"الهبرية" في اللغة: ما طال من زهب القطن، وما تناثر من القصب والبردي وما طار من الريش، وما يتعلق بأسفل الشعر مثل النخالة ويعرف بقشرة الرأس، تستخدم هذه المفردة في الريف الفراتي عموماً، والرقي خصوصاً كمرادفة لمفردة "هباري"، و"الهباري" كما هو معروف: أحد أشهر الأزياء النسوية الرقية، والذي يستخدم كعصابة على الرأس.

تنسب "الهباري" إلى العراق فيقال "هباري" عراقية، وتنسب إلى بعض مدنه فيقال "هباري" موصليّة، كما ينسب إلى مدينة "حلب" السورية فيقال "هباري" حلبية. تستخدم الرقيّات من "الهباري" أنواع عدة، وبألوان وأسماء مختلفة، (رقاب الحمام، نثر الحنة، سنون الجرجر، الوارد، ورد "الموصل"، البرقان)، أما ألوانها فمنها الأحمر ومنها الأزرق، ومنها الملون مابين الأسود والأحمر، وما بين الأسود والأبيض، ومنها ذو لون ثلاثي يجمع الأحمر والأصفر والأبيض (خد "أسعد") والأبيض والأسود والأحمر (الوارد).

يمكن تعريف "الهباري" بأنها قطعة قماشية حريرية، على شكل مربع قطره متران يمتاز بنعومة الملمس، فيقال من ذلك (أنعم من "الهباري") تحوله المرأة الرقية إلى مثلثين متطابقين وتضعه على رأسها، ثم تقوم بطيه وشده حتى تتمكن من رسم العصابة بالشكل المتعارف عنه بين النساء، ولا تجيد ذلك إلا الماهرة منهن.

فتاة رقية بالزي الشعبي

لم تغب تلك الصورة الجميلة "للهباري" عن عين الشاعر الفراتي، سيّما وأنها ترسم كعصابة للرأس. فلقد احتلت الصدارة في وصف شاعر العتابا، حيث يصف الحبيب الذي رسم "الهباري" بعناية، وذهب لجلب الماء من المورد.

شطف جوز "الهباري" وراح ورّاد/ منسف جعوده على المتنين ورّاد

امرأة رقية للفنان علي شيخو

يا ريت اليحرم الرايـد من الرّاد/ يموت ولا يصــير لوه ضنـى

وهي معطرة في وصف شاعر الموليّا واللائي يرتدينها يبدون كالغزلان يرتعن في أرض (الحنو)

غلاف كتاب قبسات من الشعر الفراتي

إمعطرات "الهباري" بأرض الحنو رامن/ ضمر عطاشى اخملهن ولف رامن

بالله يصدرها لـــولا حذف الرمان/ عطشان منو يا باري يا برد ميّـه

ويراها ملبوسةً فوق ثوب (الجز):

رحنا نتصيد قطا نسمع نغيط الــوز/ يا لابسات "الهباري" فوق ثوب الجز

ريت الحرمني حبيبي يصير نومو فز/ يموت جنب وجنب والكفن عاريّـه

وهي تشبه خدود الحبيب في وصف الشاعر اللكاحي:

لاقعد على شاطي المي وأتعجب بالجاري/ خدّ على غاليتي انعم من "الهباري"

ولم يرتد حبيبه "الهباري" العراقية فحسب، بل أنه أرفق معها (زبون)، (لب الجوخ)، ذلك الحبيب الذي بيده قرار الزواج فيتوسل إليه ليوافق على ذلك:

يابو زبين لب الجوخ يابو "هباري" عراقي/ الحكم عايد ليدك دخيل بيض وراقي

أما شاعر "النايل" فيجد نفسه في مصيبة عندما يرى حبيبه وقد لثم وجهه بـ"الهباري" حيث لاقاه صدفةَ:

الله بلاني حبيبي دوم زعلاني/ لف "الهباري" لثم لمن تلقاني

هذه هي صورة "الهباري" فراتيّاً ورقيّاً، رقيقة ناعمة كملمسها تحمل بين طيّاتها نسائم الفرات، وأسرار جماله، وروعة متجددة ومتألقة، كشقائق "النعمان" في عام تغنى به الفراتيون، وشدوا بربيعه الزاهي وبألوان وروده التي تناثر شذاها وتمرمغ على خدٍّ جميل كساه الحسن زهواً، ورواه الحب عشقاً، وغناه شادٍ على سفح ربوة.

المصادر:

• شعراء الموليا في القرن العشرين، تأليف "محمد الموسى الحومد"، دار "الغدير"، "سلمية"، عام /2000/.

• قبسات من الشعر الفراتي، دراسة موسعة في العتابا والموليا والنايل، تأليف "محمد الموسى الحومد"، دار "الصفدي"، "دمشق"، /1995/.