منذ أن يولد الطفل والناس يهنئون والديه بقولهم: "إنشالله عقبال عرسو"، وفي الحياة اليومية يرددون "بفرحة ابنك"، وكأنهم ينتظرون هذه الفرحة التي يزوجون فيها هذا الابن، ومن ضمن عادات الفرح أو الأعراس في جبل العرب، عقد القران، الذي يقام في منزل والد العروس، وبحضور رجال الدين، وفئات المجتمع، وهي الخطوة التي تأتي قبل الفرحة الكبرى، وتسمى "العقد" أو "عقد المشايخ" باللغة المحلية، وتلاوتها تتم والأيدي مبسوطة، داعية أن ينعم العروسان بحياة رغيدة دون تعقيد.

وحول عقد القران أو "عقد المشايخ" بين الباحث التاريخي الأستاذ "نبيه القاضي" لموقع eSwueda قائلاً: «لعادات الزواج تفاصيل عديدة، أهمها عقد القران، الذي يقسم إلى قسمين قسم شرعي وهو "عقد المشايخ" وعقد قانوني، وهو عقد المحكمة، إذ بعد نقد العروس، والخطبة، أو الطلبة، وأكل الحلوى، يجري عقد القران والذي غالباً ما يكون ليلة الزفاف أو قبلها بقليل، يدعو والد الشاب رجال البلدة عامة إلى بيت والد العروس وفي مقدمتهم رجال الدين، تنيب العروس شاهداً عنها، كما ينيب العريس شاهداً عنه، ويدعى كل من الشاهدين "وكيلا" يذهب وكيل العروس إلى الغرفة الموجودة فيها العروس ويخاطبها علناً أمام نساء القرية: "والدك خطبك لفلان أنتي شو بتقولي؟ فتجيبه العروس: "بنت الرجال ما بتتشاور" وإذا كانت موافقة تقدم له سواراً فضياً علامة الموافقة، ولا يجوز أن يكون السوار من الذهب، للاعتقاد بأن الفضة ميمونة الطالع، بعد عودة الوكيل بالسوار يتقدم هو ووكيل العريس ويجلسان على الأرض أمام الشيخ وقد تشابكت يسراهما، ويوضع فوق يديهما المتشابكتين منديل حريري وسوار العروس، ثم يسأل الشيخ الشاهدين علناً هل أعقد قران فلان على فلانة اللذين أنتما شاهداهما عن رضى وقبول كليكما؟ فيجيبان بالإيجاب، عندها يتلو الحضور في تقديم التهاني والتبريك لآل العروسين.

لابد للإنسان أن ينسجم مع منظومته الاجتماعية، وعقد ولدي "ماهر كيوان"، أشعرني بكثير من الشجن لأسباب أهمها التكافل الاجتماعي والحضور بين الأجيال، أي تخلل الحضور جيل المشايخ الذين هم في عقدهم السابع والثامن، والجيل الوسطي بين العقد الرابع والخامس، وكذلك جيل الشباب، والشيخ الذي قام بمراسم العقد، أوضح بصوته ومخارج حروفه، بتلاوة آيات من الذكر الحكيم، وخطبة الزواج والدعاء، كم هو مجتمعنا حريص على تكريس الأصالة والهوية الثقافية المحلية، ولهذا وقفت مرحباً بالحضور شاكراً أهل العروس على هديتهم الثمينة وعطائهم اللامحدود وفق القوانين والأنظمة المرعية، تغمرني الفرحة والسعادة بحلم كل أب أن يكحل عينه برؤية ولده عريساً، إذ منذ أن يولد والناس يرددون عبارة "عقبال عرسو"، لعل الإجراءات الدينية عكست منظومة تهذيبية فيها من الروحانية الشيء الكثير، وهذا ما جعل الفرح والعقل يتفاعلان حتى ذرفت دموع الفرح

يقدم أهل العريس الحلوى لأهل القرية رجالاً ونساء، وبهذا يعتبر العقد منتهياً، ولا يفضل تشابك اليدين أو الرجلين أو قلب الأحذية أثناء عقد القران لأن ذلك مدعاة للشؤم ولتعقيد حياة العروسين وعدم توفيقهما، وحضور رجال الدين مع أجيال من فئات عمرية مختلفة، هي ثقافة معاصرة وحوار مشترك بين الأجيال بلغة العقل والمنطق».

الباحث نبيه القاضي

وعن طريقة العقد "الشرعي" أوضح الكاتب الشيخ "جميل أبو ترابي" عبر الهاتف قائلاً: «قبل إجراء العقد على أيدي الهيئة الروحية، يسجل الزواج في المحكمة الشرعية المختصة لضمان حقوق الزوجين، وهناك شروط لعقد الزواج تتلخص بسؤال ولي المخطوبة عن عمر ابنته فيما إذا أتمت الخامسة عشرة من عمرها، وحصلت على حقوقها كاملة، وتم الاتفاق بين الفريقين على كافة الشروط؟ ثم يستأذن بعقد القران، ثم يكلف شاهدان اثنان بإحضار علامة الرضى من المخطوبة وهي سوار من الفضة أو الذهب ولا تقبل إلا من يدها بالذات، بعد أن يسألاها موافقتها الشخصية دون ضغط أو إكراه من أحد فإذا سكتت أو ضحكت أو بكت فقد أذنت وإن أبت لم تزوج.

أما الإجراءات فيجلس المأذون أو المكلف بعقد القران من رجال الدين مستقبلاً القبلة، ويجلس وكيل المخطوبة عن يمينه ووكيل الخطيب عن شماله، ويشبكان يديهما اليسريين مع بعضهما على طريقة التصافح بالأيدي، ويربطان إبهاميهما بسوار المخطوبة، ويغطيان يديهما بمنديلها حتى نهاية صورة العقد، ثم يستأذن الحضور بعقد القران.

جانب من الحضور الديني

يسأل المأذون بعقد القران وكيل الخطيبة قائلاً: "أنت وكيل الزوجة؟ يجيب: نعم، وأنت وكيل الزوج؟ يجيب الآخر: نعم، ثم يسأل وكيل الزوجة: أزوجت موكلتك فلانة بنت فلان، البنت البكر "وإذا كانت المخطوبة متزوجة من قبل فيقال المرأة الثيب" البالغ الخالية من الموانع الشرعية لموكل هذا الرجل فلان بن فلان، على الشروط المتفق عليها من مهر متقدم كسوة لبدنها وإصلاحاً لشأنها، وصداق قد تراضيتم عليه إلى حين الطلاق والفراق على سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ يجيب نعم، وأنت رضيت؟ يجيب: نعم».

وتابع الشيخ "أبو ترابي" قائلاً: «أما العقد فيبدأ بقراءة الفاتحة "الحمد لله رب العالمين"، ثم يكرر ثلاث مرات سورة "قل هو الله أحد"، ثم سورة "قل أعوذ برب الفلق"، وسورة "قل أعوذ برب الناس"، ثم الآية القرآنية "إنا أنزلناه في ليلة القدر"، ثم خطبة الزواج وهي "بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الخبير بما صنع، اللطيف بما بدع، الكريم بما أعطى ومنع، الذي وصل شمل المتباعدين وجمع، أحمده حمد من آمن بربوبيته وقنع، وسلامه وصلواته على رسوله وآله أئمة الهدى ومصابيح الدجى ما ترنم طائر وسجع، وسلم تسليماً ما أضاء صبح وبرق لمع.

نزيه كيوان

أما بعد فإن الله قد سن سنة الزواج وبثها وحللها، وجعلها سنة من سنن الأنبياء، وشرعة من شرع الصالحين الأتقياء، وصوناً عن الفحشاء، ووقاية من رب الأرض والسماء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا رهبانية في الإسلام"، وقال تعالى: "ومن كل شيء خلقنا زوجين"، "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة"، وقال تعالى: "والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات"، فسبحان من جعل البعيد قريبا، والغريب صهراً ونسيباً، وقال سيد تهامة، المظلل بالغمامة، والمتوج بتاج العز والبهاء والكرامة: "يا أمتي تزاوجوا تناسلوا تكاثروا فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة"، وقد صار اجتماعنا ها هنا لأمر قدره الله وقضاه، وحكم به وأمضاه، وقارنه بالسعد والتوفيق في أوله وأوسطه ومنتهاه، فأسأله تعالى أن يلقي بين الزوجين المحبة والوداد (وهنا يردد الحضور آمين بعد كل دعاء)، وأن يرزقهما النسل الصالح من الأولاد، وأن يريهما الأحفاد، وأن يوسع عليهما الرزق، وان يحفظهما من مكايد الخلق، وأن يبارك هذا العقد الميمون إن شاء الله".

بعدها يتم تقديم أهل العريس الحلوى للحضور رجالاً ونساء، ويتبادلون التهاني والتبريكات للعريس وأهله».

وعن الشعور النفسي ولحظات السعادة بعد إتمام مراسم عقد الشاب "ماهر كيوان" أوضح والده "نزيه كيوان" من قرية "مياماس" قائلاً: «لابد للإنسان أن ينسجم مع منظومته الاجتماعية، وعقد ولدي "ماهر كيوان"، أشعرني بكثير من الشجن لأسباب أهمها التكافل الاجتماعي والحضور بين الأجيال، أي تخلل الحضور جيل المشايخ الذين هم في عقدهم السابع والثامن، والجيل الوسطي بين العقد الرابع والخامس، وكذلك جيل الشباب، والشيخ الذي قام بمراسم العقد، أوضح بصوته ومخارج حروفه، بتلاوة آيات من الذكر الحكيم، وخطبة الزواج والدعاء، كم هو مجتمعنا حريص على تكريس الأصالة والهوية الثقافية المحلية، ولهذا وقفت مرحباً بالحضور شاكراً أهل العروس على هديتهم الثمينة وعطائهم اللامحدود وفق القوانين والأنظمة المرعية، تغمرني الفرحة والسعادة بحلم كل أب أن يكحل عينه برؤية ولده عريساً، إذ منذ أن يولد والناس يرددون عبارة "عقبال عرسو"، لعل الإجراءات الدينية عكست منظومة تهذيبية فيها من الروحانية الشيء الكثير، وهذا ما جعل الفرح والعقل يتفاعلان حتى ذرفت دموع الفرح».