«يتكون الزي التقليدي للرجال في محافظة "الرقة"، من غطاء الرأس "الشماغ" أو "الجمدانة" والثوب الطويل والعباءة، بالإضافة لـ"العقال"، وفي اللهجة المحلية يلفظ "العكال"، وذلك بقلب حرف القاف جيماً مصرية، وهناك الكثير من الأغاني الشعبية التي تغنت بالعقال، ومن أشهر أغاني "الرقة" الشعبية في هذا الصدد، أغنية (عدِّل عكالك زين، اقعد قبالنا.... وأنت وليدٍ زين اعجبت أهلنا)».

هذا ما قاله الباحث "محمد العزو"، لموقع eRaqqa بتاريخ (13/2/2009)، وبسؤال "العزو" عن الحقيقة التاريخية، لنشوء فكرة استخدام "العقال" كزي للرجل، والتطورات التي لحقت ذلك، أجاب: «في الحقيقة إن تسمية "عقال" جاءت من عقال الناقة، وهو حبل دائري الشكل يربط برجل الناقة كي لا تتحرك، وقد كان البدو يحرصون على هذا الحبل أثناء تجوالهم مع قطعان الإبل، وكانوا يضعونه غالباً فوق رؤوسهم، كي لا يضيع، وليبقى قريباً منهم، بسبب كثرة استعماله، وبعد ذلك أدرك البدوي فائدة "العقال" في تثبيت غطاء الرأس، والذي يدعى"الشماغ" أو "الجمدانة"، وشيئاً فشيئاً، صار "العقال" جزءاً من زي البدوي، وبدأ يهتم بجودة صناعته وجمال مظهره، وذلك بسبب تغير طبيعة استعماله، وبعد ذلك تحول هذا "العقال" من مجرد كونه حبل تعقل به الناقة، أو زي يستعمله الرجال، إلى رمز يفخر به سكان مناطق واسعة من أنحاء الوطن العربي، وأهمها سورية والخليج العربي وبلاد الشام عموماً، فالعقال الذي يوضع على رأس الرجل، أصبح له مدلولات تتعلق بالكبرياء والكرامة، وبالتالي فإن إسقاط "العقال" عن رأس أحدهم عمداً، كان يكلف فاعله الكثير، طبعاً هذا الكلام يعود لعشرات السنين».

لقد تعددت الروايات والآراء في تفسير سبب اختيار اللون الأسود "للعقال"، ولكن لا توجد لدينا أية معلومات دقيقة، عن سبب اختيار العرب لهذا اللون، لكن هناك من يقول: إن اللون الأسود ما هو إلا تعبيرٌ عن حزن المسلمين لفقدان "الأندلس"، فبعد أن فقدوها وضعوا "العقال" الأسود، وأصبح ذلك لونه حتى يومنا هذا، وقد كان لونه سابقاً أبيضَ، وأنا شخصياً لم أحقق في هذه المعلومة، لذلك لا أستطيع سوى أن أنقل هذه المعلومة دون تأكيدها

وعن الرموز والدلالات، التي يعبر عنها "العقال"، يتحدث "العزو" قائلاً: «للعقال العديد من الرموز، التي يفهمها غالبية الناس في منطقتنا، وذلك منذ القديم وحتى يومنا هذا، فإمالة "العقال" إلى مقدمة الرأس، أي تنكيس "العقال"، كان دلالة على الحزن الشديد، أما إمالته إلى أحد الجانبين، فتشير إلى اعتداد الرجل بنفسه، وهناك حالتان يضع فيهما الرجل "العقال" برقبته، وذلك عندما يمثل أمام القاضي، ويكون متهماً بجريمة ما، أو عندما يكون "دخيلاً" عند أحد الرجال، و"الدخيل" هو الذي يطلب حمايته من خطر محدق، وهو يشبه اللجوء السياسي في أيامنا هذه.

الباحث محمد العزو أثناء اللقاء

وهناك حالات يمتنع على الرجل ارتداء "العقال" فيها، وإلا تعرض للسخرية أو اللوم، ومنها حالة تعرض الرجل لمساس بشرفه، وذلك عندما تقدم ابنته أو أخته أو إحدى قريباته على القيام بعمل يسيء لسمعة العائلة، وهنا لا يمكن للرجل أن يرتدي عقاله، حتى يغسل عاره، وذلك بقتل من ألحق به العار، وهناك حالة أخرى لا يرتدي فيها الرجل "العقال" وهي حالة وفاة أحد الأقارب أو الأعزاء، حيث أن "العقال" يعتبر نوعاً من زينة الرجال، وبالتالي لا يجوز التزيُّن في مثل هذه المناسبات، وكثيراً ما يستعمل "العقال" للدفاع عن النفس، حيث أن طوله وثقله، يجعله شبيهاً بالسوط، كما أن الأب لم يكن يضرب أولاده بالعصي لتأديبهم إذا ما ارتكبوا خطأً ما، فالعصي للحيوانات، بل كان يضربهم بالعقال لتأديبهم، وعدم إذلالهم في الوقت نفسه، وأغلب هذه العادات انقرضت تقريباً منذ سنوات طويلة».

وعن سبب اختيار اللون الأسود للعقال، يقول "العزو": «لقد تعددت الروايات والآراء في تفسير سبب اختيار اللون الأسود "للعقال"، ولكن لا توجد لدينا أية معلومات دقيقة، عن سبب اختيار العرب لهذا اللون، لكن هناك من يقول: إن اللون الأسود ما هو إلا تعبيرٌ عن حزن المسلمين لفقدان "الأندلس"، فبعد أن فقدوها وضعوا "العقال" الأسود، وأصبح ذلك لونه حتى يومنا هذا، وقد كان لونه سابقاً أبيضَ، وأنا شخصياً لم أحقق في هذه المعلومة، لذلك لا أستطيع سوى أن أنقل هذه المعلومة دون تأكيدها».

الشماغ والعقال من أزياء الرجال العريقة

وبسؤال "العزو" عن كيفية صناعة "العقال"، أجاب: «يصنع "العقال" من مادة الصوف بعد أن يتم غزلها وصبغها, بعد ذلك تبدأ عملية لف "العقال" وهي عملية ليست سهلة, حيث تتم بواسطة اليد وآلة بسيطة, هي عبارة عن خشبة ومطرقة, والنوع الذي يفضله كبار السن هو المصنوع يدوياً بشكل كامل، وللعقال أنواع وأحجام، وتبعاً لها تتغير الأسماء فهناك "عقال الصوف"، و"عقال الوبر"، و"المرعز"، و"عقال المخمل"، وغيرها من الأنواع.

و صنع "العقال" يحتاج لكمية كبيرة من الخيوط، تجمع على شكل حبل لتعطي "العقال" المرونة اللازمة، تلف بخيوط ناعمة سوداء، وقد تزين بخيوط أخرى لامعة، وطريقة لف هذه الخيوط السوداء هي التي تعطي للعقال اسمه وتحدد نوعيته.

طفل يعتز بزي أجداده

والعقال المصنوع يدوياً، في طريقه إلى الانقراض، فقد كان هناك العشرات من صنَّاع "العقال" سورية، خاصة في "دمشق" و"حلب" فلم يبقَ منهم سوى عدد قليل، ويعود السبب إلى منافسة "العقال" الجاهز الذي سيطر على الأسواق، والذي يأتي من دول الخليج العربي، أو الصين، أو "انكلترا"، وهذا الأخير يعتبر من أغلى الأنواع، وقد كان "العقال" يستخدم لتثبيت "الشماغ" على الرأس، خاصة عندما تكون السماء ممطرة، أو عندما تأتي عاصفة، وكان "العقال" يفصل على حسب مقاس الرأس فيوضع على الشماغ، ثم يقوم بتحريكه حتى يكون ثابتاً، ويتدلى منه خيطان طويلان».