قرية جبلية ساحلية المناخ، طبيعتها خلابة تنتشر فيها الغابات والينابيع والأنهار والأشجار المثمرة والزراعات المنزلية والموسمية، وتحيط بها الجبال من كل الاتجاهات ماعدا الجهة الغربية، اشتهرت بأشجار التين وأشجار الزيتون وبتبغها الذي عرف بالتبغ الياشوطي نسبة إلى اسمها "بيت ياشوط".

eSyria زار "بيت ياشوط" بتاريخ "19/3/2011" والتقى الآنسة "سعاد حيدر"- من سكان القرية-، وإحدى معلمات القرية والتي أمضت حوالي \35\ عاماً في التعليم، الآنسة "حيدر" بدأت حديثها بالتفسير لنا من أين أتت تسمية "بيت ياشوط": «يقال إنها سميت "بيت ياشوط" نسبة لرجل كبير يدعى "ياشوط" عرف بفهمه ومعرفته وقدرته على حل المشاكل وكان أشبه بقاضٍ يتهافت الناس إليه، ولكثرة ما كان يُسأل الناس إلى أين أنتم ذاهبون فيجيبون إلى بيت ياشوط، وعلى أثر ذلك أصبحت القرية تسمى بيت ياشوط».

يا: تعني المخصب، وشوط: بعلة الخصوبة وهي تسمية سريانية تعني مكان البلعوم وربما لشبه المكان بالبلعوم

إلا أن رواية دائرة آثار "جبلة" التي جاءت على لسان المهندس "إبراهيم خيربك" رئيس الدائرة تختلف تماماً عما هو متعارف عليه في القرية حيث إن "خير بك" فسر لنا تسمية بيت ياشوط بالقول: «يا: تعني المخصب، وشوط: بعلة الخصوبة وهي تسمية سريانية تعني مكان البلعوم وربما لشبه المكان بالبلعوم».

"رواد حسنة" يتجول معنا في أرجاء القرية

بالعودة إلى واقع قرية "بيت ياشوط" نجد أنها تقسم إلى منطقتين رئيسيتين تعرفان باسم "عين قيطة، والحصنان"، وتضم كل منطقة مجموعة من الأحياء حدثتنا عنها الآنسة "سعاد حيدر" بالقول: «تضم "عين قيطة" أحياء (حراما، بيت الملك، حقل العنز) بينما تضم "الحصنان" كل من (البساتين، بصمورة، القليعة، كرم الغصن)».

وتسمية "الحصنان" بحسب جميع من التقيناهم مستمدة من الماضي حيث كان يوجد في القرية حصنان أو قلعتان إحداهما مقابل الأخرى، ومازالت آثارهما موجودة في القرية حتى يومنا هذا، فيما تعود تسمية "عين قيطة" إلى نبع يحمل الاسم ذاته.

السيدة "أمينة صبوح"

يقول السيد "نزار ضاهر" إن أول من سكن القرية هو شيخ جليل القدر يعرف باسم الشيخ "حمدان"، وكانت المنطقة سابقا تسمى باسم منطقة "الشيخ حمدان بالجورة" لأن مكان إقامته ودفنه فيما بعد هو أسفل "الحصنان"، وللقرية جذور رومانية تؤكدها النواغيص وآلة عصر الزيتون الرومانية المعروفة باسم "الباطوس"».

وقد اشتهرت القرية بحسب "نزار ضاهر" وهو صاحب مشاتل للتبغ في القرية بالدخان الياشوطي ويقول "ضاهر": «اشتهرت القرية على مر السنين بزراعة التبغ، والتبغ الذي يزرع في القرية كان يباع في كل أنحاء سورية وهو معروف باسم الدخان "الياشوطي"، ويقال إن طيبة طعم هذا النوع من التبغ عائدة لطيبة أهل قرية "بيت ياشوط"».

السيد "محمود سعيد"

أهم أسباب نجاح زراعة التبغ في "بيت ياشوط" تعود إلى وجود المياه وكثرتها، وذلك بحسب كلام السيد "رواد حسنة" والذي تحدث عن الأنهار التي بالقرية بالقول: «يوجد في القرية مجموعة أنهار أهمها نهر "القش" ونهر "الطواحين" وهما يلتقيان تحت جسر القرية، وتنتشر على جانبي كل نهر أشجار (الصفصاف، الدلب، السرو، السنديان، البلوط، الحور، القطلب، الدفلة)، ونهر الطواحين يتغذى من نبعي الغار والأحمر وقد سمي بالطواحين لوجود بعض الطواحين المائية التي أقيمت على جانبيه يذكر من تلك الطواحين (طاحونة بيت صبوح، وطاحونة بيت شريبا).

وهناك مجموعة من الينابيع الأخرى في القرية وهي "عين البساتين، عين الحوريني، عين الحصنان"».

عرفت "بيت ياشوط" في الماضي بزراعتها للحبوب وبمنازلها المتلاصقة، ويقول السيد "محمود سعيد": «في الماضي كان التجمع السكاني عائلي أي أن كل عائلة تبني مجموعة من البيوت المتلاصقة في أراضيها وتسكن بها، وهكذا تنتشر المنازل في القرية وتأخذ الطابع العائلي.

وقد كان المنزل عبارة عن غرفة كبيرة تقسم إلى مكان للنوم وآخر للأكل والسهر والقراءة وآخر للمونة ومكان للاستحمام، وهناك نوع آخر من البيوت يكون فيها قسم للدواب ويبنى فوقه عرزال لنوم أصحاب البيت».

يضيف "سعيد": «في الماضي كانت الزراعة هي العمل الرئيسي لكل سكان المنطقة وكان التعاون قائما بين جميع سكان القرية سواء في الزراعة أو الحصاد أو الحراثة وجمع الحطب وإلى ما هناك من أعمال ضرورية.

وكانت تربى الماعز والأبقار والأغنام والحمير بكثافة ومازالت هذه الحيوانات موجودة بأعداد قليلة باستثناء الماعز فقد انتهت تربيتها».

التعليم في القرية كان ومازال رفيع المستوى وقد خرجت القرية وزراء ونوابا وأساتذة في الذرة ومعلمين وأطباء ومهندسين رغم ظروف التعليم الصعبة التي حدثتنا عنها السيدة "سعاد" حيث قالت: «قبل الستينيات كان التعليم حكرا على المدارس الخاصة أو لدى الشيوخ وكنا نذهب إلى قرية عين الشرقية من أجل التعلم في المدرسة الخاصة هناك أما المرحلة الثانوية فقد كان علينا أن نذهب إلى مدينة "جبلة" فيما لو أردنا تعلمها، وعلى الرغم من ذلك خرجت القرية شخصيات متعلمة ومثقفة شغلت مناصب رفيعة المستوى في "سورية".

أما اليوم فقد انقلبت أصبحت القرية تحتوي على مدرسة ثانوية عامة وأخرى صناعية ومدرسة إعدادية ومدارس ابتدائية وروضات للأطفال».

وتضيف "حيدر": «يبلغ عدد سكان "بيت ياشوط" حوالي \20000\ نسمة يقيمون فيها حاليا ناهيك عن المقيمين في الخارج فالقرية في إحصائية عام \1980\ كان عدد سكانها يقدر بحوالي \15000\ نسمة، إلا أنه وبحكم كوني مدرسة ألاحظ أن نسبة الإناث أعلى من نسبة الذكور إلى حد ما، ومن أشهر عائلات القرية "آل خضور، آل الخولي، آل زيود، آل مكنا، آل حيدر".

وسكان القرية معظمهم مازالوا في سن الإنتاج وواقع القرية يساعدهم على العمل والعطاء فهي ناحية وعلى وشك أن تتحول إلى مدينة، فكل مقومات الحياة موجودة فيها والمقيم في القرية باستطاعته أن يؤمن كافة حاجياته من المحلات والمنشآت الموجودة فيها، ولولا ضرورة أن يراجع المواطن بعض دوائر الدولة الرئيسية لقلنا أننا لسنا بحاجة لمغادرتها من أجل أي حاجة».

السيدة "أمينة صبوح" والآنسة "سعاد حيدر" تحدث عن بعض أشكال الحياة الاجتماعية في القرية عندما تحدثتا على طريقة مميزة لحفظ اللحوم، والتي تقوم على الشكل التالي: «تقطع الذبيحة وتذوَّب الدهون عنها ومن ثم تقلى قليلا مع الملح ومن ثم تعبئ بـ "قطرميز" زجاجي وتحفظ في بيت المونة، وهذه الطريقة تجعلها تبقى صالحة لفترة طويلة من الزمن».

حديثنا مع السيدة "أمينة صبوح" لم يقتصر على حفظ اللحوم فقط بل تعدى ذلك ليشمل زي الماضي وزراعة القرية لكونها سيدة واسعة الاطلاع وتتمتع بذاكرة حديدية على الرغم من أنها تجاوزت السبعين من العمر، وتقول السيدة "صبوح" عن الزراعة في بيت ياشوط: «في الماضي كان الاعتماد شبه كلي على الزراعات الموسمية واقتصرت الأشجار على نوعين فقط "التين والزيتون".

أما الزراعات الموسمية فقد كان أشهرها زراعة الحنطة (القمح) التي كانت تنتشر في كل أنحاء القرية، وبيادر الحنطة كان عددها يزيد عن \15\ بيدراً في مختلف أنحاء القرية، إلا أن الزراعة تراجعت نسبياً في هذه الأيام مع انتشار لمختلف الأشجار المثمرة بالقرب من المنازل».

وعن الأعراس والأزياء الشعبية في "بيت ياشوط" حدثتنا السيدة "صبوح" بالقول: «باختصار العرس (طبل وزمر وشوية شباب عالدبكة)، وطريقة طلب الفتاة بسيطة وليس فيها تكلف وهي مشابهة للطريقة الشائعة حالياً، إلا أن ما ترتديه العروس اليوم مختلف عما كانت ترتديه في أيامنا، فعروس الماضي كانت ترتدي فستاناً أخضر اللون وتضع على رأسها منديلاً مخرماً وتلف خصرها بِمَحْزَمْ، ويسير الناس خلف العروس حتى تصل إلى بيت زوجها، إلا أن مدة العرس كان أقلها يوم واحد وأكثرها سبعة أيام وأذكر أنني حضرت عرساً استمر لمدة أسبوع.

أما الزي الشعبي للمرأة فهو: عرقية فوقها طربوش أحمر اللون (الطربوش هو قماشة توضع على الرأس بطريقة معينة وليس الطربوش الذي يعرفه الناس) وفوق "الطربوش" ترتدي قبعة مصنوعة من الحرير، فيما يأتي المنديل في الأعلى، لباس الجسد كان الفستان وتحته ما يسمى "اللبيس" وهو مصنوع من المطاط، وفي القدم "مشاية" مصنوعة من البلاستك، (هذا هو الزي الذي كانت ترتديه والدتي وكل نساء القرية)».

أشد الصعوبات التي واجهتها السيدة "أمينة صبوح" ومعظم أهالي "بيت ياشوط"- في الماضي- تجسدت بحسب وصف السيدة صبوح بعملية نقل الماء والاستحمام، فتقول "صبوح": «كنا ننقل المياه على أكتافنا من نبع يسمى "عين الغار" مستخدمين "التنك"، إلا أن الأمور تطورت بعض الشيء في السبعينيات بوجود "السريجة" التي كانت توضع على ظهر "الدواب" ويتم نقلها، وبعد ذلك انتشر ما يعرف "بالراوي" وهو مصنوع من الجلد ويتسع لحوالي \5\ "تنكات" وكان ينقل على ظهر الدواب أيضاً.

أما الاستحمام فقد كنا نغتسل من ماء نهر الطواحين وكذلك كنا نغسل أطفالنا وثيابنا وثيابهم».

"بيت ياشوط" باتت اليوم قرية مخدمة بكل مقاييس على حد وصف "رواد حسنة" الذي قال: «تطورت "بيت ياشوط" كثيراً وشيد فيها مركز ثقافي ولها بلديتها الخاصة، بالإضافة إلى بعض المشاريع التنموية كمركز إنعاش الريف ومشروع نفاذ، كما أن الكهرباء دخلت القرية منذ ثمانينيات القرن الماضي، وحديثاً وصلت المياه إلى كل منزل».

تجدر الإشارة إلى أن مناطق السكن في "بيت ياشوط" على مساحة واسعة تقدر بحوالي "20" كم2 ويحدها من الشرق قرى (حلة عارا، حلبكو، الكروم) ومن الغرب (عين الشرقية) ومن الجنوب (بشراغي، وبسمالخ) أما من الشمال فتأتي قرى (متور وحرف متور ومزرعة بداما) وتحيط بها الجبال من كل الاتجاهات عدا الجهة الغربية.

أما المناخ فهو سابقا معتدل صيفا بارد جدا شتاء مع تساقط للثلوج عدة مرات في العام، أما في اليوم فقد أصبح المناخ معتدلا في الصيف والشتاء ونادرا ما تتساقط الثلوج.