في الآونة الأخيرة، شغل الوشم حيّزاً كبيراً من اهتمام الباحثين فألف بعضهم كتباً في ذلك، وقدم آخرون البرامج المتلفزة عنه فوصفوا أشكاله، ودرسوا بواعث نقشه في مواضع مختلفة من الجسد البشري (كالوجه- والعنف – واليدين).

ليس جديداً ذكر الوشم في الشعر، إذ أننا وجدناه في الشعر الجاهلي، والإسلامي، والعباسي، وحتى الشعر الحديث منه. فها هو ذا الشاعر "طرفة بن العبد" يبدأ معلقته بذكره للوشم:

لخولة أطلالٌ ببرقة ثهمد تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد.

من أشكال الوشم على اليدين

اختلف الباحثون في دوافع الوشم، وتباينت آراؤهم.

قال بعضهم: كانت الفتيات يوشمن ابتغاءً لإظهار شدة البياض.

وشم على أصبع امرأة عجوز ووجهها

وقال بعضهم الآخر: بل كان الوشم علاجاً.

وقال آخرون: لجأ الناس إلى الوشم كبديل للقلائد الذهبية، فضلاً عمّن ربط الوشم بالسلوك الإجرامي، كأولئك الذين يرسمون الأفاعي والعقارب على أيديهم.

كتاب الموليا

وحين نستعرض لون "الموليّا" اللون البارز بين ألوان الشعر الفراتي، نجد مواطناَ عديدة للوشم، فهذا الذي يشبه لون البشرة بالورق الأبيض، ورسم الوشم بالكتابة الأعجمية:

يختال عقلي وأشوف الزين بالحوشي/ أمدهن بالمسك بالهيل مرشوشي

ما شفتها يا ولـد الصدر .. منقوشي/ كتبة وزير العجم بطراف طلحيّة

وذلك الذي يبحث بين العرب عن حبيبه الذي وشم (الهلالي) على جبينه حتى يراه:

الشـمس لي هرّفت والفي بـي مالي/ ياخوي ولف الجهل عنّم على بالي

عيني تدور العرب تا شوف أبو هلالي/ أبو جعود شقر حط الوجع بيّــه

كما نجد من يرى وشم حبيبه كعقدي الجوهر في أعلى الصدر:

أبو شـفاف بدن حسـين موشومة/ عجدين جوهر بزيج الثوب موشومه

ملعون ما ينومن موصوف بيه شامه/ حدر الجفون غرزن بورود جوريّة

أما عندما يقبل من وشم (الردعه)، فإن أنوار خدوده تلمع، وكأنها البرق بظلام الليل:

اركب لجية الفحل وشدادها شامي/ امشي مع البادية وسهيل جدامي

لمن قالوا لي لفى مردوع الوشامي/ ضحاح خدو لعج برق الهريفيّـه

ومع أن آثار الوشم قد تلاشت من وجوه النساء، لكنها بقيت في ذاكرتنا كلوحة فنية جميلة، ورمز من رموز الزينة لدى تلك الفتيات اللائي كن في يوم ما يتواردن الفرات ليباهي بهن النسيم وشعراء "الموليّا".

المراجع:

1ـ الشعر الشعبي الرقي بين الأصالة والتقليد، مخطوط للمؤلف "محمد الموسى الحومد".

2ـ شعراء "الموليا" في القرن العشرين، "محمد الموسى الحومد"، دار "الغدير"، "السلمية" عام /2000/.