أن نحنّ لقديمنا وأخباره، وأن نستلهم منه جديدنا الذي نعيش أوقاته، حبل سري خفي بين الماضي والحاضر، ومن الرائع جداً أن تجتمع مجموعة من الأشياء التراثية القديمة في مكان واحد، تخبرنا تعتقات نحاسياته بلغتها الصامتة عما كان لآبائنا وأيامهم من عادات وتقاليد...

مات أصحابها وعلا الغبار تضلعاته وتواريخ صناعتها، "انتيكات" نحاسية ونوادر قديمة وجدها موقع eLatakia بتاريخ 11/1/2009 في محل صغير ومكان دافئ جمع الماضي والحاضر، فيقول السيد "رامي حبوس" من محافظة "حمص" صاحب هذا المكان والذي أحب أن يتقن مهنة ورثها عن أهله والتي اشتهرت بها "حمص" وانتقل بها إلى "اللاذقية" التي تفتقر لوجود هذه الظاهرة المميزة بين شوارعها.

الأمر مختلف تبعاً للزبون وطلباته وحالته المادية، أستطيع فرش غرفة بالمبلغ المتوافر والمطلوب

«الشرقيات ليست مهنة بقدر ما هي هواية»، عبارة بادرنا بها السيد "رامي"، خلال حديثه عن هوايته ومهنته حيث قال: «القديم له نكهته ونحن كشرقيين نميل بقوة نحو التمسك بكل ما هو أصيل وقديم، بدأت هوايتي منذ الطفولة كنت أحب اقتناء الأشياء القيمة التراثية، وصادف أنها مهنة أبي وجدي من قبلي، انتقلت إلى "اللاذقية" وبنيتي افتتاح محل لبيع وشراء التراثيات الشرقية، مع العلم أنني في الثمانينيات كنت أدق النحاس لكن بعد ذلك تفرغت للمحل والعرض والبيع، هذه المصلحة تتطلب صبراً من البائع الذي يحمل على عاتقه الاهتمام بالمعروضات والعمل الدائم على اقتناص فرص تواجدها في المنازل والحصول عليها لعرضها أو بيعها، مقتنيات المحل كلها مشتراة من المنازل وكان لها أصحابها الذين طبعوها بطابعهم».

شرقيات (مصب قهوة نحاسي)

وعن معروضات المحل المميزة، أعطانا السيد "رامي" فكرة مع العلم أن أي قطعة كانت تعبر عن نفسها أثناء تجوالنا في المحل المتواضع، فهنا تتوضع سيوف دمشقية من الحديد والنحاس المذهب المشغول بإتقان والممزوج بطابع تراثي، وهناك في الزاوية الأخرى أباريق نحاسية وصوان على صينية من النحاس المعتق، الذي قال عنه السيد "حبوس" إنه من أهم وأكثر ما يطلبه السائح الذي يدخل المعرض، وأضاف: «النحاس المعتق له قيمته التراثية ونكهته كشيء قديم موروث، ولم تخلُ جدران المعرض من لوحات "الأبسون"، وهي عبارة عن لوحات قطنية مطرزة بخيوط حريرية ومن "الميسلين"، وتأخذ قيمتها من كونها أيضاً من المقتنيات التي كانت تشتهر بتواجدها في البيوت الفخمة، وخصوصاً أن رسومات اللوحة غالباً ما تكون لوحة عالمية أو معروفة لأحد الفنانين الكبار وقد قامت بحياكتها وتطريزها أيد شرقية ماهرة، وكان للسجاد العجمي الفاخر نصيب من معرض واحد يجمع أحداثاً كثيرة عبر الزمان، وأيضاً له مريدوه وطالبو اقتنائه، بالنسبة للأزياء الشرقية ليس لها النصيب الأكبر، ولكنها تواجدت لتكمل موجودات المحل التي افترشت أرضه وجدرانه مؤلفة لوحة مكانية فريدة».

السيد "رامي" أوضح أن الشرائح العمرية التي ترتاد المحل سواء للفرجة أو الشراء متنوعة، وبيّن أن أسعار الموجودات تعتبر معقولة، ويبقى لكل قطعة سعرها الخاص بها بما يتناسب مع قيمتها الفنية والزمنية أو التراثية.

السيد رامي حبوس في محله

وأضاف السيد "رامي": «هناك تزايد بعدد الناس الذين يقبلون على محلي بخصوص فرش منزلهم وتأثيثه بالمدة العربية القديمة، فرغبة الناس في امتلاك غرفة بمدة عربية فاخرة تتزايد يوماً بعد يوم، وهو أمر جميل أن نشعر بالحنين لأن نعود إلى تراثنا وتقاليدنا في مجالسنا واستقبالنا لضيوفنا، بالنسبة لمقتنيات الغرفة العربية وتفاصيلها فهي تكون كالتالي: بسط قديمة معلقة على الجدران، وغالباً ما تكون طولية مخططة و"فرشات" مع "التكايات"، ويختلف عددها ومساحتها تبعا للغرفة، إضافة إلى السجاد العجمي الذي يتوسط الغرفة، و"هودج" وهو عبارة عن منقل مربع لتقديم القهوة المرة التي تسخن على فحمه، و"المهباج" لا بد أن يأخذ له ركناً في الغرفة لتكتمل شرقيتها، وطبعاً هناك جلود الخواريف المنسقة التي تفترش أرض الغرفة بتناسق مع السجادة العجمية».

وعن أسعار وتكلفة غرف كهذه يضيف قائلاً: «الأمر مختلف تبعاً للزبون وطلباته وحالته المادية، أستطيع فرش غرفة بالمبلغ المتوافر والمطلوب».

نحاسيات