أناس لهم عالمهم الخاص الذي من الصعب فهمه وتحليله، لكن يمكننا القول بأنه عالم مملوء بالحكايات والمغامرات والتشعبات التي لا نهاية لها ولا حتى بداية محددة يمكننا منها تعلم قوانينهم ومرتكزاتهم في هذه الهواية الغريبة.

هواية غريبة ومهنة وعالم خاص من الصعب التأقلم معه إلا لمحترفيه، مكان هذه الهواية هي عدد لا بأس به من أسطح الأبنية وقد تتعدى إلى الأماكن العشوائية، وباختصار شديد عالم تربية الحمام وإطلاقه بالجو أو ما يطلق عليه بالعامية "كش الحمام" وهو المصطلح التقليدي المتعارف بين مربي الحمام "كشاشي الحمام"، والشيء المثير للجدل العادات والاتفاقيات الموجودة بين مربي حمام ومربي آخر، وإذا ما دققنا بعاداتهم وقوانينهم نراها تشابه قوانين الحرب بمختلف نماذجها إن كانت هدنة أو حرب عالقة أو اتفاقية سلام دائم أو مؤقت حسب ما يتجدد من أمور وعلاقات، فكل منهم له حدود لكشّ مجموعة الحمام التي يطلقها في السماء وطبعاً هذه الحدود قد استعاد الحمام عليها وفقا للطريقة أو الأسلوب التي يتبعها مربي الحمام مع مجموعته، بحيث لا يجب تجاوز هذه الحدود حتى لا يقع المحظور ونقض المعاهدة بين مربي الحمام.

لا نستطيع القول كيف يمكن تصنيفه، فهناك أشخاص مختصون لذلك وحسب تعبير البعض تكون عيونهم حمراء ذات نظرة ثاقبة

وللدخول أكثر في تفاصيل تربية الحمام والتعرف أكثر عن هذه الهواية موقع "eLatakia" قصد سطح مبنى يستخدمه مربي الحمام "سامر كيخيا" لتربية وإطلاق الحمام في الجو، وحدثنا عن عالمه الخاص بالقول: «أقوم بتربية الحمام منذ أن كان عمري 18 عاما، وأفضل هذه الطريقة بالحياة لأنها وبرأيي أفضل من الجلوس في المقاهي، بعد أن أعود من عملي أصعد إلى السطح وأقوم بإطعام الحمام الذرة والخبز اليابس، وهكذا حتى تأتي مرحلة تفريخ الحمام فأقوم بتربية صغار الحمام وقد أقوم ببيعها أحياناً.

سامر كيخيا

وأنواع الحمام متعددة ولكن هناك طيور غالية جداً وتصنيف سعرها يأتي وفقا لوقفة الطير ومكانته وطريقة طيرانه في الجو ولونه ومن هذه الأنواع "المشامشة"، "المساويد"، "المسكي"، "شخشرلي أسود"».

صيد الذبح قصة قد يجهلها الكثير، أخبرنا عنها "كيخيا" بالقول: «نقوم بكش الحمام وخلطه بكشة أخرى، وفي هذه الأثناء يمكن أن يختلط طير شارد بكشتي أو كشة غيري، وقد يكون هذا الطير صغير في العمر أو كبير، وهذا الطير قد يستقر على سطحي مجرد أن يرى أنثى الحمام في كشتي ويقوم بملاحقتها حتى يكون مستقره الأخير سطحي، فأقوم بصيده عن طريق الشبك أو السقلب الموضوع على سطح القن، فإذا أرجعته لصاحبه يرجع لي طيري إذا وقع بين يديه وأنا حالياً لا أصيد وهدفي الوحيد الفرجة على الحمام والتمتع بتصرفاتهم لأنهم ينسون هموم العمل».

الحمام يحط

وللقيام بإرجاع كشة الحمام إلى سطحها طريقة أخرى، أوضح عنها "كيخيا" بالقول: «أقوم بعدم إطعام الحمام قبل كشه ثم أقوم بكشه في الجو وعند رغبتي في إرجاعهم أقوم بمسك حمامة أنثى وتسمى عند أصحابها "التخبيطة" وأقوم بالتخبيط بها فتقوم الكشة والتي أغلبها ذكور حمام بالرجوع إليها وكذلك لجوعهم فأقوم بإطعامهم فوراً.

ولمعرفة طير الحمام الخاص بي أقوم بوضع خلاخيل في أقدامهم وهناك أناس يقومون بوضع خلاخيل من الفضة والذهب في رقبة الحمامة وأنا أعرف طير الحمام الخاص على كيلومتر في الجو».

نوع من انواع الحمام

ولكن ماذا عن أنواع الحمام السوري، فأجاب "كيخيا" قائلا: «هناك أنواع "الأرجاني"، "بايملي أزرق"، "بايملي أسود"، "مساود أسود"، "أورفلي"، "مجري أزرق"، وهناك طرق لتهجين نوع حمام على نوع آخر فمثلاً "مرقع أسود" على أنثى "مجرية بيضاء" ينتج عنهم نوع حمام يسمى "المراقيع"، مع الإشارة إلى أن هناك طرق لصيد الحمام بين سطح في "اللاذقية" وسطح في "حلب"، فمثلاً يقوم شخص بشراء مجموعة من الحمام من مكان معين في "حلب" ويجلبهم إلى "اللاذقية" وعند أول كشة لهم في الجو يرجعون إلى سطح الشخص الذي رباهم في حلب، فبائع الحمام إذاً يعرف سلفاً أنهم سيعودون إلى سطحه».

من جهة أخرى حدثنا مربي الحمام "فهد مروش" عن بعض الأنواع الأخرى من الحمام ومن بينهم "الحمام الزاجل"، وتابع بالقول: «هناك أنواع حمام أجنبي نقوم بتربيته يأتينا من بلجيكا وهو نوع "الكشميري" وهناك "حمام الزاجل" الذي يأتينا من مالطة عن طريق البحر لكن هذا النوع ممكن تربيته لفترة معينة لكنه حين يصح من سفره الطويل يعود إلى دياره».

ولدى سؤالنا عن طريقة تصنيف سعر الطير الغالي الثمن أجاب "مروش": «لا نستطيع القول كيف يمكن تصنيفه، فهناك أشخاص مختصون لذلك وحسب تعبير البعض تكون عيونهم حمراء ذات نظرة ثاقبة».

وللناس نظرات وآراء مختلفة حول "كشيشة الحمام"، فمن وجهة نظر الشاب "أسامة فضلية" عن نظرته لمربي الحمام الذي حدثنا عنها بالقول: «هم أشخاص غريبو الأطوار حيث نسمع عنهم قصص كثيرة ومن هذه القصص في حال قام كشيش حمام باستجرار طير حمام لكشيش آخر والقبض عليه يأتي صاحب الطير، ويقوم بطلبه إن أعطاه إياه وتكررت نفس الحادثة مع الكشيش الفاقد الطير يقوم بإرجاعه كما فعل زميله، وإن لم يعطه إياه فتنشأ حرب بينهم تحت مصطلح "صيد وذبح" أو يقوم القابض على الطير بقصه وتربيته عنده في قن الحمام أو "الحبيس" لفترة معينة حتى يألف المكان ولا يعود لمكان آخر».

وأضاف "أسامة": «أنا لست من المعارضين لهم لكن برأيي يجب التخفيف من حدة الصراع الناشب بينهم من أجل طير حمام وليكن كل شخص لوحده وينسى وجود الآخر».

وللشاب "أشرف رمان" رأي خاص بهم حيث يجاوره منزل لكشيش حمام، ويقول: «بالنسبة للكشيشين بشكل عام هم مزعجون دائماً بأصواتهم ومشاكلهم التي تصل إلى حد الضرب من أجل طير حمام والبعض منهم ينسى عمله وعائلته ويحصر تفكيره بالحمام وكيفية شراء طير فلان و صيد طير علان، لكنك إذا اقتربت منهم تراهم أناس بسطاء طيبون، أضحوا هكذا نتيجة ظرف اجتماعي وبيئة معينة تربو فيها ومن شب على شيء شاب عليه فمهما قلنا ومهما حاولنا إصلاحه فالنتيجة واحدة لن يتخلوا عن كش الحمام».