الصناعات اليدوية والمهن الحرفية صناعات الآباء والأجداد وصلة الماضي بالحاضر وعنوان الأصالة والجودة، ففي مهنة اليوم الجديد لا يمحو القديم بل القديم ينافس الجديد، ويتفوق عليه بصناعة يدوية بحتة بدأها جدُّ الجدِّ؛ والله أعلم من سيرثها في القادمات من الأيام، فكل من يقصد مدينة "جبلة" لابد أن يقصد الحي القديم ليتعرف على ما يحويه من إرث الماضي المجيد ولكي يشهد كيف يصبح "قرن الخروف" سكيناً مصنوعة باليد ومكفولاً للأبد.

موقع eLatakia زار مدينة "جبلة" وتوجه إلى حي "الدريبة" حيث تنتشر الصناعات اليدوية القديمة، والتقى شيخ كار صناعة "السكاكين اليدوية" في "جبلة" الحاج "نضر يونس" الذي يقبع في دكانه الصغير ويصنع بيديه أفضل وأقدم أنواع السكاكين المصنوعة من "قرن الخروف" حيث حدثنا عن هذه الصناعة قائلاً: «مضى على بدء العمل بهذه الصناعة البسيطة أكثر من ثلاثمئة عام، وهي لا تزال يوماً بعد يوم تثبت أنها تستطيع مجاراة الصناعات الحديثة والتفوق عليها في الجودة وصلاحية الاستخدام، فهي تدوم سنوات طويلة وثمنها رمزي بينما السكين المصنعة بالآلات الحديثة ثمنها مرتفع، كما أنها لا تدوم سوى لأشهر قليلة».

كما أن الصًناع في مهنتنا أصبحوا شبه معدومين فأنا أعمل وحدي في هذا المحل ولا أحد يساعدني، ما يعزيني هو الخطة الجديدة التي وضعتها "بلدية جبلة" للمحافظة على هذه الصناعة وغيرها من الصناعات الموجودة في المدينة

ورشة الحاج "نضر" هي مركز استقطاب للسياح ولأهالي المنطقة فالجميع يقصدها ليشتري هذه "السكين" البسيطة المصنوعة باليد وبأدوات بدائية صنعتها يد البشر قبل فترة طويلة من الزمن، فالحاج ورث هذه المهنة عن إخوته الذين توارثوها عن آبائهم وأجدادهم وهو مازال يحافظ على الوسائل القديمة المستخدمة لصناعتها والتي تتألف من "كور النار- الجلخ القديم- الفحم الحجري- الملزمة- المنشار- المبرد- السبلة- مطرقة- بانسة لقط- خربر- سندان" إضافة إلى المادة الخام الرئيسية وهي "قرن الخروف"، هذه الأدوات يصفها "شيخ الكار" قائلاً: «كلها أدوات قديمة مضى على صناعتها عشرات السنين، وهي تستخدم من قبل أجدادنا بالمهنة منذ مئات السنين، ولا تزال تثبت مدى فاعليتها رغم منافسة الأدوات الحديثة وهي ما تزال الأفضل وأنا لا أستخدم سواها ولن أستخدم حتى أنتقل إلى رحمة الله».

قرن الخروف قبل الإستعمال

الطريقة التي تصنع بها هذه السكاكين هي كما يصفها لنا "الحاج" قائلاً: «البداية تكون بقرن الخروف الذي نقسَمه إلى ثلاثة أجزاء نستخدم كل جزء على حدة نطرَيه بالنار مستخدمين أداة "الخربر" وهي أداة الحرق بالفحم الحجري، ثم يتم تنظيفه باستخدام "بانسة اللقط" و"المبرد" بعدها ينشر بالمنتصف طولياً لإتاحة مكان لدخول الأداة الحادة، ثم يثقب ويبشم لتثبيت شفرة السكين التي تصنع أيضاً محلياً ويدوياً عن طريق قطعة حديدية تحرق بالنار وتدق بالمطرقة والسندان حتى تأخذ الشكل المطلوب، ثم نجلخها بأداة الجلخ القديمة الموجودة لدينا فتكون جاهزة ونبيعها للمواطن سكيناً مكفولة للأبد».

المخاطر المحيطة بهذه الحرفة القديمة هي مصدر إزعاج للحاج "نضر" فهي وكما قال: «كل السياح الذين يزورون المدينة يقصدون هذا المكان الصغير ليشاهدوا متعة هذه الصناعة القديمة كما أن الناس هنا يفتخرون بجودتها، لكن على ما يبدو سيأتي يوم تنتهي فيه هذه المهنة من المدينة لأن أبسط مقوماتها بدأت بالانقراض فالأدوات القديمة لم تعد موجودة، ولا أحد يصنّعها كما أن قرن الخروف الأداة الرئيسية لهذه المهنة أصبح هشاً وسهل الكسر نتيجة سوء تغذية الخراف التي لم تعد تأكل من الطبيعة وأصبحت تعتمد العلف السيئ بعكس أيام زمان عندما كان القرن صلباً وسهل الاستخدام».

عملية النشر.

ويضيف الحاج "نضر": «كما أن الصًناع في مهنتنا أصبحوا شبه معدومين فأنا أعمل وحدي في هذا المحل ولا أحد يساعدني، ما يعزيني هو الخطة الجديدة التي وضعتها "بلدية جبلة" للمحافظة على هذه الصناعة وغيرها من الصناعات الموجودة في المدينة».

بقي أن نذكر أن الحاج "نضر يونس" يبلغ من العمر ستين عاماً، وهو مازال يعمل في هذه المهنة منذ الطفولة المبكرة، كما أنه لا يبرح مكانه من السابعة صباحاً حتى السابعة مساءً.

السكين جاهز للاستخدام