تقول الحكمة الشعبية: «خذو الجهايم لو كانن بهايم، إذا ما جابن أبطال يجيبن طوال». أي بمعنى تزوجوا طويلة القامة، ولو كانت قليلة الإدراك، فإنها إذا لم تنجب بطلاً فإنها ستنجب طويلاً. أما "المتنبي" فإنه لا يرى خيراً في الأجسام الطويلة إن لم يواز طولها عقلاً. ولا خير في حسن الجسوم وطولها/ إذا لم يزن طول الجسوم عقول.

ويرى البعض أن طول القامة يوازي ثلثي جمال الإنسان. فلم يقف الشاعر الشعبي عند هذه وتلك، بل إنه رأى الحبيب يشبه شجرة السرو بطوله، وفي جانب آخر يشبه شجرة النخيل والغرب والصفصاف واللبلاب و"اللبينة".

فهاهو في لون "العتابا" ذو عينين سوداوين، تشبه عيني الصقر، وتشعُّ وجنتاه نوراً، لكنه لا يشبه بطوله شجرة" الغرب" أو " الحور" بل إنه يشابه شجرة " السرو" المعتدلة فقط.

وجه من الرقة

عيونك سود سارجهن من الحر ياضن يروس وجناتك من الحر

أدور بالغرب مالقاك بالحور يشبهك عود سروٍ ......بالرها

فتيات من الرقة

وكثر الحديث عن طول القامة في لون النايل:

فهي تشبه الريشة في مشق قامتها، وتتخايل بزيها الجميل الذي يلامس الأرض ولن ينساها حتى يموت.

طولك رياشي.. يردن الثوب كشاشي/ مسلا وليف القلب لو شالم نعاشي

ويطلب من ذويها أن لا يمنعونها من زيارة الآخرين، تلك التي تشبه الغزالة، التي تجابه الريح، ولم تشرك في جلستها الا ذوي العقول الراجحة.

لا تنهرون الطويلة هنوف ومناحرة عذيمي/ ما جالست كل ولد غير المفاهيم

وقد اقتصر طولها على طول الرقبة، وجمال وجهها على جمال عينيها أما لون خديها فإنه يشبه الورق الأبيض المستورد.

الطول كله رقبة والوجه كله عيون/ والخد طلاحي حلب بيد العجم يقرون

وإضافة إلى طول رقبتها، فلقد زينت صدرها بالذهب واللآلئ، أما عيناها فإنهما تشبهان عيني الغزالة، التي امتنعت عن شرب الماء، في القيظ الحار.

الطول كله رقبة والصدر كله حروز/ والعين عين الغزالة الضامرة بتموز

وطوله لا يشابه طول الآخرين، وهو يشبه نجم "سهيل"، ويتعجب منه كيف يمشي على الأرض:

طولك من الله حلو يطول الناس شبر وشي/ وأنت سهيل خفي وشلون تاتمشي

وطوله يشبه طول شجيرة "اللبينة" التي نمت على قمة الجبل، ولم تطلها المواشي:

طولك لبينه عدل من عالي الجبل حشناك/ سعيد من واسدك وقضى العمر وياك

أما في لون "السويحلي"، فإنها ممشوقة القامة تشبه عود الخيزران والصفصاف، ويتساءل لما ذلك النحول، هل هو من النعاس، أم أنه من العشق؟

يالخيزرانه يانبعة الصفصاف/ مدري نعسانه والا الهوى راميج

وفي لون "اللكاحي"، يراه الشاعر طويلاً ممشوقاً يشبه "مجرد الحديد"، ولقد فقد عقله بسبب فقدانه للحبيب:

طولك عدل طولك زين يا مجرد الحديد/ ثلث العقل ضيعتو والشوق راح من يدي

وهي تأسف لقصر طول من تزوج حبيبها منها، وقد سبق وأن قامت بقياس طولها وطوله، وذلك العمود المعتدل الذي ينهض به رأس بيت الشعر فتساووا طولاً:

قدرت طولي وطولك على عامود الجاسر/ ماهو حرام من الله طويل ياخذ قاصر

لكن شاعر "الموليا" كان أبرع بوصف طول الحبيب، ذلك الذي يشبه غصن البان عندما يهزه النسيم القادم صباحاً من جهة الغرب:

اسمر سمارك حلو ما هو بلون البن/ لكن بلون العسل وي السمع لو بان

طول المدلك حلو ويميل غصن البان/ ويلاعبو من هبوب الفجـر غربيه

تلك هي سمات القامة الممشوقة، التي خص بها الإنسان دون غيره من المخلوقات ليتمثل قول الخالق سبحانه وتعالى: "ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم" بصورها في الحكمة والشعر بشقيه الفصيح والعامي، وقد اهتم بها الرقيون، كون الأزياء التي يرتدونها تتناسب، والقامة الطويلة الممشوقة، والتي صورها الشاعر الشعبي، وبرع في تصويرها، رسمها إعجاباً وجسدها حباً يشع وميضاً أطربتنا تراتيله.

المراجع:

1ـ "قبسات من الشعر الفراتي". "محمد الموسى الحومد". دار "الصفدي"، "دمشق" /1995/.

2ـ "الشعر الشعبي الرقي بين الأصالة والتقليد"، مخطوط، "محمد الموسى الحومد"