يطلق اسم المجبِّر العربي على الشخص الذي يمارس مهنة تجبير كسور العظام لدى الإنسان، وذلك بأساليب شعبية وبدائية ودون دراسة أكاديمية، ويتم تعلُّمها عن طريق الممارسة العملية، ويتم تناقل هذه المهنة غالباً داخل الأسرة الواحدة، حيث يقوم الأب بتعليمها لأبنائه وهكذا دواليك، وتعتبر مهنة المجبِّر من أقدم المهن التي عرفها الإنسان، وذلك بسبب الحاجة الملحَّة لها منذ زمن بعيد، وإلى الآن مازال المجبِّر العربي يحافظ على مهنته القديمة أمام التقدم العلمي والطبي، في مجال معالجة الكسور بشتى أنواعها وأشكالها.

بتاريخ (6/10/2008) التقى موقع eRaqqa بأشهر مجبِّر عربي في محافظة "الرقة"، وهو السيد "إبراهيم الأحمد العكرب"، وبسؤاله عن بداياته مع هذه المهنة، وكيف تعلَّمها تحدَّث قائلاً: «لقد كان والدي مجبِّراً شهيراً في منطقة "تل أبيض" التابعة لمحافظة "الرقة"، وقد كان الناس من كافة القرى والمناطق المجاورة، يأتون إليه للعلاج في قريته "درب حسن"، وقد لاحظ والدي اهتمامي الشديد بالعمل الذي يقوم به، حيث كنت أجلس بجانبه عندما كان يبدأ بتجبير الكسور، وأساعده أحياناً في تحضير الأدوات اللازمة للمعالجة، وبناءً على ذلك قرر أن يعلِّمني أصول المهنة وأسرارها، علماً أننا كنا تسعة أخوة نعيش في بيت واحد، وبدأت أمارس المهنة بشكل فعلي، منذ عام /1963/، ثم انتقلت إلى مدينة "الرقة" في عام /1978/ ومازلت أمارس مهنتي حتى يومنا هذا».

في الواقع هناك الكثير من حالات الكسور التي لا أتدخل أبداً في علاجها، كالكسور التي تصيب الكتف والحوض والعضد والفخذ، حيث أترك أمر علاجها للطب الحديث، وقديماً قالوا: «رحم الله امرأً عرف حدَّه فوقف عنده

ولدى سؤاله عن الحالات التي يختص في معالجتها، وما هي النتائج التي تحققها طريقته في العلاج، أجاب: «في الواقع هناك الكثير من حالات الكسور التي لا أتدخل أبداً في علاجها، كالكسور التي تصيب الكتف والحوض والعضد والفخذ، حيث أترك أمر علاجها للطب الحديث، وقديماً قالوا: «رحم الله امرأً عرف حدَّه فوقف عنده»، وتتركز معالجتي للكسور التي تصيب الساق والزند، وهي الحالات الأكثر شيوعاً بين الناس، أما عن نتائج طريقتي في معالجة الكسور، فأنا والحمد لله إلى الآن لم أخفق ولا مرة في علاج الكسور التي اختص في علاجها مهما كان نوعها، فخلال ممارستي لهذه المهنة على مدى /45/ عاماً، عالجت آلاف الأشخاص، وكنت ألتقي بمعظمهم بعد مضي فترة من علاجهم، وكانوا يشكرونني ويثنون على خبرتي».

أثناء وضع الجبيرة

وعن سبب إقبال الناس على معالجة الكسور بالطريقة الشعبية، أجاب "العكرب": «في الواقع إن الإقبال شديد على العلاج عن طريق المجبِّر العربي، فأنا مثلاً أستقبل سنوياً ما يزيد عن ثلاثمئة شخص تقريباً.

أما عن سبب هذا الإقبال فأعتقد أن الأمر يعود إلى أن مهنة المجبِّر العربي، هي مهنةٌ عريقة، ولها مكانتها وحضورها في الذاكرة الشعبية الرقاوية، حيث أنه منذ عقود قليلة لم يكن في "الرقة" أي طبيب يختص في معالجة الكسور، بل كان الطبيب الوحيد الذي يقوم بهذا الدَّور هو المجبِّر العربي، حيث كان يسعف الناس ويعالجهم، ويوفر عليهم الجهد والمال، سيما إذا عرفنا أن أقرب محافظة كان يتوفر فيها اختصاصيون في معالجة الكسور هي محافظة "حلب"، ناهيك عن النتائج الإيجابية التي يحققها المجبِّر العربي، وهناك سبب آخر له علاقة بتكاليف العلاج، حيث أن تجبير الكسور لدى الأطباء يكلِّف اليوم آلاف الليرات، بينما المجبِّر العربي لا يتقاضى أجراً كبيراً عن عمله، فغالباً لا يتعدى أجره الخمسمئة ليرة سورية، وهناك الكثير من الحالات التي عالجتها ولم أتقاضى عليها أجراً، وأكتفي فيها بدعاء المريض وذويه، لي ولعيالي بالخير والصحة».

الإنتهاء من عملية التجبير

وعن الخطوات التي يتَّبعها في مجال تجبير الكسور، تحدَّث "العكرب" بقوله: «هناك نوعان من الحالات التي تصادف المجبِّر العربي، الحالة الأولى: وهي أن يأتي المريض إلى المجبِّر، مباشرةً وفور حدوث الكسر، وهذه الحالة هي الأسهل للمجبِّر، والأقل ألماً للمريض، أما الحالة الثانية: فهي أن يأتي المريض بعد مضي مدة طويلة من تعرُّض يده أو ساقه للكسر، وتحدث هذه الحالة عندما يُهمل الشخص تجبير الكسر أو يعالجه عند شخص غير خبير.

أما طريقة علاج الحالة الأولى فهي كالتالي: قبل كل شيء لا بدَّ من الإطلاع على الصورة الشعاعية للكسر، وسابقاً كانت أصابعي هي المجسُّ الوحيد لمعرفة طبيعة الكسر. ثم نقوم بتعديل الكسر، وإعادة العظم المكسور إلى وضعه الطبيعي، ونستخدم عادةً لهذه العملية زيت الزيتون، ونضع القطن على موضع الكسر، ونلف الجبيرة على الكسر، وهي مؤلفة من مادة الطحين الممزوج بالماء (العجين)، ثم نثبت الكسر بواسطة قطع من الخشب، نضعها فوق الجبيرة، ثم نشدُّها بواسطة خيط.

الأدوات المستخدمة لتجبير الكسور

أما الحالة الثانية فلها طريقة مختلفة بالعلاج، وهي الحالة الأكثر صعوبة والأشدُّ ألماً للمريض، ويجب علينا أن نفكَّ الكسر، ونعيد تقويمه وتجبيره، ونتَّبع في علاجها الطريقة التالية: نضع على مكان الكسر مسحوق التين، ونلفه بالشاش لمدة /24/ ساعة. ونزيل مسحوق التين، ونضع عوضاً عنه دهن الخروف حصراً (دهن ذنب الخروف)، ونتركه لمدة /24/ ساعة. وبعد إزالة الدهن، نقوم بوضع مسحوق سمك السلَّور، فوق مكان الإصابة، ونلفُّه ونتركه /24/ ساعة، في هذه المرحلة يشتد الألم لأنَّ الكسر يبدأ بالتفكك، ثم نقوم بتمرير عصا فوق مكان الكسر لننهي عملية فك الكسر. ثم نقوم بتجبير الكسر من جديد، وبنفس الطريقة التي ذكرناها سابقاً».

وأضاف "العكرب":«هناك نصيحتان لا بد لنا من ذكرهما للمرضى بعد المعالجة، الأولى تتعلق بالخيط الذي يُلفُّ حول الجبيرة، ويعلَّق في رقبة المريض، فإنه يجب الاستغناء عنه، لأنه قد يؤدي إلى اعوجاج العظم المجبور، أما النصيحة الثانية فمفادها أن الأشخاص الذين تمت معالجتهم بواسطة التين وسمك السلَّور، فإنه يجب عليهم عدم تناول التين أو سمك السلَّور مدى الحياة، وذلك لأنه في كل مرة يتم تناولهما، يصاب المريض بالوهن والألم، ولو تم ذلك بعد سنوات طويلة».

وبسؤال "العكرب" عن مصير هذه المهنة في زمننا الحالي، وهل سيورثها لأحدٍ من أبنائه أجاب: «في الحقيقة لقد أدَّت هذه المهنة مهمتها على أكمل وجه خلال آلاف السنين، حيث كان المجبِّر الشعبي أو كما يسمونه عندنا المجبِّر العربي، هو الشخص الوحيد القادر على التصدي لحالات الكسور التي تصيب الإنسان، وعلى ما أعتقد أنه وبعد التطور الهائل الذي شهدته العلوم الطبية، قد جاء الوقت الذي لابدَّ فيه من أن تحلَّ الوسائل الطبية الحديثة، والأطباء المختصون، بدلاً عن أي وسيلة أخرى للعلاج أو التداوي، وحالياً لا يوجد في مدينة "الرقة" مجبِّر غيري يمارس هذه المهنة، أما عن توريث هذه المهنة لأبنائي، فلقد علمت اثنين منهم أصول المهنة، وهم يساعدونني أحياناً في عملي، الأول مدرس لمادة الرياضيات والثاني يعمل في مجال الديكور، ولكنني لا أعتقد أنهم سيمارسون المهنة كما مارستها أنا وأبي من قبلي».

ومن الجدير ذكره أن المجبِّر "إبراهيم العكرب" ولد في محافظة "الرقة" عام /1935/، وهو أب لسبعة أبناء.