التقديس الذي يحظى به جامع "السلطان ابراهيم" على سواحلنا السورية، والأطلال الفسيحة التي رصدت له تبين بوضوح أننا أمام ضريح مقدس تعود شهرته إلى الماضي البعيد، بل لأن "جبلة" ذاتها قد ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بـ"ابراهيم بن أدهم" حتى عرفت بجبلة الأدهمية.

وبما أنه يحظى بشهرة واسعة eLatakia وبتاريخ 5/11/2008 توجه إلى مديرية أوقاف "جبلة" والتقى "عبد الرحمن غلاونجي" رئيس شعبة الأوقاف في "جبلة" ليطلعنا على تاريخ الجامع وارتباطه بـ"ابراهيم بن الأدهم" وقال: «يرتبط تاريخ الجامع بالمتصوف الإسلامي "إبراهيم بن الأدهم" وهو عربي الأصل من قبيلة "بني عجل"، والده "أدهم" كان إنسان عادي تزوج بنت السلطان في أفغان وأنجب ولده "ابراهيم"، توفي "أدهم" عندما كان "ابراهيم" صغيرا فورث عرش الملك عن أبيه، وعندما أصبح فتى يافع جاءته رؤية في المنام (خلقت لحياة الزهد والدعاء للخير، ولم تخلق لحياة الترف والرفاهية)».

لقد كان متصوفاً كبيراً، والشيء الوحيد الذي ميزه عن غيره هو ترك الملك والسلطة وتصوفه، وحياة الزهد التي كان يعيشها بعدما جاءته الرؤية في منامه

وبما أن الرواة لم يحددوا سنة ميلاد "ابراهيم ابن أدهم" واختلفوا في مسقط رأسه طلبنا منه توثيقا عن تاريخ ميلاده فقال: «ولد "ابراهيم" في "بلخ" مطلع القرن الثامن الميلادي وبعد أن جاءته الرؤية في المنام هاجر إلى "بلاد فارس" ومن ثم "العراق" إلى "الأردن" فبلاد الشام واستوطن هناك ولم يلق أحسن من "بلاد الشام" في مقولة مشهورة له (ما تمنيت العيش إلا في بلاد الشام حاملاً تعاليم ديني متنقلاً من هضبة إلى هضبة، ومن جبل إلى جبل)، أما السنة التقريبية لوفاته (770) ميلادي ودفن في الجامع الذي سمي باسمه».

مأذنة الجامع وتظهر بجانبها سروة قديمة جداً و يقال أنه هو الذي ذرعها

وأوضح لنا "غلاونجي" مسيرة حياة السلطان "ابراهيم": «عرف عنه الأدب والصدق والسخاء والإيثار ورحمته بالناس، وكان مجاهداً شجاعاً ناضل وخاض المعارك ضد البيزنطـيين فكان صادقاً في زهده، علّم نفسه على الصبر، فقهرها وكبح جماح شهواتها وأهوائها وكان لا يقبل أن يعيش أحد إلا من ثمار عمله».

وبما أن مسيرة حياة "ابراهيم" شأنها كشأن أي شخص زاهد ومتصوف، ما الذي جعل له هذه الشهرة الواسعة وخصوصا جامعه الذي يذكرنا دائماً به فقال: «لقد كان متصوفاً كبيراً، والشيء الوحيد الذي ميزه عن غيره هو ترك الملك والسلطة وتصوفه، وحياة الزهد التي كان يعيشها بعدما جاءته الرؤية في منامه».

وبما أن جامع "السلطان" أثر معماري أصيل قاوم عوامل الزمن أطلعنا "عبد الرحمن غلاونجي" على المراحل التي تم فيها بناء هذا الجامع الضخم وقال: «هو أثر وتراث معماري أصيل له قباب مميزة ومئذنة قاومت عوامل الزمن، وأعمدة من الغرانيت والرخام محيطة بباحة الجامع، وفي الجامع حمام قديم يتميز بالقباب المتصلة والأقواس، وتبلغ مساحة المسجد حوالي (400) متراً مربعاً، وهو مبني من الحجر الرملي ويحتوي على ستة قباب متفاوتة الحجوم، وبني الجامع في السنين التي تلت وفاته مباشرة (778- 778) ميلادي، وأنشئ على ثلاثة مراحل وعلى مدى ثلاثة عصور، المرحلة الأولى بدأت ببناء غرفة فيها ضريح "ابراهيم بن الأدهم" وكان ذلك في العصر السلجوقي، وفي العصر المملوكي تم بناء المسجد والبركة والبلاط والبوابة، وأنهي بناؤه في العصر العثماني بإنشاء أربعة قباب رئيسية له في حرم الجامع وقبة صغيرة وجميعها تاريخية، بالإضافة إلى ترميم الواجهات وتجديدها وتجديد النوافذ والأقواس على الواجهات وتجديد المنارة».

وتابع قائلاً: «وفي عهد القائد "حافظ الأسد" أعيد بناء مئذنته بعد أن هدمتها صاعقة، وكذلك أعيد ترميم المسجد وأضافت مؤسسة الإسكان العسكرية قبتين صغيرتين، وأعادت ما هدم منه أو زال عبر العصور ليعود كما كان في السابق، وحالياً تقوم وزارة الأوقاف بعملية ترميم تشمل عزل الأسطح بالإضافة إلى تجديد المنارة لتأخذ شكل المئذنة العثمانية الأسطوانية».

ويقع جامع "السلطان ابراهيم" في الشمال الشرقي من المدينة القديمة وسط "جبلة" حالياً في منطقة "الصليب العقارية" وله ثلاثة مداخل متعامدة.

وأياً كان الوضع الذي وافت المنية فيه "ابراهيم" يبدو أن جثمانه قد نقل إلى مدينة "جبلة"، مع أنه لا توجد أسباب وجيهة تدفعنا للشك في أن جثمانه يستريح في مرقده الأخير في هذه المدينة، إلا أن الكثير من مؤلفي القرن الرابع والخامس عشر قد ذكروا أن ضريح الوالي في "جبلة".