حمام من الحجر بناه المماليك واستحم فيه أبناء مدينة "جبلة" وهو أكبر حماماتها، أعيد ترميمه في منتصف القرن السابع عشر فعاد له ألقه مجدداً. إلا أنه اليوم يعاني ما يعانيه وهو بأمسّ الحاجة للترميم والتأهيل وفتح أبوابه من جديد إما للاستحمام أو لاستقبال السياح الذين يشاهدونه فقط من الخارج دون الدخول إليه.

موقع "eSyria" التقى بتاريخ 25/1/2011 المهندس "ابراهيم خيربك" رئيس دائرة آثار "جبلة" الذي حدثنا عن تاريخ هذا الحمام الأثري بالقول: «لم يذكر الرحالة والمؤرخون الذين مروا بالمدينة في فترة العهد المملوكي وما بعد أي معلومة عن وجود حمام "التصاوير" أو أي حمام آخر بذات المواصفات، لذلك فإن المعلومات عنه ضحلة بعض الشيء، لكن قد جاء ذكر لمعلومة تاريخية وحيدة استطعنا الحصول عليها وهي تشير إلى أن الحمام ينتمي إلى الفترة المملوكية وتحديداً إلى فترة حكم السلطان "منصور بن قلاوون" الذي تعود له تسمية مسجد المنصوري الكبير المجاور للحمام.

يوجد داخل الحمام الكثير من اللوحات والرسوم المعمارية على شكل صور أو تصوير لشكل معماري معين ومن هنا استمد اسم الحمام "التصاوير" أي كثرة الصور

لقد ذكرت بعض المطبوعات التي حصلنا عليها معلومات عن أن بناء الحمام في عهد السلطان "منصور" كان على يد الحاج "محمد المطرجي" إلا أن هذه المعلومة تشير إلى زمن ترميم الحمام وليس إلى زمن بنائه حيث تم قراءة الاسم دون قراءة كامل اللوحة الكتابية الموجودة على باب الحمام والمؤرخة بالعام 1074 هـ الموافق للعام 1664 م».

بوابة المال

من خلال المخطط العام للحمام نلاحظ أنه بني على نمط الحمامات المملوكية وهذا ما يؤكده المهندس "خيربك" بالقول: «بني الحمام على نمط الحمامات المملوكية الباكرة والتي استخدم فيها نظام القبب المزدوجة بفتحات زجاجية تسمح بدخول أشعة الضوء وتسهل في تهوية الحمام من الداخل، إضافة إلى وجود المقرصنات المملوكية».

يعيش داخل هذا الحمام حتى يومنا هذا صاحبه السيد "محمد عبدو" الذي لازمه منذ حوالي "60" عاماً تقريباً وعنه يقول: «لقد اشتريت هذا الحمام بالمزاد العلني في خمسينيات القرن الماضي وهو عقارياً يحمل الرقمين \435 و436\ وكان حينها متوقفاً عن العمل فأعدت تشغيله من جديد بسعر معقول وكان أجر الاستحمام في أفضل الأحوال ليرة واحدة فقط، وقد حظي قراري بإعادة تشغيله برضا أغلبية أهالي المدينة الذين تسارعوا لزيارته والاستحمام فيه من جديد.

السيد محمد عبدو

لكنه ومع مرور الزمن تراجع الاقبال على الحمامات العامة بسبب انتشار الحمامات في المنازل فأقفلته وجعلته من إحدى زواياه منزلي الذي أقيم فيه لكنني عجزت عن الحفاظ عليه أمام تعديات الجيران الذي أخذوا أجزاء منه وبنو عليها، كما انه تهدمت أجزاء من القسم الجنوب الشرقي فيه من بين الأجزاء المهدمة الجدار الذي كثيراً ما يقوم البعض بحرق النفايات بقربه.

بدوري حاولت جاهداً ووجهت كتباً عديدةً من أجل صيانته والحفاظ عليه لكن دون استجابة تذكر».

شجرة تخترق سقف الحمام وتخرب جزءً منه

حمام التصاوير من أكبر الحمامات في المنطقة وأكثرها سعةً وقد بني بطريقةٍ أنيقة حدثنا عنها وعن أقسامه المهندس "ابراهيم خيربك" قائلاً: « بني حمام التصاوير من الحجر الرملي المنحوت بمقاييس مختلفة بنيت بشكل غير متناظر ومن المرجح أن الجدران الخارجية تعرضت لأكثر من عملية ترميم، أما بالنسبة للمخطط العام فهو يتألف من ثلاثة أقسام رئيسية؛ أولها القسم "البراني" الذي يتم الدخول إليه بشكل غير مباشر بعد اجتياز الجدار الذي يحجب الرؤية أمام المدخل للقادمين من الخارج، وفي هذا القسم فسحة يحيط بها ثلاثة أواوين ويتوسطه بحرة مثمنة الشكل، وهذا الجزء مغطى بقبة دائرية ذات رقبة مثمنة الشكل مزودة من الداخل بمقرصنات ذات طراز مملوكي، ويتصل بهذا القسم من الجهة الجنوبية غرفة لتغيير الملابس.

القسم الثاني هو أصغر أقسام الحمام وهو مغطى بقبة دائرية مزودة بأواني زجاجية مفرغة.

القسم الجواني ويتألف من فسحة مركزية محاطة بأربعة أواوين (على شكل صليب) ويتصل به عدد من الغرف الصغيرة، يغطي هذا القسم قبة دائرية مزودة بالزجاج المفرغ.

كما يحتوي الحمام على قسم للخدمات يضم خزان المياه مع حجرة التسخين، وللحمام نظام صرف صحي يتجه مباشرة نحو البحر، كما يوجد شبكة توزيع للمياه الحارة والباردة تمر ضمن الجدران».

يمتلك هذا الحمام خصوصيةً واضحة بالنسبة لأهالي "جبلة" وخصوصاً كبار السن الذين شهدوا هذا الحمام وأجروا عملية الاستحمام فيه، ومن بين من استحموا به الحاج "عاطف حج إبراهيم" الذي تحدث عن تلك المرحلة بالقول: «لم يكن لدينا حمامات في المنازل وإذا كان الشخص مضطراً للاستحمام فعليه أن يقوم بتسخين الماء على الحطب أو "بابور الكاز" ومن ثم يستحم في مكان غير مجهز لذا فإن أغلب الناس كانوا يستعيضون عن هذه العملية بالتوجه نحو الحمامات العامة، ونحن كنا نتوجه إلى حمام التصاوير وأذكر أول مرةٍ زرته كانت مع العائلة وهي ذكرى أستحضرها كالحلم نظراً لصغري في السن، وبعد تجاوز مرحلة الصغر أصبحنا نتوجه إليه بمفردنا ونقيم السهرات والجلسات ونتناول الأطعمة والفواكه».

هناك الكثير من الأساطير حول هذا الحمام وكلها تحوم حول الجن فالسيد "عبد القادر رسلان" الذي صادفناه خارجاً من مسجد المنصوري المجاور بمجرد أن قلنا له ماذا تعرف عن هذا الحمام أجاب: «يسكنه الجن هكذا قالوا لنا في الماضي؛ أنا لم أدخله لكني كثيراً ما أنظر له من الخارج وأمر بقربه، لقد روي لنا العديد من الروايات عن سماع صوت الجن فيه ورؤية أشياء غريبة لكنني لم أشاهد شيئاً».

ولمعرفة سبب تسميته باسم "حمام التصاوير" التقينا الباحث التاريخي "طه الزوزو" الذي فسر لنا ذلك بالقول: «يوجد داخل الحمام الكثير من اللوحات والرسوم المعمارية على شكل صور أو تصوير لشكل معماري معين ومن هنا استمد اسم الحمام "التصاوير" أي كثرة الصور».