يعتبر العزف على آلة "الربابة" من التقاليد العريقة لدى سكان وادي "الفرات"، شأنهم في ذلك شأن العديد من المدن العربية، وقد كانت هذه الآلة حاضرة في الكثير من مناسباتهم الاجتماعية، وقد اشتهر أبناء البادية بالاهتمام بها أكثر من غيرهم، حتى أن أغلبهم كان يقتنيها ويضعها في مكان بارز في بيت الشعر، تعبيراً عن تمسكهم واعتزازهم بهذا التقليد العريق، كما كانوا يقومون بصناعتها بأنفسهم والعزف عليها.

وللحديث عن هذا الموضوع، التقى موقع eRaqqa بتاريخ (13/2/2009)، الأستاذ "عبد الكريم الجوهر" الشاعر الشعبي الرقي، حيث راح يحدثنا عن هذه الآلة بقوله: «لقد كانت "الربابة" ولقرون عديدة، رفيقة لسكان الصحراء والبادية ومؤنسة لوحشتهم، فرتابة الحياة هناك لم يكن يخفف من وطأتها، سوى هذه الآلة الشجية، التي لم يعرف سكان هذه المناطق في مجالسهم آلةً سواها، وقد كان عازف "الربابة" يؤدي بصوته كافة الأغراض التي يتناولها الشعر الشعبي، من مديحٍ وفخرٍ ورثاءٍ وغيرها من الأغراض الأخرى.

في الحقيقة لا يوجد أي معلومات مؤكدة عن هذا الموضوع، لكن هناك حكاية يتناقلها الناس، وهي كما أعتقد حكاية لا أساس تاريخي لها، فشخصياتها غير معروفة، كما أن الزمن الذي حدثت فيه غير محدد، وتدور أحداثها على الشكل التالي: يحكى أن رجلاً اتهم زوجته اتهاماً باطلاً، فما كان منها إلا أن تركت منزله وعادت إلى أهلها، وبعد فترة اكتشف الرجل حقيقة الأمر، وأنه قد ظلم زوجته، وعندما حاول استرجاعها رفضت بشدة، ونتيجة إصراره على عودتها، طلبت منه شرطاً مستحيلاً، قصدت من ورائه سد جميع الأبواب في وجهه، حيث قالت له: «لن أعود إليك حتى يتكلم العود

وغالباً ما يكون هناك عازف محترف "للربابة"، ويطلق عليه اسم الشاعر، يطوف على شيوخ العشائر ووجهاء القوم، مادحاً إياهم بأجمل الأشعار، وكانت ترافقه آلته التي تضفي حالة من الطرب تبعث النشوة في نفوس المستمعين، وكلما أجاد الشاعر في الأداء، أجزل الشيوخ والوجهاء له العطاء، والعزف على "الربابة" له طقوس خاصة، تتعلق بالزمان والمكان، فالعزف عليها عادة ما يكون في المجلس أو البيت، ولا يجوز العزف عليها في الأماكن الأخرى، وكونها وسيلة للترويح عن النفس، فإن المساء هو الوقت المناسب للعزف عليها، لذلك لا نرى البدوي يصطحبها معه أثناء الرعي، على خلاف آلة "الناي" أو "الشبَّابة"، التي يمكن العزف عليها أثناء الرعي».

الأستاذ عبد الكريم الجوهر

وبسؤاله عن الأجزاء التي تتكون منها "الربابة"، أجاب بقوله: «تعتبر "الربابة" من الآلات السهلة الصناعة، وهي تتألف من مربع خشبي، مثقوب من الأعلى ومن الأسفل، ليتم بعد ذلك تغليف هذا المربع، وهو هيكل "الربابة"، من الأمام ومن الخلف، بجلد الماعز أو الغزال، أو غيره من جلود الحيوانات التي تتميز برقتها، وتثبيت الجلد عادة ما يتم باستخدام دبابيس صغيرة على شكل مظلة، وهي تعطي مظهراً تزيينياً "للربابة"، وسابقاً كان يتم استخدام الخيوط بدلاً من الدبابيس، وهذه العملية تسمح بمضاعفة الصوت الذي يصدر عن "الربابة"، من خلال الذبذبات التي يحدثها الجلد الرقيق، ويساعد على ذلك أيضاً التجويف بين الجلدين، كل ذلك شريطة أن يبقى الثقبين في أعلى وأسفل الهيكل ظاهرين، ليتم إدخال عصا طويلة ذات شكل اسطواني فيهما، حيث أن نصف العصا يكون داخل المربع الخشبي، وهو الجزء المخفي، ولا يظهر منه سوى خمسة سنتيمترات في أسفل المربع.

أما الجزء الآخر منها فيكون ظاهراً في أعلى المربع، ليشكل عنق "الربابة"، ويسمى "المقبض" أو "الزند"، وهو الذي يثبت عليه الوتر بواسطة مفتاح خشبي يدعى "المَشَدْ" أما وتر "الربابة"، وهو (الوتر الوحيد) فتتم صناعته بواسطة خصلة من شعر ذيل الفرس، ويطلق عليه أهل البادية اسم "السبيب"، ويتم تثبيت الوتر، بربطه بأسفل المربع، ثم شده بواسطة المفتاح الخشبي الذي يدعى "المَشَدْ"، والذي يكون مثقوباً لإدخال الوتر فيه، ثم يبرم هذا المفتاح كما "البرغي" ليبقي الوتر مشدوداً، ويوضع تحت الوتر، في أسفل "الربابة" قطعة صغيرة من الخشب تسمى "الغزال" لتضمن ارتفاعه عن الجلد، و تجعله مشدوداً، وقطعة أخرى من القماش توضع تحت الوتر أيضاً لكن من الجهة العلوية عند "المقبض"، وتسمى "المخدة"، وهي تؤدي ذات الدور الذي يؤديه "الغزال".

الربابة التقليدية

أما القوس فيصنع عادةً من عود "الخيزران" أو "الرمان" أو "اللوز"، وذلك بسبب مرونة هذه الأعواد، ويشدُّ عليه خصلة من شعر ذيل الفرس، ونتيجة احتكاك وتر القوس بوتر "الربابة" يصدر الصوت المميز "للربابة"، ولا بد للعازف أن يمسح وتر قوسه قبل العزف، بمادة صمغية "اللبان"، مأخوذة من السائل الذي تفرزه أشجار "السرو" أو "الصنوبر"، وذلك بعد تيبسها، حيث أنها تعطي خشونة لوتر القوس، تساعد على وجود احتكاك أكبر مع وتر "الربابة"».

وعن التاريخ الذي تم فيه اختراع آلة "الربابة"، يقول "الجوهر": «في الحقيقة لا يوجد أي معلومات مؤكدة عن هذا الموضوع، لكن هناك حكاية يتناقلها الناس، وهي كما أعتقد حكاية لا أساس تاريخي لها، فشخصياتها غير معروفة، كما أن الزمن الذي حدثت فيه غير محدد، وتدور أحداثها على الشكل التالي: يحكى أن رجلاً اتهم زوجته اتهاماً باطلاً، فما كان منها إلا أن تركت منزله وعادت إلى أهلها، وبعد فترة اكتشف الرجل حقيقة الأمر، وأنه قد ظلم زوجته، وعندما حاول استرجاعها رفضت بشدة، ونتيجة إصراره على عودتها، طلبت منه شرطاً مستحيلاً، قصدت من ورائه سد جميع الأبواب في وجهه، حيث قالت له: «لن أعود إليك حتى يتكلم العود»، والمقصود هنا عود الشجر، وعندما سمع الرجل هذا الشرط، وقع في حيرة من أمره، وراح يبحث عن شخص يساعده على تحقيقه، فكان أن التقى بعجوز في البادية تتصف بالحكمة والدهاء، حيث أكدت له أن الأمر بسيط، وطلبت إليه أن يحضر لها مواداً هي نفس المواد التي تستلزمها صناعة "الربابة"، وبعد صنع الآلة العجيبة، بدأت تعلمه كيفية العزف عليها، وعندما أتقن العزف بشكل جيد، عاد إلى منزل أهل زوجته، وطلب لقائها ليحقق لها شرطها، وليؤكد للجميع أنه فعل المستحيل ليعيد زوجته إليه، وكم كانت دهشة الجميع، عندما سمعوا الصوت الذي صدر عن "الربابة" والتي صنعت من عود الشجر، والتي بدت كما لو أنها تتكلم، وبذلك عادت الزوجة إلى بيت زوجها، بعد أن عرفت مدى محبته لها».

شاعر الربابة إبراهيم الاخرس

ومن الجدير ذكره أن أشهر شعراء "الربابة" في محافظة "الرقة"، هما الفنانان "حسين الحسن" و"إبراهيم الأخرس"، حيث ارتبط اسمهما "بالربابة" ارتباطاً وثيقاً، ومازال الأخير يحيي العديد من الحفلات على هذه الآلة سواء داخل القطر أو خارجه، وذلك مع فرقة "الرقة" للفنون الشعبية.