في معظم بيوتنا وحتى في بعض المحلات في السوق نجده معلقاً على زاوية معينة، قوي حزين لونه "ذهبي"، رأسه "أسود"، هو "بابور الكاز" الاختراع البديل عن "نار الحطب" من القرن /19/ حتى نصف القرن /20/، كان يصنع في روسيا وبلجيكا وانتقلت صناعته إلى مدينة "حلب"، ومن ثم إلى جميع محافظات سورية.

موقع "eLatakia" عاد إلى الماضي، وبحث عن مكان "بابور الكاز" في ذاكرة الناس الذين عايشوه، السيدة "فاطمة كيخيا" والتي بدأ حديثها بالقول: «أبلغ من العمر /67/ عاماً، وقد وعيت على الحياة ونحن نستخدم "بابور الكاز"، ورغم بساطته، إلا أننا كنا جميعاً نشعر به، كأحد أركان المنزل، فإذا لم يعمل يوماً ما أو لم نسمع صوت ناره، فمن المؤكد أنه شيئاً ما ينقصنا وفي بعض الأحيان كانت تتجمع العائلة على ناره في الشتاء، لتبدأ برواية القصص وتبادل الأحاديث التي لا تنتهي، أما الآن فأنا أضعه في صالون بيتي للذكرى».

بالإضافة إلى الخدمات التي كان يقدمها لنا "البابور" رغم صغر حجمه، إلا أنني كنت في كثير من الأحيان أقوم بتشغيله والجلوس وحدي لتأمل ناره وسماع صوته الذي يدعو إلى السكينة

أما السيد "محمد جمل" فقد تحدث عن علاقة بهذه القطعة المعدنية بالقول: «بالإضافة إلى الخدمات التي كان يقدمها لنا "البابور" رغم صغر حجمه، إلا أنني كنت في كثير من الأحيان أقوم بتشغيله والجلوس وحدي لتأمل ناره وسماع صوته الذي يدعو إلى السكينة».

محمد بكور

وأضاف السيد "محمد" بقوله: «في الماضي، لم يخل أي بيت من "بابور الكاز"- واحد على الأقل، فلا يمكن فعل الكثير في منزل لا يوجد فيه "بابور الكاز" فلا يمكن تحضير الطعام أو الشاي أو حتى تسخين الماء للاستحمام دونه قديماً، لكن ومع ظهور "اسطوانات الغاز" بدأ نسيان "بابور الكاز" بشكل تدريجي حتى انقرض ولن يعد له نفع ولا وجود إلا في الزوايا المنسية من البيت أو الدكان، فأصبح هذا "بابور" تحفة البيوت القديمة البائسة، حتى أصحاب مهنة "تصليح البوابير" لم يعد لهم وجود في "اللاذقية" باستثناء شخص وحيد- على ما اعتقد- في "اللاذقية" يعمل في مهنة تصليح البوابير ما زال محافظاً على أدواته رغم عدم وجود "بابور الكاز"».

السيد "محمد بكور" ترك العمل بمهنة "السنكري" منذ عام /1980/، واتجه إلى الأعمال ثانية أكثر تماشياً مع العصر- كما يقول-، وأضاف بقوله: «في بداية حياتي عملت في مهنة "تصليح بوابير الكاز"، وتصنيع "فوانيس الكاز" وتصليحها، كما كنت أقوم بتصنيع أوعية رش المحاصيل الزراعية "التنكة" وتصليحها، بالإضافة إلى لحام ثلاجات "صنع البوظة"، لكن مع نهاية آخر أمل لمهنة تصليح "بوابير الكاز" في عام /1980/، بدأت العمل في إصلاح الأفران التي تعمل على "الغاز" لأجل لقمة العيش وتماشياً مع العصر، لكني ما زلت محافظا على "معدات تصليح البوابير" وبعض البوابير القديمة في بيتي لتكون مثال كفاح دائم لأولادي من بعدي».

بابور

موقع "eLatakia" بحث عن آخر سنكري مازال قائماً على عمله، والتقى السيد "أحمد قويقة" ليحدثنا عن هذه المهنة، التي تتهب للانقراض، حيث بدأ بالقول: «منذ /20/عاماً، وأنا أمارس مهنة تصليح البوابير لكن ظهور "الغاز" والأدوات البلاستيكية قضت على هذه المهنة، لكني ورغم ذلك لن أتخلى هذه المهنة وسأظل باقياً هنا حتى نهاية عمري لأن "البوابير" عالقة في ذاكرتي منذ الطفولة، كما أنها تبقى في النهاية صنعة وحرفة.

أما الآن فأنا أكتسب رزقي من تصليح ولحم "النراجيل ومصبات القهوة" وأي قطعة بحاجة إلى "القصدير" الذي كنا نستعمله في تصليح البوابير».

احمد قويقة