بصوت قرع السندان ومطرقة شاب لا يهاب نار الحديد المنصهر بين يديه، تبدأ حكاية الفن الذي يجعل من قساوة الحديد أشكالاً وأدوات متنوعة ومتميزة وواسعة الاستخدام، مئات السنين مضت على عمر مهنة الحدادة الإفرنجية، فالمكان الذي يحويها بدأ يغادر حياته لتنتثر حجارته القديمة معلنة عمق الماضي ومدى ارتباطه إلى اليوم بكل ما هو قديم وشعبي قريب من الناس وبساطة العيش التقليدي البسيط.

موقع elatakia زار ثاني محال الحدادة الإفرنجية في محافظة "اللاذقية"، والتقى يوم الثلاثاء الموافق لـ10/3/2009 ابن صاحب المحل السيد "موفق فؤاد القاضي" الذي رجح تفردهم هم فقط بهذه المهنة في شتى أنحاء الساحل السوري.

المهنة في تراجع وضعف شديد، فالمنتجات الخارجية وفرت على الناس الكثير وضاربت على المهنة الأصلية والتي نلجأ لتفادي كسر نتائجها ببيع الفحم والعرجوم، ولكن هناك من يأتي إلينا منذ زمن لأنه يؤمن بصدق عملنا وجودته وإتقاننا له

يقول السيد "موفق القاضي" شارحاً سر إطلاق اللقب الإفرنجي على مهنته وتميزها عن باقي أنواع الحدادات:

الفرن الحجري القديم

«الحدادة الإفرنجية تعتمد على البساطة وعلى التقليدي في كل شيء، فيقتصر عملها على كل ما تقوم به اليد وربما ما تستطيع القيام به اليد العاملة بمفردها، فربما تقوم بإصلاح أداة زراعية أو حتى إحدى أدوات البناء الرئيسية، وفي النهاية الوصول إلى عمل جيد بجهد قد يكون في كثير من الأحيان كبيرا وصعبا».

يتابع الشاب "موفق القاضي" عمله يومياً بصحبة ابن عمه وقد ورث "موفق" المحال الواقع في منطقة ساحة "أوغاريت" الأثرية عن أبيه الذي عمل بالمهنة لأكثر من 60 سنة، حيث يبدأ عمله اليومي عند الساعة السادسة وينهي عمله عند ظهر كل يوم.

السندان الذي يعمل عليه موفق القاضي

يقول "موفق القاضي":

بعض الادوات الزراعية التي يصنعها موفق القاضي

«مهنتنا هي من المهن القديمة والقليلة التي دافعت عن وجودها وعن استمراريتها من بين المهن المماثلة، فبساطة أدواتنا وصعوبة عملنا هما شعاران يميزان ما نقوم به كل يوم خلال مقارعتنا للحديد القاسي، فيبدأ عملنا من تجهيز الفرن المعد لصهر الحديد للاستفادة منه في عمل ما، ويتم صهر الفرن الحجري القديم باستخدام مولد هواء يدفع الهواء نحو الفحم الحجري ليساعده على الاشتعال إذ أن الفحم الحجري هو آخر مشتقات البترول، ومن ثم نصهر الحديد المراد تصنيعه أو حتى إصلاحه للصول به إلى درجة تقدر بـ350 درجة، يشكل من الحديد المصهور ما يراد منه، ويسقى بالماء عدة مرات من أجل زيادة قساوته وقوته حتى انه ربما يصل إلى قساوة الحديد الفولاذ معروف بقساوته ومتانته».

يقوم "القاضي" الصغير بصناعة وتجهيز الأدوات الزراعية اليدوية البسيطة وأدوات البناء الرئيسية، ويبيع العرجوم والفحم في محل يرجح حسب قوله بأن عمره يصل إلى أكثر من 90 عاماً توارثه أجداده إلى أن وصلت مفاتيحه إليه هذه الأيام ومنذ عشرة سنين مضت.

يختم موفق حديثه لموقعنا ليتحدث عن واقع ومستقبل هذه المهنة:

«المهنة في تراجع وضعف شديد، فالمنتجات الخارجية وفرت على الناس الكثير وضاربت على المهنة الأصلية والتي نلجأ لتفادي كسر نتائجها ببيع الفحم والعرجوم، ولكن هناك من يأتي إلينا منذ زمن لأنه يؤمن بصدق عملنا وجودته وإتقاننا له».