تعتبر كنيسة القديس "سرجيوس" في "الرصافة" من أكبر الكنائس في المشرق العربي, وقد بنيت في عام /559/ للميلاد، وحالة الكنيسة اليوم تبدو فيها كتلة الأقسام الشرقية قائمة كلها تقريباً, حتى الحافة العليا من الدور الثاني. في الجهتين الشمالية والغربية من الكنيسة, ما زالت الجدران الخارجية قائمة حتى ارتفاع أعلى النافذة, ولهذه الكنيسة ثلاثة محاريب زينت أقواسها بالزخارف المنحوتة. ويبلغ طولها /42/م، وعرضها /34/م، وطول بهوها الأوسط /22/م، وعرض/10/م.

وعثر المنقبون على بلاطة المحراب الجانبي الشرقي, ويعتقد أنها كانت على ضريح أحد القديسين, ولعله القديس "سرجيوس", ويشاهد مجموعة من الأعمدة والتيجان المزخرفة، وبعض الأعمدة وردية اللون, ويُعتقد أنها مجلوبة من مدينة "بعلبك" التاريخية الواقعة في سهل "البقاع" اللبناني. كان لهذه الكنيسة قبة مركزية محمولة على مربع, ولهذا المربع في زواياه الأربع أقواس على شكل مثلثات فراغية, نتج عنها حلقة دائرية شكلت الرقبة الأساسية للقبة المركزية, وهذه الرقبة سمحت بإنشاء شبابيك ذات ارتفاعات متساوية, ومزودة بزجاج واطر خشبية ملونة على كامل الدائرة, مما أتاح المجال لإنارة الكنيسة من الداخل.

إنَّ "البيما" كانت معروفة منذ القديم, وأنه في عام /1975/م عثرت البعثة الأمريكية من جامعة "بيوتا" العاملة في حقل التنقيب الأثري في المملكة الأردنية الهاشمية, على معبد قيل بأنه نبطي "معبد أرتميس" المُشيِّد على قمة السفح الشمالي لقوس النصر المطل على وسط المدينة، والذي يبلغ طوله /17/متراً

وكان هذا النور في حقيقة الأمر يعطي رؤية واضحة, ويكسر الفواصل والحدود, وينشر حالة من الفرح والألفة بين المتعبدين, أثناء تأدية القداس المقدس. ينتهي الصحن الرئيسي لهذه الكنيسة في الجهة الشرقية بحنية مزودة بثلاثة شبابيك تطل على الشرق، وفي الوقت نفسه تجلب النور إلى داخل الكنيسة, يصعد إلى هذه الحنية بواسطة أدراج نصف دائرية, تنتهي أطرافها من الشمال والجنوب عند عتبات مدخلين لغرفتين تحيطان بهذه الحنية, من اليمين ومن اليسار لهما دور وظيفي ديني, فالحجرة التي تقع على اليسار لها درج يصعد إلى الأعلى "الطابق الثاني لغرفة التعميد", أما الطابق الأرضي لغرفة التعميد, فقد عثر فيها على قوس كبير متصدع عليه زخارف, تمثل أوراق الكرمة وزهرة "الأكانتوس", ولهذه الحجرة نافذة من الجهة الشرقية.

واجهة كنيسة القديس سرجيوس من الداخل

ويلاحظ أيضاُ أثار الفتحات المخصصة للأعمدة الخشبية، التي كانت تحمل سقف الدور العلوي. أما الحجرة التي تقع على يمين الحنية الشرقية, فهي الأخرى كانت مخصصة لأغراض دينية.

كنائس المدينة الأخرى و"البازيليك" الكبرى: تحتوي مدينة "الرصافة" الأثرية, على مجموعة من الكنائس, يصل عددها إلى أكثر من سبع كنائس بين كبيرة وصغيرة, إلى جانب "البازيليكا الكبرى".

البازيليكا من الجهة الجنوبية

إنَّ جميع هذه الكنائس بما فيها "البازيليكا", هي من ذات الأبهاء الثلاثة والحنية النصف دائرية. وتعتبر "البازيليكا" الكبرى من أهم "البازيليكات" القديمة في العالم, وهي تشتهر بركائزها التي لها شكلاً مصلباً, ومن الإضافات الجديدة فيها الساقان الموجودتان على البهو الأوسط والبهوين الجانبيين /45×45/سم, وبهذا تكون سماكتها مساوية لسماكة الجدار الخارجي الطولاني للكنيسة. وركائز هذه الكنيسة لها شكل مستطيل وسماكة /80 /سم، وبطول مترين تقريباً, وللأقواس العرضانية طول يصل إلى عشرة أمتار, وقد أنشئت هذه الأقواس على صف واحد من الأحجار, فنتج عن ذلك قوس مزدوج بسبب طبيعة الأحجار الرملية المنشأ القابلة للتفتت, والتي لا يمكن أن يشكل منها بلوكات كبيرة.

وفي العصر الأموي جددت أغلب أقواس الكنيسة, حيث أضاف المهندسون لها أجنحة, مساعدة على الركائز الأساسية الرئيسية, في كل من طرفي البهو الأوسط والبهوين الجانبيين, بشكل متناظر لتخفيف الضغط من القوى الأفقية الحاصل من الأعلى.

كنيسة القديس سرجيوس

كما أنه أثناء تجديد البناء في العهد الأموي, عمل المهندسون على تعزيز الأقواس, لتفادي الهزات الأرضية, علماً أنَّ الزلزال الذي ضرب منطقة "الرقة" في القرن الثامن الميلادي، والذي أصاب "الكنيسة الكبرى", قد أبان مناطق الضعف الإنشائي والمعماري, مما حدا بالمهندسين, بوضع ثلاثة أعمدة بين ركيزتين مصلبتي الشكل لتقصير مسار الأقواس، وكانت هذه الأعمدة تحمل أقواساً صغيرة مغطاة بجدار من الحجر الكلسي انطلاقاً من سطحها ولغاية وسط الأقواس.

"للبازيليكا" بناء في وسط بهوها الرئيس, على شكل نصف دائري، وهو ما يطلق عليه اسم "البيما", وهو بناء من جهته الأمامية الشرقية مقوَّس على شكل نصف دائرة, يتوضع في منتصف "المعزب" الرئيسي للكنيسة, مخصص لأداء الطقوس والشعائر الدينية أثناء إقامة القداس المقدس في "البازيليكا".

ويرى بعض العلماء أنَّ "البيما" هي من ابتكارات الكنيسة المارونية، "كنيسة براد", إلاَّ أنَّ العلماء يقولون: «إنَّ "البيما" كانت معروفة منذ القديم, وأنه في عام /1975/م عثرت البعثة الأمريكية من جامعة "بيوتا" العاملة في حقل التنقيب الأثري في المملكة الأردنية الهاشمية, على معبد قيل بأنه نبطي "معبد أرتميس" المُشيِّد على قمة السفح الشمالي لقوس النصر المطل على وسط المدينة، والذي يبلغ طوله /17/متراً».

ويوصف هذا المعبد, بأنه مقسم من الداخل بواسطة صفين من الأعمدة, يقسمانه إلى ثلاثة أقسام وإلى ثلاثة "معازب" أو أبهاء, ويوجد في البهو الأوسط منه مسطبة يبلغ ارتفاعها متراً واحداً تقريباً, ويمكن أن تكون هي "البيما" التي نتحدث عنها, علماً أنَّ تاريخ بناء هذا المعبد, يعود إلى القرن الأول الميلادي، أو ربما قبل ذلك.

إنَّ البهو الأوسط في "بازيليكا" القديس "سرجيوس" في "الرصافة", يعلو البهوين الجانبيين بمسافة تسمح بإنشاء شبابيك, مما أتاح المجال لإنارة الكنيسة, وكانت هذه الشبابيك تساعد على إدخال النور إلى أبهاء الكنيسة, وهذا النور قي الحقيقة يعطي رؤية أكثر عمقاً للمبنى, ونشر نوع من الألفة والحميمية, أثناء تأدية القداس المقدس بين المصلين في الكنيسة.

كانت "البازيليكا" مغطاة بسقف "جاملوني"، قسم منه مكوَّن من مادة الخشب، والجزء الآخر من صفائح خشبية مستوية. وتجدر الإشارة إلى أنَّ المنقبين, قد عثروا في منطقة المذبح "الحنية الشرقية", على حصيرة من الفسيفساء, وكذلك على صندوق يحتوي على مجموعة من الأواني الفضية والنحاسية مطعمة بالفضة والذهب, وعليها كتابات سريانية تعود إلى القرون الوسطى, وقد أطلق المنقبون على هذه اللقى اسم "كنز الرصافة".