تعيش أحداث التاريخ في الصدور، وتُذكر مآثره في حكاياه، ويُستعاد للذاكرة بأدواته، التي يمكن أن تدخل التراث بفعل الزمن والمتغيرات الوجودية، لأن الأداة تبقى الشاهد على الفعل، وتدخل التراث والموروث، لأنها تعود إلى عصور تاريخية قديمة، استخدمها رجال دخلوا التاريخ، ومن أدواتهم كانت "الشباري" التي لها مكانة عند العرب كأسلحة يدوية، منقوش عليها اسم صاحبها، وصور ملوك، ومعبرة عن زي تقليدي "كاليماني" في اليمن و"المجدلاني" في "مجدل شمس".

وعن أسلحة "الشباري" بين السيد "معضاد أبو خير" صاحب أدوات تراثية منذ أكثر من نصف قرن لموقع eSwueda قائلاً: «لقد ورثت مجموعة من الشباري"، عن والدي الشاعر الشعبي "يونس أبو خير"، و"الشبرية" من الأسلحة اليدوية الفردية التي استخدمها الثوار والمقاومون، والعربان في الصحارى والبادية، وسميت "الشبرية" لأن طولها لا يتجاوز الشبر، وهو سلاح خفيف الوزن جميل المنظر، قدمه تاريخي جعله يدخل ضمن الأزياء الشعبية التراثية، كما في مناطق الخليج أو سلطنة عمان، والأردن وغيرها من الدول العربية مثل اليمن التي يطلق عليها اسم "الجانبية" والتي تلازم الشخص في زيه التقليدي، للافتخار بما يمثله من مآثر، وقد استخدمها الثوار، والمقاومون، والملوك، والأمراء، والشخصيات الاجتماعية الاعتبارية، إضافة لرعاة الماشية، ولدي أيضاً واحدة موروثة عن جدي "حمد أبو خير" يعود تاريخها إلى ما يقارب القرن الزمني، وهي من عهد الملك "فيصل الأول" ملك العراق آنذاك، مدون عليها صورة له، وغطاؤها من الفضة، فهي لم تستخدم للزينة فحسب بل لمعرفة أن صاحبها كان دائماً على استعداد للقتال، ومواجهة الأعداء، ومعطيات الحياة ومستلزماتها، والتعامل مع الطبيعة، وهناك بعض الشباري التي حملت أسماء صانعها مثل "آل محيسن" التي تعمل منذ زمن بعيد يزيد على القرن بهذه الصنعة، والتي حفرت صورة الملك على بعضها، ومنذ أربعين عاماً وصلت إلى والدي إحداها منقوش عليها اسم "حافظ محيسن" ولادة عمان 1962».

هناك أنواع من الشباري ذات الألوان الفضية والتي لها رسوم وشكل من النقوش المنحوتة بزخرف تعود إلى ثقافة تاريخية لها فلسفة خاصة ومعاني لدى فئات اجتماعية تتصل بالزمان والمكان مع المجتمعات العربية ومنها طائفة "الشركس"، ولديها نوع من الشباري يقال له "القامة"، لأنها تأتي على شكل مستقيم لا مائل كما في غيرها من الشباري، لتأخذ صبغة معينة

وعن انتساب الشباري إلى المجتمعات التي على علاقة بالثقافة العربية بزخارفها ونقوشها التاريخية والمتجسدة بفكرها وثقافتها، تابع السيد "أبو خير" قائلاً: «هناك أنواع من الشباري ذات الألوان الفضية والتي لها رسوم وشكل من النقوش المنحوتة بزخرف تعود إلى ثقافة تاريخية لها فلسفة خاصة ومعاني لدى فئات اجتماعية تتصل بالزمان والمكان مع المجتمعات العربية ومنها طائفة "الشركس"، ولديها نوع من الشباري يقال له "القامة"، لأنها تأتي على شكل مستقيم لا مائل كما في غيرها من الشباري، لتأخذ صبغة معينة».

من شباري آل محيسن وصورة الملك فيصل

وعن بعض أنواع الشباري بين السيد "عصام الدبس" المهتم بالأدوات التراثية بالقول: «هناك مجموعة من الأشكال يعود كل منها إلى مكان وزمان خاص به، منها على سبيل المثال "المجدلاني" الذي اشتهر به أهالي "مجدل شمس"، ويكون شكله طويلا ومعكوفا ومزينا بالصدف، ويتمتع بشفرة فولاذية من الفولاذ الدمشقي القديم وله أربعة أوجه لنصله، لأن ضربته قاضية بدخول الهواء وتجرثم الجرح، وهي تترافق مع وجود السيف، وهناك الشباري ذات اللون الأصفر النحاسي، مزركشة بالنقوش، وهي من النحاس والفضة والفولاذ، وتتكون من قبضة عاجية أو من العظم، أو من الخشب المتين مثل السنديان، وله زخارف متنوعة تحمل ثقافة خاصة بيئية لكل منطقة، توضع عليها في بعض الأحيان عيون الخرز بألوان مختلفة، ولها "قراب" وهو الحافظ الخنجر والنصل، مصنوع من النحاس ومن الفضة وله حلقات أو حمالة توضع في حزام من أجل تثبيته على خصر الشاب، ونصله من البولاد القاسي، وطوله يتراوح بين الشبر والشبرين بمقياس الرجل».

وحول علاقة الشباري بالتاريخ أوضح الإعلامي "حسين خويص" نائب رئيس مجلس إدارة جمعية الأدب الشعبي وأصدقاء التراث قائلاً: «لدى البحث في تاريخ صناعة الشباري، نلاحظ أن لكل بلد من البلاد العربية طريقة وشكلا مختلفا عن الموجود في البلاد أخرى، في أسلوب الصناعة والطريقة والشكل، حتى يسمى كل نوع من أنواع الشباري باسم بلد المنشأ، كأن تقول اليماني على سبيل المثال لأنها من اليمن، أو المجدلاني لأنها تنسب لأهل "مجدل شمس" منذ مئات السنين، ربما يدخل ذلك بما يناسب طبيعة المناطق العربية البادية والجبلية، والساحلية، والوسطى، ولعل هذا الفن من الصناعة له تأثير بعوامل تاريخية وفكرية، أو إن صح التعبير وفق التضاريس ونظام المجتمع وطبيعته».

الإعلامي حسين خويص
شبرية القامة