وصلت الحراج، في محافظة "الرقة"، في السنوات الأخيرة إلى طريق مسدود، لقد تعرّضت لظروف مناخية قاسية من صقيع وانحباس أمطار وغبار، بالإضافة إلى الأمراض التي تعرضت لها الأشجار الحراجية، وخاصة الأنواع الصنوبرية، كذلك تعرض بعضها الآخر للإهمال والعطش بتنفيذ بعض مشاريع الري الخلبية، وارتفاع أسعار المحروقات... فلماذا وصلت الحراج إلى طريق مسدود؟ وما هو وضعها حالياً؟ وما هي خططها للخروج من حالة التراجع التي تعيشها؟ هذه الأسئلة وغيرها كانت مدار حوارنا مع المهندس الزراعي "صالح الأحمد" الذي تولّى رئاستها مؤخراً لإعادة تأهيلها وإصلاحها،علماً أن مساحة الأراضي المحرجة بالتحريج الاصطناعي، في محافظة "الرقة"، بلغت نحو /14/ ألف هكتار في العام /2000/، تضاف لها نحو /2100/ هكتار من الغابات الطبيعية في جزر نهر الفرات.. ومنذ العام ألفين توقفت الحراج عن التوسع أو كادت، وأصبح همها هو ترقيع ما تم إنجازه..!

أفق في الطريق المسدود..!

  • يقال إن علينا أن ننسى ما فعلناه سابقاً، ونبدأ من جديد في التشجير الحراجي.. فماذا تقول أنت؟
  • ** لا يمكننا أن نتجاهل ما أنجزناه في نحو ربع قرن من الزمان، لذلك فقد وضعنا خطة شاملة تهدف إلى القيام بخطوات عملية لإعادة تأهيل المواقع الحراجية في المحافظة، علماً أن عدد تلك المواقع أكثر من ثلاثين موقعاً، أغلبها على ضفاف بحيرة "الأسد"، وتتضمن الخطة ما يلي:

    الجزر الفراتية من كنوز الرقة

    1ـ إنتاج الغراس المناسبة.

    2ـ البدء بإزالة الأشجار الميتة وزراعة الأشجار المحددة بدلاً منها.

    شواطئ الفرات المناطق الحيوية للتشجير

    3ـ تقليص زراعة الصنوبريات والكينا في المحافظة إلى أدنى مستوى.

    4ـ المحافظة على الأشجار القديمة في المواقع الحراجية على ضوء الاعتمادات القادمة.

    ضفاف البحيرة إحدى أهم مواقع التشجير بالرقة

    5ـ التوسع في تلك المواقع، أو إنشاء مواقع جديدة.

    شجرة البطم عمتنا القادمة..!

  • قلنا هذه هي الخطة.. فما أنجز منها؟
  • ** ما تزال خطتنا ساخنة، فنحن لم نبدأ منذ زمن بعيد، ونحتاج إلى نحو أربع سنوات لتنفيذها، أما ما تم إنجازه فعلاً فهو أننا ألّفنا لجنة بالأمر الإداري رقم /1385/ تاريخ (28/8/2008) مهمتها دراسة الأشجار الملائمة للبيئة والظروف الجوية الخاصة بالمحافظة، والمقاومة للأمراض، وانتهت اللجنة إلى اقتراح الأنواع التالية، على سبيل المثال وليس الحصر: البطم، الإثل (الطرفاء)، العوسج، لسان الطير، الدفلة، النخيل، الكازولينا... وتقوم دائرة الحراج حالياً بزراعة هذه الأنواع ضمن مشاتلها. كذلك شكلنا لجنة حددت الأشجار الميتة حصراً حيث سنقوم بإزالة الأشجار الميتة، ونزرع الأشجار البديلة..

  • ما هي خطتنا في مسائل الاستبدال والترقيع؟
  • ** وضعنا خطة لموسم /2008ـ 2009/ يشمل ترقيع /700/ هكتار في مختلف المواقع الحراجية، وأعطينا الأولوية لأكثر المواقع تضرراً، وهي الأشجار الميتة على طريق عام "حلب" ـ "الرقة"، وغابة "الأسد"، وغابة "الحرية"، وغابة "تشرين"، ولكل منها نحو /50/ هكتاراً، وقد بدأنا بالعمل فعلياً في غابة "تشرين" في عيد الشجرة الأخير، السابع والخمسين، علماً أن مساحة غابة "تشرين" هي /325/ هكتاراً، والترقيع فيها يشمل /50/ هكتاراً، يستوعب ما بين /18/ إلى /20/ ألف غرسة، وأنواع الأشجار الجديدة هي: البطم ولسان الطير والكازولينا والدفلة.

  • ما هي أسباب تقليص زراعة الصنوبريات والكينا والاعتماد على الأشجار التي تتحمل الجفاف؟
  • ** عمليات التشجير حراجية وليست إنتاجية، أي ليس هدفها الاستثمار، حتى حين نزرع أشجاراً مثمرة، وهي تهدف للمحافظة على التربة ومنع انجرافها، والمحافظة على البيئة وضمنها بحيرة "الأسد". وكان علينا منذ البداية أن نزرع الأشجار الحراجية المناسبة للمناطق الجافة، وهذه الأشجار لا حاجة لريها بعد مرور ثلاث سنوات عليها... أما الأشجار المزروعة حالياً وخاصة الصنوبريات فإنها تحتاج إلى ري دائم... ونحن في عملية الاستبدال نعيد الأمور إلى نصابها.

  • ماذا عن المشاريع الحراجية المسلمة لكم من المؤسسة العامة لاستثمار وتنمية حوض الفرات المنحلة؟
  • ** تضم المشاريع مواقع مشجرة كغابات أو كمصدات للرياح، وتبلغ مساحة الغابات نحو /58/ هكتاراً، وعدد أشجارها نحو /24158/ شجرة عدا الأشجار اليابسة ومصدات الرياح، علماً أن أغلب الأشجار اليابسة هي من الصنوبريات، والمواقع المذكورة مهملة منذ أكثر من /10/ سنوات، استلمناها كما هي على أرض الواقع علماً أنها بحاجة إلى شبكات ري، وعمال زراعيين وحراس وآليات من أجل تخديمها وإروائها، وسيتم إدراجها في خططنا الاستثمارية القادمة.

    مشتل الثورة للأنواع الجديدة

    * وما حال المشاتل؟

    ** تضم شعبة المشاتل والبذور مشتلين حراجيين هما مشتل "الرقة" ومشتل "الثورة"، تأسس الأول علام /1968/ ومساحته /30/ دونماً وطاقته الإنتاجية /660/ ألف غرسة وخطته للموسم الحالي /205/ آلاف غرسة، وهو يخدم البلديات والمدارس وبعض مواقع التشجير، والثاني تأسس عام /1992/ ومساحته /100/ دونم تقريباً وطاقته الإنتاجية مليون ومئتي ألف غرسة، وخطته للموسم الحالي /460/ ألف غرسة من الأنواع التالية: لوز بري، بطم أطلسي، لسان الطير، أثل روسي، روبينيا، عوسج بري، وإنتاجه حالياً يكاد يكون مختصاً بالأشجار التي تتحمل الجفاف وتتلاءم مع بيئة المنطقة ومناخها.

    الحراج مسؤولة عن كل شجرة

    وتحدثنا عن المحميات البيئية ومشاريع الري الحديث، فقال: هذه حديثها طويل، ولا تقع في أولوياتنا حالياً، إذ الأهم لدي هو في إعادة التأهيل وإنقاذ الحراج علماً أن دائرة الحراج مسؤولة عن كل الأشجار في المحافظة، وأينما وجدت، إذ هناك حراج تتبع لمنظمات أو شركات أو مؤسسات أو دوائر وإهمال هذه الأشجار يتطلب تدخلنا.. ولكن علينا أن نكون مسؤولين أولاً عن مواقعنا، وعلينا أن ننهض بها حتى نستطيع أن نفتش على غيرنا.. وإلاّ لو فعلنا فما أبسط الرد: كونوا بأنفسكم.. وقوموا بمشاريعكم..!

    إن هدفنا في إعادة التأهيل الوصول إلى جعل مشاريع التحريج إحدى العلامات البارزة في الجهد الزراعي في محافظة "الرقة"، وإحدى علامات الأمل، ذلك أن الحراج الخضراء تلعب دوراً أساسياً في حماية سد "الفرات"، والمحافظة على البحيرة ونظافتها، والمحافظة على البيئة، إضافة إلى أنها هي الخطوة الأولى لإعادة التنوع الحيوي للبيئة، وخطوة ضرورية وهامة للمشاريع السياحية الاستثمارية على ضفاف بحيرة "الأسد" على نحو خاص، ذلك أن أغلب المواقع الحراجية على ضفاف البحيرة، والبحيرة هي البحر الداخلي الذي سيستقطب أغلب مشاريع الاستثمار السياحي عاجلاً أو آجلاً.

    أخيراً نقول: إن مشاريع التحريج التي كنا نظن أنها تسابق الزمن في محافظتنا تبيّن أنها كانت متواضعة فمشاريع التحريج لم تتجاوز مساحة /14/ ألف هكتار، وكنا قد وصلنا إلى هذا الرقم في العام /2000/، ومنذ ذلك الحين ونحن نرقع بها ولا تترقع ولم نزد عليها إلاّ قليلا، علماً أن مشاريع التحريج الاصطناعي في محافظة "الحسكة" تجاوزت الثلاثين ألف هكتار... إننا نرى أن مساحة الترقيع للموسم كله لا تتجاوز /700/ هكتار، وهي بداية متواضعة، وكنا نأمل أن تكون جرأتنا أكبر في هذا المجال... على كل حال نحن على الطريق الصحيح، فلكي نسلم علينا أن نخاف... ولكي نصل علينا أن نسلم...!