفن بكافة أشكاله منذ 400 سنة لذلك سوف تسمع بأعمال وأعلام الموسيقا الغربية وسيندر وجود أعلام في الموسيقا العربية.

  • هل للأمر علاقة بالتربية ككل (مدرسياً ومجتمعياً وثقافياً)؟؟
  • ** التربية والتعليم يشكلان الخطوة الأولى لأي نهضة موسيقية فنية لأي بلد، لتحصل على جيل واع وذواق لابد من تهيئة وإعداد تأتي من التربية والتعليم

  • يقال كذلك أن الموسيقا كالغناء موهبة، هل تعليم الناس الموسيقا كفيل بتغيير معادلة علاقة الناس بالموسيقا؟؟
  • ** دون شك. هذا الأمر أعني التعليم ينقل الناس من التلقي الغريزي إن جاز التعبير إلى التلقي العقلي والوجداني المبني على إدراك مسبق للغة الموسيقا ولحضورها في النفس البشرية.

  • وعلى نفس السياق تبدو تجربة فرقة "زواريب" بسنواتها الست مشجعة على الغوص أكثر في تعليم الناس فن الاستماع إلى الموسيقا الممزوجة ببعض الكلام أحياناً.. كيف تقيِّم تجربة زواريب اليوم؟ وكيف ترى مستقبلها؟
  • ** أنا أمام واقع عليّ الاعتراف به فالأغلبية لدينا تتابع النت والسيارات والموضة وللأسف القلة من تتابع الثقافة والأدب والموسيقا.. وأنا هنا أمام خيارين إما أن أخضع للأمية الموسيقية المنتشرة أو بمعنى آخر أن أقوم بأعمال على مبدأ (الجمهور عاوز كده).. والخيار الثاني أن أعمل انطلاقاً من قناعتي.. وبالتأكيد لن أعمل إلا قناعتي لذلك تصبح هذه الإشكالية بيني وبين الجمهور وهذا الابتعاد.. والحل هنا بالإعلام فعندما نُسْمِع الجمهور عملاً ما عدة مرات سيتقبله.. وهذه الأزمة نفسها موجودة عند فيروز وإذا ما قارنا بين متابعة الناس عموماً لفيروز أو لهيفاء وهبي فسنجد إن متابعي هيفاء أكبر لأن الإعلام كرّس ظاهرة هيفاء ومع هذا فمن المستحيل وضعهما في سلة واحدة..

    للإعلام دور كبير في التصدير ليس على مستوى سورية وإنما على مستوى الوطن العربي.. ولو كان لدينا إعلام ديمقراطي على مستوى العالم العربي لكانت كلّ أنواع الموسيقا وكلّ أنواع التجارب تعرض دفعة واحدة فيصبح الموضوع بيد الجمهور للاختيار.. وهذه الخيارات نحن بحاجة إليها.

  • ماذا عن تجربة أوركسترا اللاذقية وما رافقها من مشاكل وصعوبات وأين أصبحت اليوم؟
  • ** تجربة أوركسترا اللاذقية هي أحد مشاريع روافد الخمسة التي تبنتها خلال العام الحالي، ونحن اليوم قريبون من الانطلاق الأولي بعد أن تم تجاوز الكثير من العقبات وبكثير من الجهد مع العديد من الهيئات والمؤسسات السورية والعازفين المتعاونين، مشاكلنا تنحصر في أنها المرة الأولى التي يقدم فيها مجتمع أهلي على تقديم هكذا مشروع وبالتالي تحديد الخطوات التالية يعتبر صعباً، نحن في البيت العربي قمنا بهذه الخطوة بعد أن سمح لنا عملنا خلال السنوات العشر الماضية بتأسيس قاعدة موسيقية من الشباب والصبايا في المحافظة ولولا هذه القاعدة ما كان ممكناً أن يرى هذا العمل النور، فكرة الأوركسترا ستصبح واقعاً عما قريب.

  • سؤال أخير خارج السياق وضعنا مرآة أمام مروان.. ماذا يقول مروان لمروان الذي هناك؟
  • ** إغرائي الأكبر في الحياة هو التجريب.. إلى حد التهور.. يومياً عندي هذا الهوس وأنا أعيش حياتي وليس عندي طقس رومانسي لكن بالعمل أميل إلى العبث إلى حد كبير في حياتي اليومية.. أنا عبثي.. غير منظم.. في كلّ تفاصيل حياتي بدءاً من النوم والاستيقاظ ولكن في العمل الأمر يختلف أنا أنتج عملي حسب ما يريده عملي.. وعملي أفضله كثيراً على حياتي.