على الرغم من تعدد الصناعات اليدوية المتطورة ولكن ماتزال بعض النساء في جبل العرب لا يمكنهن الاستغناء عن صناعة "القش"، تلك الصناعة التي مازالت تحافظ على رونقها المميز الذي يعبق برائحة الماضي بكل مقتنياته، وإذا لم تتمكن بعضهن من إتقان الصناعة فإنها بلا شك تسعى لاقتناء قطع متعددة منه.

الجدة "سلمى سعيد" من قرية "صميد" والبالغة من العمر 80 عاماً تحدثت لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 28/12/2009 عن بداياتها في صناعة القش بالقول: «بدأت العمل في صناعة القش بعمر عشر سنوات، حيث كانت البداية بصنع الأطباق الصغيرة، وبعد أن أتقنت الصنعة بدأت بصنع السلال والصحون و"القفف" والتي تشبه جرار الماء ولكنها أوسع قطراً وأقصر طولاً، ولها أحجام مختلفة وزخارف متعددة ومتنوعة، كنا نضع فيها الثياب، ومنها ما كان مخصصاً لوضع المؤونة، أي أطباق القش كانت بديلة الصواني في ذاك الزمن، أما اليوم فإنها تعلق على الجدران وتزين بها المنازل، والسلال كانت تستخدم سابقاً لوضع الطعام والفواكه، وحالياً بسبب توافر البرادات التي تحفظ الطعام أصبحت تستخدم السلال في الديكور وتوضع فيها الزهور.

كنت أعمل في السابق وقتاً طويلاً وبعت الكثير مما صنعت، ولكن حالياً أعمل من أجل التسلية، ولأن عدداً قليلاً من النسوة يتقن هذه الصنعة، ولكن إلى حد الآن مازالت هناك أطباق من القش تطلب مني وبشكل خاص العلب التي تستخدمها العرائس لوضع أدوات التزيين والماكياج، وأنا أقوم بتلبية كافة الطلبات

وأنا لم أتوقف يوماً عن العمل وما زالت أعمل حتى الآن، فلم تفارقني أطباق القش منذ أن كنت في العاشرة من العمر، تعلمت صناعتها من والدتي وكان العمل الأقرب لنفسي، وعلى الرغم من كثرة الأعمال التي كانت تقع على كاهل المرأة في ذلك الزمان من صناعة الخبز العربي إلى تعبئة الماء من النبع والعمل بالأرض والحصاد وتربية الأولاد وغيرها الكثير، إلا أنني كنت أجد الوقت اللازم للعمل في صناعة القش».

من صنع السيدة "غازية شلغين"

وعن الأدوات التي تستعملها تضيف بالقول: «نستخدم "المخلة" وهي إبرة ثخينة، والقش أو ما يسمى "القصل" ومصدره من القمح والشعير، ولكن حالياً نجد في الأسواق "قصل" بلاستيكي بألوان متعددة، صنعه أسهل من صناعة القش العادي لأنه أقل تكسراً، ومن يتقن الصنعة لا يجد فرقاً بين النوعين، ولكن الألوان الجميلة والمتعددة "للقصل" البلاستيكي تجعلنا نبتكر الكثير من التصاميم في الأطباق والصحون وغيرها».

تتابع: «كنت أعمل في السابق وقتاً طويلاً وبعت الكثير مما صنعت، ولكن حالياً أعمل من أجل التسلية، ولأن عدداً قليلاً من النسوة يتقن هذه الصنعة، ولكن إلى حد الآن مازالت هناك أطباق من القش تطلب مني وبشكل خاص العلب التي تستخدمها العرائس لوضع أدوات التزيين والماكياج، وأنا أقوم بتلبية كافة الطلبات».

السيدة "سلمى سعيد"

السيدة "غازية شلغين" من اللواتي يعملن في صناعة القش، تذكر بالقول: «صناعة القش تحتاج لصبر طويل، الجميل فيها أنك تستطيع التحكم بما تصنع باللون والحجم والزخارف، أحببت هذه الصناعة كثيراً وكنت أجد متعة أثناء عملي بها، صنعت الكثير منها لتزيين منزلي فقط ولم أفكر بالبيع، أحببت فكرة أن أصنع زوجاً من كل قطعة، فهي جميلة بالنسبة للقطع المفردة.

ولكن في الوقت الحالي بقي عدد قليل من النسوة ممن يعملن بهذه الصنعة وهم من كبار السن على وجه التحديد، على الرغم من حب الصبايا والسيدات لصناعة القش واستخدام الأطباق والصحون والعلب في تزيين منازلهم، إلا أنهم لا يرغبن بتعلمها، ويعتمدن على الهدايا وما تصنعه الأم والجدة».

من صنع السيدة "سلمى" منذ خمسين عاماً

(*) تم تحرير المادة في عام 2009.